أمريكا.. والإخوان

محمد حبيب السبت 18-04-2015 21:21

تمنت أمريكا منذ عام 2005 أن تقوم فى منطقتنا العربية فوضى تعيد فيها ترتيب الأوراق بما يخدم مشروعها ومصالحها التى تتلخص فى تفكيك المنطقة وإحكام السيطرة على مواردها، وبما يضمن أمن وأمان «إسرائيل».. وقد أطلقت على هذا المخطط مصطلح «الفوضى الخلاقة»، ومنذ ذلك الحين وهى تحاول الاتصال بكل الأطراف الموجودة على الساحتين المحلية والإقليمية، لعلها تجد من يتجاوب معها ويستجيب لمخططها.. وكان ضمن من اتصلت بهم جماعة الإخوان.. ومن الواضح أنها نجحت مع بعض الأطراف وأخفقت مع البعض الآخر.. وكما هى عادة أمريكا، كان الاتصال على التوازى، ومن وجدت منه تجاوبا مضت معه حتى نهاية الشوط، ومن فقدت فيه الأمل تركته إلى غيره.. كان كاتب هذه السطور هو واحد ممن اتصلت بهم أمريكا عبر وسيط مصرى.. هذا الوسيط لم ألتقه، وإنما التقيت رسوله الذى نقل إلىَّ مضمون الرسالة، والذى تلخص فى قيام الإخوان بمظاهرات عارمة، يقوم مبارك على أثرها باعتقال الآلاف من الإخوان، ثم تتدخل أمريكا لإزاحة مبارك عن السلطة والإفراج عن الإخوان، وأخيرا تنصيب الدكتور عزيز صدقى، رئيسا مؤقتا، ريثما تتم انتخابات عامة.. ولما سألت عن المقابل، قيل وصول المرأة والأقباط إلى المناصب العليا فى الدولة، وضمان أمن وأمان «إسرائيل».. وكان ردى هو الرفض القاطع والحاسم، من منطلق وطنى بحت، وأنه مهما كان استبداد وفساد مبارك ونظامه، فلا نستعين بأحد- أيا كان- لتغييره.. والسؤال: هل اتصلت أمريكا بقيادات أخرى من الإخوان؟ لا أثبت ذلك ولا أنفيه، لكن ما عرضه «الخرباوى» فى كتابه «سر المعبد»، وما ذكره «عبدالعظيم حماد» فى مؤلفه «الوحى الأمريكى.. قصة الارتباط البناء بين الأمريكان والإخوان»، يشير إلى ذلك.. من ناحية أخرى، وحتى تكتمل الصورة، فإنه كما كانت أمريكا تريد أن تطيح بمبارك عبر مظاهرات عارمة، كانت حركة «كفاية» فى نفس الوقت تستهدف الشىء ذاته عام 2005، وقد تحدث معى بعضهم فى ذلك من منطلق أن الجماعة الوحيدة القادرة على حشد مائة ألف فى ميدان التحرير هى جماعة الإخوان.. وكان رأيى استحالة ذلك، فالأجهزة الأمنية بوسائلها المختلفة تستطيع منع الإخوان من التجمع فى القاهرة، وذلك بسد كل من مخارج المحافظات ومداخل القاهرة. وعندما أعلن عن تظاهرة فى 25 يناير، كان من رأى الإخوان عدم المشاركة فيها.. ولم يشارك منهم سوى 2500 شاب وفتاة، لكن على مسؤوليتهم الخاصة.. ولم تشارك الجماعة بشكل فعلى إلا يوم 28 يناير (جمعة الغضب)، وبعد أن تم إلقاء القبض على 34 من قياداتها، كان منهم محمد مرسى، سعد الكتاتنى، سعد الحسينى، مصطفى الغنيمى، عصام العريان، سيد نزيلى، صبحى صالح، وآخرون.. لكن اللافت للانتباه هو استجابة قيادة الجماعة للحوار الذى دعا إليه عمر سليمان (نائب مبارك آنذاك)، وهو ما اعتبرته وصمة عار فى تاريخ الجماعة.. وكان من رأيى عندما اتصل بى بديع هاتفيا ألا يذهب أحد، حيث كان الهدف هو شق صف القوى الثورية، وبالتالى إفشال الثورة.. لكن قيادة الجماعة- للأسف- خانت ما كان متفقا عليه، وهو أنه لا حوار إلا بعد رحيل مبارك.. وقد حدث فى تلك الليلة لقاء منفرد بين عمر سليمان ومرسى والكتاتنى، حيث طلب منهما سحب شباب الإخوان من ميدان التحرير فى مقابل الإفراج عن خيرت الشاطر وحسن مالك، والاعتراف بمشروعية الجماعة.. لكن الشباب الموجود فى ميدان التحرير رفض ذلك وأبى الخروج من الميدان..

كان رأيى- ولايزال- أن على الإخوان وفصائل المعارضة بشكل عام، وهى تتعامل مع الدول الأجنبية، أن تتقيد بالقواعد البروتوكولية، بمعنى أن يكون التعامل بين الرئيس هنا والرئيس هناك، ووزير الخارجية هنا ونظيره هناك، وأعضاء مجلس النواب هنا والسيناتورز هناك، وهكذا.. لكن لا بأس من اللقاء مع أى من المنظمات غير الحكومية فى هذه الدول.. وفى حالة ما إذا أرادت إدارة أجنبية التواصل مع قيادات الجماعة، أن يكون ذلك مشروطا بإذن الخارجية المصرية، وأن تكون أجندة اللقاء معلنة وفى إطار السياسة الخارجية لمصر، وأن يكون اللقاء معلنا للأجهزة المعنية، زمانا ومكانا.. وهذا كله من منطلق أن الجماعة- أو أى فصيل معارض- ليس دولة داخل الدولة، وإنما هو جزء منها ويعمل على دعمها ومساندتها وتأييدها فى مواجهة الدول الأخرى.

نعم، حاولت أمريكا أن تطيح بمبارك، ربما لأن دوره قد انتهى، أو أنه استنفد ما كان مطلوبا منه خلال فترة الثلاثين عاما التى حكم فيها، أو لأنه لم يستطع أن يقدم ما هو مطلوب منه بالنسبة للمشروع الصهيو- أمريكى، ومن ثَمَّ كان لابد من طرح مسار أو بديل آخر، وهو الاتفاق مع الإخوان، خاصة أنهم يمثلون القيادة بالنسبة للتنظيمات الإخوانية فى الأقطار الأخرى، وبالتالى فما يوافقون عليه سوف يوافق عليه الإخوان فى كل مكان.. ربما كان هذا ما كانت تهدف إليه أمريكا، فهى كما قالت تريد «سلاما دائماً» فى منطقتنا، وهو السلام الذى يصب فى مصلحة العدو الصهيونى، وعلى حساب الشعب الفلسطينى والقضية الفلسطينية.. ولعل ما يفسر هذا ذلك الخطاب الفضيحة الذى أرسله الدكتور مرسى إلى السفاح شيمون بيريز يصفه فيه بـ«الصديق الوفى»، ويقول له صراحة: «نتمنى الرغد لبلادكم»(!!!)

أعود فأقول مجددا: نعم، كانت أمريكا تخطط للإطاحة بمبارك، لكن من الثابت بيقين أن من أجبر مبارك على التنحى فى 11 فبراير 2011 هو الشعب المصرى- لا الإخوان- وفى ثورة غير مسبوقة فى التاريخ.. صحيح أن المجلس العسكرى بقيادة المشير طنطاوى حافظ على الثورة ولم يطلق رصاصة واحدة، وحمى مصر من مثل ما حدث فى ليبيا واليمن وسوريا، لكن ما حدث بعد ذلك من تفاهم وصفقات مع الإخوان، ووصولهم إلى قمة هرم السلطة فى مصر وفشلهم فى إدارة شؤون البلاد قضى على الثورة، بل هيأ السبيل إلى ثورة أخرى- فى 30 يونيو- والإطاحة بحكمهم فى 3 يوليو، قبل أن تنزلق مصر إلى هاوية حرب أهلية من ناحية، وإنقاذاً لها من التبعية والدوران فى فلك أمريكا من ناحية أخرى.