فى خطاب عاهل السعودية الملك سلمان بن عبدالعزيز فى القمة العربية الأخيرة، فى شرم الشيخ، مارس الماضى، قال: إن عملية عاصفة الحزم مستمرة حتى تحقق الاستقرار للشعب اليمنى، وحتى ينعم الشعب اليمنى بالأمن. لم يحدد الملك فى كلمته شكل الاستقرار الذى عندما يتحقق تنهى السعودية وحلفاؤها العمليات العسكرية لينعم اليمنيون بالأمن والأمان.
فى السياسة مقبول أن تلمح ولا تصرح، تتشدد وتطلب المستحيل حتى تصل إلى المعقول والمقبول، وفى الحروب الأمور أكثر تحديدا، يجب أن تكون الأهداف واضحة، ومن يبدأ حربا، فعليه أن يعرف كيف ومتى ينهيها. الغرض الأساسى إحداث تغييرات على الأرض تمهد الطريق فى النهاية إلى مائدة المفاوضات، والوصول إلى اتفاقات ما كانت لتحدث دون القوة العسكرية. فمن العبث التصور أن الحروب تمتد حتى يتم فناء العدو، ولكن يحدث ترويع للعدو ليقبل بالتفاوض والتنازل عن جزء أو كل مما حصل عليه من قبل، ولا يقبله الطرف الآخر.
الحوثيون عبثوا باستقرار اليمن، حين تصوروا أنهم قادرون على الإطاحة بالشرعية ومؤسسات الدولة، وفرض نفوذهم بالقوة المسلحة على اليمن بمساعدة الرئيس السابق على عبدالله صالح وإيران، وكان من الطبيعى والمنطقى أن تتدخل السعودية لوضع حد لتضخم دور الحوثيين والنفوذ الإيرانى المتغلغل شمالا وجنوبا فى شبه الجزيرة العربية، وأتصور أن السعودية تدرك أن القضاء على الحوثيين وقلع جذورهم من بلدهم ليس حلا ولا مغنما، ولكن المطلوب تقليم أظافرهم ووضعهم فى الإطار المناسب لهم، ليجلسوا فى النهاية على مائدة المفاوضات، ليسوا كمنتصرين، ولكن كفصيل يمنى له ما له وعليه ما عليه، يشارك فى بناء وطنه وإدارة شؤونه، محترما قوانينه قابلا بمؤسسات الشرعية، يعلى من قيمة «الوطن الجامع» على حساب العشيرة والقبيلة والمذهب التى تقسّم.
كان موقف الجامعة العربية واضحا وصريحا فى تأييدها عاصفة الحزم حتى تعود الشرعية إلى اليمن، وجاء ذلك على لسان أمينها العام دكتور نبيل العربى، وبعدها لم نسمع شيئا من السيد الأمين العام رغم دخول عاصفة الحزم أسبوعها الثالث.
بان كى مون، الأمين العام للأمم المتحدة، خرج علينا منذ عدة أيام فى المؤتمر الصحفى الذى عقده فى الدوحة، بعد فترة صمت كان مرغما عليها لا بطلا، داعيا إلى وقف القتال فى اليمن والعودة إلى الحوار بعد مقتل أكثر من 600 شخص وإصابة ألفين بجروح، وشدد على ضرورة وضع حد للعمل العسكرى فى أسرع وقت ممكن.
إيران من جانبها، وعلى اعتبار أنها الجارة الحريصة على استقرار المنطقة والتوازن الإقليمى بحق الشفعة- تقدمت بمبادرة لوقف القتال والعودة للحوار بالتشاور مع تركيا وروسيا وباكستان التى رفض برلمانها الموافقة على المشاركة فى عاصفة الحزم، وفضلت أن تقف على الحياد.
أما المنظمة التى أنشئت منذ 70 عاما لتكون بيت العرب، حيث يتم التداول فى المسائل التى تثير الهم المشترك، والعمل على تسوية المنازعات والصراعات بين الدول الأعضاء، «فودن من طين وودن من عجين»، لا حس ولا خبر، صمت مريب، وسكوت مشكوك فى دوافعه، فلم نسمع من السيد نبيل العربى عن مبادرة للجامعة العربية لحل الأزمة اليمنية، ولم نقرأ عن تحركه واتصاله بالأطراف المعنية للعمل على وقف الأعمال العسكرية واستبدال الحوار بها، الذى ستكون نتائجه مختلفة بسبب التغيرات الميدانية التى أحدثتها هذه الأعمال.
سمعنا عن وجود خلافات سعودية مع الدكتور نبيل العربى، وعن مشكلة تخفيض مكافآت العاملين بالجامعة، التى عرضت على القمة الأخيرة، ولكن هذه خلافات إدارية لا يمكن أن تعوق الجامعة عن القيام بدورها الأساسى الذى أنشئت من أجله قبل سبعة عقود، وهو الحفاظ على العلاقات الطيبة بين الدول العربية وتفعيل التعاون بينها فى كافة المجالات، وأن تتشارك فى الدفاع عن بعضها البعض، ضد أى عدوان خارجى يضرب استقرارها وأمنها القومى.
سمعنا صوتك يا دكتور نبيل.