مصر فى الاستراتيجية الإثيوبية

هاني رسلان الجمعة 17-04-2015 20:45

نشرت صحيفة ريبورتر الإثيوبية فى يونيو 2000 ما سمته حقيقة وجوهر الاستراتيجية الإثيوبية، والتى أفصحت عنها الحكومة الإثيوبية فى وثيقة بعنوان «مكونات السلام والأمن لإثيوبيا لما بعد الحرب».. والحرب المقصودة هنا هى الحرب الحدودية التى نشبت بين إثيوبيا وإريتريا فى الفترة من عام 1989 إلى عام 2000. وقد أوضحت الوثيقة أن إثيوبيا أصبحت تنظر لنفسها، بعد توقف هذه الحرب، على أنها قوة إقليمية مخولة بحماية أمن منطقة القرن الأفريقى، وقادرة على المساهمة فى إحلال السلام فى شرق أفريقيا وفى البحيرات الكبرى. وهكذا فإن الهدف الإثيوبى يتمثل فى الهيمنة على القرن الأفريقى وجعله يدور فى فلك إثيوبيا، وهذا يتطلب تفتيت كل الكيانات المحيطة وفرض الرؤية الإثيوبية عليها.

أما مصر فتنظر إليها الوثيقة باعتبارها القوة المعادية التى تمتلك أجندة شريرة تجاه إثيوبيا وتسعى لإضعافها، وأن مصر محكومة بعقدة (الهيمنة) على مياه النيل، وأنها أى مصر لن تتردد فى أن تكون جزءا من عملية زعزعة إثيوبيا، وتزعم بأن دور مصر معاد لها، ومصدر قلق لأمنها ولسلامتها.

وبطبيعة الحال فإن الوثيقة بأكملها قائمة على مغالطات لا نهاية لها من النواحى التاريخية والسياسية والعسكرية، إذ إن إثيوبيا نفسها لم تنشأ بحدودها الحالية إلا عبر التوسع والقمع، وهى نفسها تتكون من تعدد إثنى يجعلها بمثابة متحف للقوميات يعج بعشرات القوميات والإثنيات المختلفة فى الأصل العرقى واللغة والدين ونمط الحياة والإنتاج، حتى إنها لا يمكن اعتبارها دولة ذات هوية وطنية أو قومية مشتركة بل هى دولة تحتوى فى داخلها على مجموعة من «الدول القومية».

ولذلك تقول الوثيقة إن تنفيذ هذه الاستراتيجية يتطلب إقناع المجتمع الدولى بأن توجهات إثيوبيا الخارجية والأمنية فى منطقة القرن الأفريقى وفى البحيرات الكبرى، سوف تساهمان فى حل الأزمات الأفريقية، وأن قرب إثيوبيا من منطقة الشرق الأوسط يقتضى منها الاهتمام بكيفية ربط المنطقة (القرن الأفريقى) بالشرق الأوسط بما فيه إسرائيل. وأن على إثيوبيا أن تعير اهتماما خاصا لدور مصر المعادى، والذى يمثل مصدرا للقلق لأمن وسلامة إثيوبيا.

وفى الجزء الذى تخصصه الوثيقة لمصر، نلاحظ أن الاستراتيجية الإثيوبية تجاه مصر تنطلق من مجموعة من الاعتبارات الأساسية، والتى تفسر لنا السلوك الإثيوبى القائم منذ سنوات، والذى مازال مستمرا حتى هذه اللحظة، والتى يمكن أن نلخص أهمها فيما يلى:

1- أن مصر ترى أن إثيوبيا تعتبر خصما مستقبليا لها، وذلك لجملة أسباب بما فيها قضية مياه النيل واعتبارات أخرى.

2- لابد أن تدرك إثيوبيا أن لمصر أجندة معادية تجاه إثيوبيا، وهذا بدوره يؤثر أيضا فى سياسة مصر فى منطقة القرن الأفريقى.

3- تهدف السياسة المصرية لإضعاف إثيوبيا التى تراها تلعب دورا مهيمنا فى المنطقة.

4- يجب على إثيوبيا أن تتفاوض مع مصر بشأن استخدام مياه النيل، وهذا الموضوع غير قاصر على البلدين بقدر ما يجب أن يشمل كل دول حوض النيل.

5- على إثيوبيا ألا تسمح لمصر بلعب دورين مزدوجين لسياستين مزدوجتين، فهى تلعب دورا فى الاتحاد الأفريقى، ودورا مختلفا فى جامعة الدول العربية.

6- تحتاج إثيوبيا لتعزيز نفوذها فى الدول الأفريقية، لاسيما تلك المطلة على حوض وادى النيل والتى تجمعها معها المصالح المشتركة والمختلفة مع مصالح مصر.

بطبيعة الحال تحتاج الوثيقة التى أوردنا أهم نقاطها إلى قراءة منفصلة توضح تناقضاتها وأطماعها التوسعية على حساب تدمير أمن وحياة الشعوب والدول المحيطة، وكذلك الأسس الواهية التى تستند إليها والتى لا تستطيع أن تدعم هذه التوجهات التوسعية، إلا عبر أدوارها بالوكالة لقوى دولية وإقليمية من خارج حوض النيل، وهذا ما سوف نطرحه فى الأسبوع القادم إن شاء الله.