أكد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن تضييق الخناق على المتطرفين فى المساجد جعلهم يتجهون إلى معاهد الدعاة ودور النشر، مطالباً كل مؤسسات الدولة بتطهير نفسها من «الإخوان»، مشيراً إلى أن لديه معلومات مؤكدة حول مدارس تابعة لجماعة الإخوان تدرس مناهج دينية خاصة، مشدداً على ضرورة التحرى عن المدرسين والموظفين بها.
وقال جمعة، فى حوار خاص مع «المصرى اليوم»، إن مصر أصبحت أمام فريقين: الأول يقدس التراث والآخر يتطاول عليه، معتبراً أن التطاول على التراث يقلل من القدرة على مواجهة الإرهاب، لافتاً إلى أن تاريخ الخلافة الإسلامية ملىء بالصراعات الدموية بسبب السعى إلى السلطة، مؤكداً أن تجديد الخطاب الدينى يحتاج إلى 10 سنوات، وأن هناك حاجة إلى الاجتهاد والتجديد، مشيراً إلى أن الوزارة أعدت أكبر خطة لإعمار المساجد هذا العام بواقع مسجدين يومياً، لافتاً إلى أن التنسيق بين الوزارة وباقى مؤسسات الدولة أفضل من الفترات السابقة، لكنه دون المستوى المطلوب.
وأضاف جمعة أن الواجب الوطنى حتم على الوزارة الحوار مع الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة السابق، واصفاً الوزير الحالى بأنه ذو عقلية شابة ومستنيرة، معتبراً أن الإلحاد فى العالم العربى مسيس، والتشيع موجه، نافياً سيطرة السلفيين على أى مسجد، أو وجود صفقات بينه وبين السلفيين، وأنه أصدر تصاريح خطابة لياسر برهامى، ويونس مخيون، بعد خضوعهما لاختبارات الخطابة، مؤكداً أن تهنئة المسيحيين واجب وطنى لا حرمة فيه شرعاً، وأن شيخ الأزهر والده وأستاذه وأنه لا خلافات بينهما، وإلى نص الحوار:
■ نبدأ بالقضية الأكثر إثارة للجدل وهى تجديد الخطاب الدينى منذ أن نادى الرئيس بتجديد الخطاب الدينى، والناس لا تشعر بخطوات حقيقية لذلك، فما رأيكم؟
- دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى جاءت فى وقتها واستطاع الرئيس أن يضع يده على الداء، فالخطاب الدينى هو المعضلة الكبرى فى العالمين العربى والإسلامى، وكما قال بعض المثقفين الفرنسيين إن هذا الإرهاب الذى تغذيه بعض القوى فى أوروبا وأمريكا سيرتد أول ما يرتد إلى أوروبا وأمريكا، كما قال الرئيس إن هذا الإرهاب يمكن أن يكون فى أوروبا بعد شهر وفى أمريكا بعد شهرين، لأن هؤلاء مرتزقة، وبمجرد ما يضيق عليهم الخناق سيرتدون إلى البلاد التى صدرتهم.
■ نريد أن نعرف ماذا فعلتم فى هذا الإطار على أرض الواقع، بمعنى ما الخطوات التى اتخذتموها لتجديد الخطاب؟
- على أرض الواقع هناك عمل، ولا يمكن أن ينكر أحد الجهود التى نقوم بها، وهناك نمو فى هذه الجهود كما ينمو الطفل والنبات ربما لا يلحظه الكثيرون، ونحن فى مرحلة لا يمكن أن توصف بأنها الأصعب أو الأسهل، وهى منع المتطرفين من اعتلاء المنابر أو السيطرة على المساجد، وكانت هناك مساجد لا يمكن لرجال الوزارة دخولها، منها على سبيل المثال مسجد أسد بن الفرات الذى كان يسيطر عليه حازم صلاح أبوإسماعيل فى الدقى، والمراغى بحلوان، والعزيز بالله بالزيتون، والجمعية الشرعية بأسيوط حيث تنتشر الجماعة الإسلامية، والقائد إبراهيم حيث الشيخ حنفى المحلاوى بالإسكندرية، وغيرها مئات المساجد التى كان بها جبابرة السلفيين والإخوان، وتمكنا من تطهير صفوف الوزارة ومساجدها، ولا ينكر أحد أننا اتخذنا خطوات إيجابية فى ذلك.
■ لكن مطاردة هؤلاء دفعتهم للبحث عن طرق أخرى للظهور، مثل معاهد إعداد الدعاة؟
- بالفعل تضييق الخناق عليهم دفعهم إلى ممارسة عادتهم السرية من خلال معاهد إعداد الدعاة، لكن من العام المقبل لن نسمح لأى من هذه المعاهد بالعمل إلا من خلال موافقة مكتوبة من الأزهر الشريف، أو الوزارة.
■ هذا عن تجديد الخطاب على المنابر، فماذا عن الكتب التى توجد فى كل بيت؟
- بدأنا بدور النشر التى مازالت تنشر كتب سيد قطب، ويوسف القرضاوى، وحسن البنا، وكانت الخطوة الأولى تجفيف المنابع التى تغذيها، وفى حدود واجبنا وإمكانياتنا نستطيع القول إننا منعنا غير المختصين من اعتلاء المنابر أو السيطرة على المساجد.
■ على الجانب الآخر هل لديكم الكوادر القادرة على سد فراغ هؤلاء؟
- هذه هى المرحلة الباقية لنا، وهى إعداد كوادر مثقفة وواعية ومدربة من الأئمة والدعاة، وقد بدأنا فى ذلك وأتت أكلها، إلا أنها تحتاج إلى وقت، ونعمل حالياً بوسائل غير تقليدية لدعوة الناس إلى الإسلام الوسطى، منها أننا نقدم فقرة فى برنامج «صباح الخير يا مصر»، وندرس استخدام وسائل غير نمطية مثل ملتقى الفكر الإسلامى، وعودة الأمسيات الدينية، والتى ستتضمن قراءة القرآن الكريم، والإنشاد الدينى، كما أن هناك قوافل دعوية بالتعاون بين الوزارة والجامعات، مثل جامعة الإسكندرية.
■ هل ترى أن تجديد الخطاب الدينى يجب أن يتم بوزارة الأوقاف فقط؟
- يجب على كل مؤسسات الدولة، الثقافية والفنية وغيرها، تطهير نفسها من الإخوان وأصحاب الأفكار المتطرفة، ولعلك تلحظ أنه يتم اختيار أبراج الكهرباء التى سيتم تفجيرها، بعناية، حتى تؤثر تأثيراً بالغاً على الأهالى، وهذا يؤكد أن الإرهابيين من العاملين بوزارة الكهرباء.
■ مصطلح تجديد الخطاب الدينى انتشر مؤخراً وتردد كثيراً دون توضيح لمعناه والمقصود به، فماذا يعنى التجديد؟
- رئيس الجمهورية أجاب على من يسألون عن مفهوم تجديد الخطاب الدينى، بقوله إننا نريد ثورة للدين وليست ثورة على الدين، وضربت مثالاً للوفد الفرنسى الذى زارنى منذ فترة بمفهوم الجزية فى الإسلام، وهى التزام مالى كان يؤديه غير المسلمين لأنهم لا يلتحقون بالجيش أو الشرطة، ولا يشاركون فى حماية الأوطان، فهل من العقل والمنطق أن يستمر المسيحى فى دفع الجزية وهو يستشهد بجانب أفراد الشرطة والجيش ويشارك فى حماية الوطن، كذلك نحن نعرف أنه يجوز للمسلم أن يتزوج من مسيحية أو يهودية لأنهما من أهل الكتاب، فهل يعقل أن الزوج لا يهنئ زوجته المسيحية بعيدها، رغم أن الزواج يقوم على المودة والرحمة، ولذلك فإن تهنئة المسيحيين بأعيادهم واجب وطنى ولا حرمة فيه شرعاً.
■ لكن المتطرفين يجذبون العامة إليهم بمصطلحات مثل الخلافة الإسلامية والدولة الإسلامية، فهل توجد هذه المصطلحات فى الإسلام؟
- مصطلح تنظيم الدولة الإسلامية تأتى الكثير من المصائب من ورائه، فالنبى، صلى الله عليه وسلم، لم يذكر فى حديث واحد مصطلح الخلافة الإسلامية، ولا قال إن من الإيمان أن تؤمن بالخلافة، وإنما قال الإيمان بالله واليوم الآخر والقضاء والقدر، والحكم يتغير بتغير الوضع والزمان والمكان، والأصل أن يكون هناك نظام واضح له رأس متمثل فى الرئيس والحكومة، والرعية متمثلة فى الشعب، أما هذه المسميات فليست لها أهمية، كما أن الإسلام لم يضع نظاماً جامداً أو قالبا جامداً، فالحكم فى الإسلام له شروط منها العدل ومنع الفساد والمحسوبية والرشوة والعمل على مصالح الناس وتوفير حرية المعتقد وتأدية الشعائر دون أى أذى، أما نظام الخلافة الإسلامية عبر التاريخ فهو ملىء بقصص الدم والقتل والصراع من أجل السلطة، وأعتقد أن أى حكم يوفر العدل ويمنع الفساد ويعمل على قضاء حوائج الناس، هو حكم رشيد، ونحن نتمنى أن يحقق الحكم فى كل الدول، العدل، ويمنع الفساد ويوفر حرية المعتقد، وبعد ذلك سم كما تشاء.
■ وهل توفر الوزارة ما يخصها فى هذه المنظومة، مثل توفير حرية المعتقد؟
- هذا العام لدينا أكبر خطة لإعمار المساجد البالغة نحو 732 مسجداً، بواقع مسجدين يومياً، وإن شاء الله نصل إلى المحصلة النهائية، وسيتم هذا العام طرح 780 مسجداً، وكان متوسط الوزارة فى السابق من 50 إلى 60 مسجداً، وهذا يعنى أننا حققنا أكثر من 10 أضعاف ما بين إحلال وتجديد كامل، بالإضافة إلى صيانة دورات المياه، بتكلفة تتجاوز 600 مليون جنيه.
■ عودة لنظام الخلافة الإسلامية الذى يعتمد عليه تنظيم «داعش» ويقول إنه موجود فى كتب السنة، إذن الخلافة لها أصل؟
- من يذبحون الناس فى «داعش» يقولون إن الخليفة هو أبوبكر البغدادى، ونحن نتكلم عن تنقية كتب التراث، فنحن أمام فريقين أحدهما متزمت ويقدس كتب التاريخ والسيرة ويرفض أن تمس بأى بطريقة، وفريق يتطاول على كتب السنة والتراث، ونحن بينهما مذبذبون، لكن هذا لا يمنع أن هناك كتبا تاريخية مغلوطة، فمثلاً يذكر أحدها أن الخليفة العباسى، أبوعبدالله السفاح، أطلق عليه هذا اللقب لأنه كان يسفك دماء الناس، ولكثرة القتل فى عهده، فهل يصلح أن يكون خليفة للمسلمين، ولو كان هذا الأمر صحيحاً فلماذا ندرس سيرته للناس، ولو كان خاطئاً فلماذا لا يتم إلغاؤه وتصحيحه.
■ ذكرت أن نظام الخلافة الإسلامية عبر التاريخ ملىء بقصص الدم والقتل والصراع من أجل السلطة، فهل هو نظام سياسى أم نظام دينى، وماذا عن الجهاد؟
- بالفعل تاريخ الخلافة الإسلامية كله صراعات دموية، مثل صراعات الدولة العباسية، واقتتال الأمين والمأمون أبناء الخليفة هارون الرشيد من أجل كرسى السلطة، أما مصطلح الجهاد الذى تردد مؤخراً فهو دعوات باطلة، لأن الجهاد حق خاص بولى الأمر فقط، والمخول به الجهاد فى سبيل الله هو رئيس الدولة والجيش والقضاء والسلطة، وليس على الرعية أن تدعو من تلقاء نفسها للخروج إلى الجهاد دون موافقة الدولة، وقد أجمع العلماء على أن الجهاد ليس على أفراد المسلمين أو عامتهم، وإنما على رئيس الدولة أو الحاكم، وهذا يمنع الناس من أن يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة.
■ كم نحتاج من الوقت لإنجاز مهمة تجديد الخطاب الدينى؟
- نحن ورثنا تركة مهلهلة، ولو سألنا خبراء الاقتصاد كم نحتاج من الوقت للنهوض بالاقتصاد المصرى فسيقولون إن هناك مراحل قصيرة المدى، ومراحل متوسطة المدى، وأخرى طويلة، ونحن حققنا إنجازاً كبيراً وسريعاً فى وقف الفساد الفكرى من خلال منع اعتلاء المتطرفين المنابر، ووزارة الأوقاف ليست وحدها من يشكل عقول المجتمع، وعلى طريقة الاقتصاد أقول إن هناك خططا قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، القصيرة تتحمل المسؤولية فيها المساجد ووسائل الإعلام والثقافة، لأن وسائل الإعلام تضغط بقوة وبسرعة وتسهم فى تشكيل الفكر سواء كان من المثقفين أو العلماء، ووزارة الشباب تقوم بدور جيد.
■ هذا على المدى القصير، فماذا عن المتوسط والطويل؟
- المدى الذى نريده لبناء فكرى وعقلى كاملاً، وإحداث تغيير كامل وشامل يحتاج على الأقل إلى جيل تعليمى، أى عقد من الزمان، فنحن نحتاج إلى طالب يتخرج فى المرحلة الابتدائية فى مناخ تعليمى وسطى، ولذلك قلنا إن المدارس التى يسيطر عليها الإخوان يجب أن تُراقب، ونحن نبحث حالياً عن المدارس الخاصة التى تتبع الجماعة وعدداً من الجمعيات، وتقوم بتدريس مناهج دينية خاصة، وأنا لدىّ معلومات مؤكدة عن مدارس بعينها تقوم بتدريس مناهج دينية خاصة بها أو مناهج بديلة، فمن الأهمية توحيد مناهج الدراسة الدينية فى جميع المدارس العامة والخاصة، وألا تكون هناك أى مناهج دينية خاصة بالمدارس التى تتبع بعض الجماعات أو الجمعيات، كما أن السماح لهذه المدارس بتدريس كتب دينية إضافية تختارها إداراتها بطريقتها بعيداً عن رقابة وزارة التربية والتعليم يشكل خطراً بالغاً على تشكيل عقول أبناء المجتمع، خاصة الأطفال.
■ التلاميذ يستقون معلوماتهم وتشكل شخصياتهم من رافد آخر غير المناهج، هو المدرس، والكتب الخارجية، فماذا عنهما؟
- هناك ضرورة للتحرى عن المدرسين والموظفين العاملين بهذه المدارس، ونحن نقوم حاليا بمتابعة عدد من دور النشر والطباعة التى تطبع كتب سيد قطب، والقرضاوى، والبنا، والتى تخرب عقول الشاب والمجتمع.
■ إذن هناك تنسيق بين الأوقاف ومؤسسات الدولة المعنية لتجديد الخطاب الدينى؟
- هناك تنسيق أفضل بكثير من الفترات السابقة، لكن يجب أن نعترف بأنه دون المستوى المطلوب، ونقوم الآن بالتنسيق مع وزارات التربية والتعليم، والشباب، والثقافة، وفى مايو المقبل سنصدر وثيقة نعلن فيها آليات ومبادئ تجديد الخطاب الدينى الواعى والمستنير، والبعض يظن أن تجديد الخطاب الدينى مسؤولية الأزهر والأوقاف فقط، لكن الحقيقة أنه فى عمق عمل عدد كبير من الوزارات، مثل التربية والتعليم، والثقافة، والإعلام، والشباب، وغيرها.
■ كيف تضمنون عدم وقوع أخطاء فى التجديد سواء مقصودة أو غير مقصودة، وبالتالى تحتاج إلى تجديد فى المستقبل؟
- هناك أخطاء وخطايا فى مسألة تجديد الخطاب الدينى، ولاشك أن أى تغيير أو تجديد فى تناول قضايا الخطاب الدينى عبر تاريخ البشرية لا يمكن أن يكون موضع إجماع أو اتفاق قبل الاختبار لمدد أو فترات زمنية، تطول وتقصر وفق قناعات المجددين وصمودهم واجتهادهم وقدرتهم على الإقناع برؤاهم الفكرية الجديدة، خاصة أن التقليديين والمحافظين والمستفيدين من الأوضاع المستقرة لا يمكن أن يسلموا بالسرعة والسهولة التى يطمح إليها المجددون، وبمقدار عقلانية المجددين وعدم شطط المحسوبين عليهم فى الذهاب إلى أقصى الطرف الآخر يكون استعداد المجتمع لتقبل أفكارهم، بقطعهم الطريق على أصحاب الفكر الجامد والمتحجر من طعنهم فى مقتل، غير أن الوسطية التى نبحث عنها جميعاً ويدعيها كل فريق لنفسه صارت حائرة غاية الحيرة بين طرفى النقيض.
■ ما آليات العمل التى تعتمدون عليها عند تجديد الخطاب الدينى؟
- نتناول هذا الموضوع من ثلاثة جوانب عامة، هى: مفهوم المقدس، وخطورة الخروج عن الموضوعى إلى الشخصى، وحرية المعتقد وحدود حرية الرأى، أما الجانب الأول وهو مفهوم المقدس والنظرة إليه ما بين مقدس للقديم على إطلاقه لمجرد قدمه، بحيث نكاد نُنزل أقوال بعض الفقهاء منزلة النص المقدس، حتى تلك الأقوال التى ناسبت زمانها ومكانها وعصرها، وأصبح واقعنا يتطلب اجتهادًا جديدًا يناسب عصرنا ومعطياته ومتطلباته، ورأينا من يكاد يقدس أقوال بعض المفسرين والمؤرخين وما ورد بكتب الأنساب وكتب السير والملاحم، على علات بعضها، وفى أقصى الطرف الآخر نجد من يتطاول تطاولاً سافرًا على أمور هى من الثوابت أو فى منزلتها على الأقل، متخذًا من شعار التجديد، الذى يصل عند البعض إلى درجة الهدم، مجالاً للاعتداء على الثوابت، وقد يكون عن ضيق أفق أحيانا أو عن نفعية وسوء قصد لا نثبته ولا ننفيه، لأن القلوب بيد الله عز وجل، والنيات عنده مرجعها ومقصدها، ومع تأكيدنا الشديد الملح والمتكرر أننا فى حاجة إلى التجديد وإعمال العقل، وأننا ضد الجمود الفكرى والتحجر عند القديم والتمترس عنده، وغلق باب الاجتهاد وضيق الأفق أو انغلاقه أو انسداده، وضد تكفير المثقفين أو اتهامهم فى وطنيتهم إلا بحكم قضائى نهائى وباتّ، فإننى أذكر أن جميع أصحاب المعتقدات لا يقبلون النيل من ثوابتهم ولا الاعتداء عليها حتى ولو كانت بيّنة البطلان بالعقل والنقل عند غيرهم.
■ وما أبرز الأخطاء التى تم رصدها أثناء العمل على تجديد الخطاب؟
- من أكبر أخطاء وخطايا تناول الخطاب الدينى الخروج من الموضوعى إلى الشخصى، والإسفاف إلى درجة تشبه السباب، والسباب المتبادل، إن لم يكن سباً وقذفاً، سواء بين المتحاورين أم المتناظرين، بالتطاول على العلماء والمفكرين، فعندما يتحدث أى مفكر فى قضية موضوعية مراعيًا أدب الحديث وأدب الحوار وأسس النقد العلمى الموضوعى وأصوله، فهذا تعبير عن الرأى يُقابل ويُناقش بالحجة والرأى والعقل والمنطق، أما عندما يخرج هذا المفكر أو الباحث أو الناقد عن التناول الموضوعى إلى التطاول على الأشخاص سواء أكانوا من المعاصرين أم من أصحاب الرأى والفكر والأثر فى تراثنا الدينى أو العلمى أو الثقافى، فإن ذلك يعد أمراً غير مقبول، وهذا لا يمكن الصبر أو السكوت عليه، لكنه سيكون مسار استفزاز لمن هم على قناعة واعتداد بفكر هؤلاء الرجال، وقد ينبرى لهم بعض من يرون أن الدفاع عن هؤلاء العظماء واجب شرعى أو عقلى أو إنسانى، فتحدث معركة كلامية أو جدلية جديدة أو قديمة متجددة، ربما تشغل الساحة عن رؤى أهم وقضايا أولى بالتناول فى تلك المرحلة الفارقة من تاريخنا الوطنى، أما الجانب الثالث فهو ما يتصل بالفهم الصحيح والفهم الخاطئ لحرية الرأى، فإننا نفرق بين حرية المعتقد وحرية الرأى، كما نفرق بين الحرية المنضبطة بضوابط الشرع أو العقل أو القانون، والفوضى التى لا حدود لها، فمع أن ديننا الحنيف لم يحمل الناس حملاً أو إكراهاً على الدخول فيه، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: «لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىّ»، فقد أصّل الإسلام لحرية المعتقد تأصيلاً واضحاً يؤكد سماحته وسعة أفقه، لكن هذا شىء، ومفهوم حرية الرأى الذى لا ينبغى أن يصبح انفلاتا أو تطاولاً على الثوابت أو المقدسات أو الأشخاص باسم حرية الرأى شىء آخر، على أننا فى حاجة ملحة إلى العمل لا الجدل، وأن نجتمع على المتفق عليه.
■ تحدثتم عن وجود تعاون مع وزارة الثقافة، فهل كانت بينكم خصومات مع الوزير السابق جابر عصفور، الذى دخل فى مشادات مع الأزهر الشريف؟
- ليست لدىّ أى مشكلة مع أى وزير أو مؤسسة فى الدولة، والواجب الوطنى يحتم علينا التنسيق والحوار مع الوزير السابق الدكتور جابر عصفور، وأنا أحترم الحوار، والمعارك التى دخلها «عصفور» هو يُسأل عنها، وأنا لم أنجر مطلقا إلى الدخول فى الجوانب الشخصية أو الصراعات الخاصة، فقط أميل إلى الموضوعية والحوار، والدكتور عبدالواحد النبوى، وزير الثقافة الحالى، يتمتع بعقلية شابة ومستنيرة.
■ وماذا عن التعاون مع وزارة التربية والتعليم، خاصة بعد إشرافكم على تنقية مناهج التربية الدينية؟
- هناك تعاون كبير ومثمر مع وزارة التربية والتعليم، من خلال إرسال عدد من القوافل الدعوية من علماء الأوقاف إلى المدارس، وعقد ندوات، وإلقاء كلمات حتى فى طوابير الصباح، وبالفعل أشرفنا على تنقية مناهج التربية الدينية بوزارة التربية والتعليم، وتم إلغاء وتنقيح وإزالة عدد كبير من الموضوعات غير الصالحة لتدريسها للنشء، ويجب أن نهتم بتدريس التربية الدينية، وتوحيد مناهجها فى جميع المدارس العامة والخاصة، فكما ذكرت قبل قليل أن لدىَّ معلومات مؤكدة عن مدارس بعينها تفرض مناهج دينية خاصة بها أو مناهج بديلة.
■ تابعتم قضية إسلام بحيرى ومطالبته بتنقية كتب التراث، لكن البعض أفتى بإباحة دمه، فما رأيك؟
- أنا أؤمن بحرية التعبير، لكن دون الإساءة إلى المقدسات أو الرموز الإسلامية، فلو أنك قلت إن هناك رأيا فقهيا لا يعجبك أو تراه لا يصلح لهذا الزمان، لتقبلنا منك هذا الكلام، لكن أن ينقلب كلامك إلى تجريح وإساءة فى الشخص نفسه، فهذا كلام غير مقبول، وعلى سبيل المثال، الإمام الشافعى من أهم الأئمة المجددين، إذ غير منهجه وفقهه من العراق، وجدده فى مصر، لأنه وجد واقعاً وحالاً مختلفا، ومن حقك أن تنتقد الإمام الشافعى أو تعتنق مذهبه، لكن ليس من حقك أن تتطاول عليه أو تسىء إلى شخصه، والناس لا تفرط فى ثوابتها، حتى أصحاب العقائد الفاسدة والباطلة، فلو أنت سببت «بوذا»، فلا شك أن البوذيين سيقومون بقتلك، وكذلك إذا قمت بانتقاد من يعبد البقرة، ونحن بالمناسبة ضد فتاوى القتل، لأن هذا من عمل القضاء فقط، وليس من حق الأشخاص أن يهدروا دم أحد أو يقوموا بتكفير أحد، وأنا ضد التراشق بالكلمات والسباب المتبادل وضد شخصنة الأمور، وإنما كلامى موضوعى دائماً، تأسياً بالنبى، صلى الله عليه وسلم، والتطاول على الثوابت وكتب التراث لا يخدم المصلحة الوطنية ولا الدينية، والنَّيْل من علماء الأمة السابقين ليس من المروءة ولا الدين ولا الوطنية، ولا أحد يستطيع التطاول على أصحاب العقائد الفاسدة، فكيف بنا ونحن أصحاب العقيدة الصحيحة، ويجب أن نعرف أن أعداء الأمة يريدون إشغالنا بذلك، وإذا وجدوا شاباً يميل إلى التشدد والجهاد جروه إلى ذلك، وإذا وجدوه يميل إلى الانفلات جروه إلى الإلحاد، والإلحاد فى العالم العربى مسيس وموجه، القصد منه تفسيخ العالمين العربى والإسلامى، كما أن التشيع أيضا موجه لصالح المد الصفوى والإيرانى، وإذا واجهنا التطرف، يدفعونك إلى الإلحاد، وإذا واجهت الإلحاد يدفعونك إلى الطائفية والمذهبية، وهكذا حتى يوقفوك عن البناء، وهذه الأفكار تشغل المجتمع وتربكه، وبدلاً من الانشغال بها، ينبغى الانشغال فى البناء وفيما يفيد، وأنا أجتهد ألا أذكر الأشخاص مطلقاً، وليس ذلك سلبية، لكننى أرفض التراشق.
■ نحن الآن أمام مجموعة من الشباب يحاولون تجديد الخطاب الدينى، لكن فى المقابل هناك فراغ فى المؤسسة الدينية..
- المجتمع المصرى متدين بطبعه، ويرفض التطاول على الثوابت تماماً، وهذا التطاول يشكل خطراً على الأمن القومى، ومن الناحية الوطنية يشكل خطراً على كيان الدولة ومؤسساتها، لأن الأعداء سيقولون إن الدولة تحارب الدين «مش عايزه الدين»، وحدث خلط كبير فى العصور السابقة بين مواجهة التطرف ومواجهة التدين، وهذا زمن ولى، لكن الآن لدينا قيادة سياسية واعية هى الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى لا يمكن لأحد أن يزايد عليه، والرئيس قال إنها ثورة للدين وليست على الدين، وهى بالفعل كذلك، وكتب علينا أن نواجه التطرف، فى حين أن مواجهة التطرف والغلو لا تعنى أن يكون هناك تسيب وتقصير، مثل التطاول على كتب التراث أو السماح بالتشيع والبهائية، وإذا بنيت فكراً صحيحاً تستطيع حينها أن تكون قادرا على الصمود، ومن ثَمَّ يجب ألا يتم تهميش التربية الدينية، لأنه يمكن اصطياد الطلاب.
■ لكن أهل الباطل لا ينشطون إلا فى غياب أهل الحق، فأين أنتم؟
- هذا صحيح، ويوم أن نصل إلى المستوى الذى نريده، ونكون شباباً لديهم ثقافة وقدرة على الدعوة، فستختفى هذه الظواهر وتتلاشى من تلقاء نفسها، وأنا أرى أن بعض الظواهر والأشخاص يبحثون عن التواجد والظهور وإحداث نوع من الجدل الإعلامى، لكن تجاهلهم ربما يكون أفضل بكثير.
■ لكن ألا ترى أن التجاهل نوع من الهروب، وأن مواجهة الرأى بالرأى والحجة بالحجة هى الأفضل؟
- المواجهة الفكرية والموضوعة والمدروسة هى الأساس، وحتى لو خرج بعض الناس عما يجب أن يكون عليه الحوار، فإننى أؤكد أننى لا يمكن أن أستفز أو أخرج على ما يجب أن يكون عليه العالِم من الحكمة والموضوعية والاتزان، وأؤكد أن التطاول على الثوابت يقلل من قدرتنا على مواجهة الإرهاب، لأنهم سيقولون إننا ضد الإسلام، ولذلك فالأمر قائم على الوسطية، فلا غلو ولا تقصير ولا إفراط ولا تفريط، ومصالح الأديان لا تنفك عن مصالح الأوطان، وهذا التطاول لا يقل خطورة على أمننا القومى من هذه العمليات التكفيرية والإرهابية، وتحديد الثابت والمتغير من كتب التراث من اختصاص أهل العلم فقط وليس غيرهم، وسنعد وثيقة ونعقد ندوات تحدد من يحق لهم التحدث فى الدين وتطوير الدعوة إلى الله.
■ هل هناك فراغ عجز عن سده أئمة الأوقاف والأزهر ساعد فى ظهور هذه الأفكار؟
- ربما يكون بالفعل هناك فراغ وفراغ مقابل أدى إلى وجود من يتطاولون على المعتقدات والمقدسات، لكن ولله الحمد المؤسسة الدينية فى مصر فى حالة عودة، وربما يمكننى القول إن القوات المسلحة هى الوحيدة فى مصر التى نجت من الترهل الذى أصاب جميع مؤسسات الدولة، ونأمل أن يعود الأزهر الشريف والأوقاف إلى دورهما الفعال، وهناك مجهودات فردية قوية، والرئيس عبدالفتاح السيسى قال كلمة رائعة: «نريد ثورة للدين وليس على الدين»، وربما نحن نشاهد أن الإلحاد انتشر فى عالمنا العربى والإسلامى بصورة كبيرة، وهو إلحاد مسيس وموجه يهدف إلى تمزيق العالمين العربى والإسلامى.
■ لماذا تسميها تطاولاً على المقدسات، وليست محاولة للاجتهاد فى ظل تغير الزمان وتطورات المجتمع؟
- لا شك أننا فى حاجة إلى الاجتهاد والتجديد فى ضوء متغيرات الزمان ومستجدات العصر، وهناك قضايا تحتاج إلى دراسة هيئات ومؤسسات وفتوى المجامع العلمية، كما أن الأمر يتطلب دراسة الحكم الشرعى والواقع العصرى، والتجديد يحتاج إلى تراكم خبرات علمية وفقهية وشرعية وحياتية ومجتمعية وثقافية، مع موهبة وأهلية للاجتهاد، وطاقة على إعمال العقل وخروج عن دائرة الجمود إلى دائرة التفكير وسعة الأفق بما يتناسب مع طبيعة العصر ومعطياته وملابساته ومستجداته.
■ ترددت أنباء فى الآونة الأخيرة عن وجود خلافات بينكم وبين الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، فما حقيقة ذلك؟
- الدكتور أحمد الطيب والدى وأستاذى، ولا يمكن مطلقاً أن تكون بينى وبينه أى خلافات، وكنت فى زيارته بمحافظة الأقصر، الأسبوع الماضى، وقد أنابنى فضيلته لزيارة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، لتهنئته بعيد القيامة المجيد، وعليكم أن تسألوا من بث هذه الشائعات المغرضة، ولدىَّ من الود والمساحة مع شيخ الأزهر ما يسمح لى بإبداء بعض وجهات النظر، وأنا أعرف حدودى جيداً، ولا أتدخل مطلقاً إلا فى حدود السلطات المخولة لى فى الوزارة، دون الدخول فى تفاصيل أخرى تخص الأزهر، وأى إنسان يقول إنه سمع منى انتقادا للأزهر فهو غير صادق.
■ بمناسبة عيد القيامة المجيد، ما رأيك فيمن يردد عدم جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم؟
- تهنئة المسيحيين ضرورة وطنية، وليست حراما كما ذكرت، ويجب أن يعلم هؤلاء أن الشرع أباح للمسلم الزواج من الكتابية سواء كانت مسيحية أو يهودية، ولا يعقل ألا يهنئ الزوج المسلم زوجته المسيحية بعيدها، وقديما كان المسلمون يدافعون عن الوطن ويحمون المسيحى.
■ أطلقتم دعوات كثيرة للقضاء على «الأخونة»، فهل ترى أنه مازالت هناك أخونة؟
- هناك جهود حثيثة لتنقية مؤسسات الدولة من الإخوان، ويجب أن نعرف أن هناك عددا غير قليل من الإخوان فى مؤسسات مهمة وحيوية فى الدولة، مثل وزارة الكهرباء التى ذكرت قبل قليل أن من يفجرون أبراج الكهرباء هم من العاملين والموظفين بها، لأنهم يختارون أبراجاً معينة يؤثر تفجيرها بشكل بالغ، وتلحق ضرراً كبيراً بالدولة، وبالنسبة للأوقاف، فقد حاربت الإخوان منذ وطئت قدماى الوزارة، وهناك حملات تفتيش كبيرة، وطالبنا من قبل بتوقيع إقرارات تبرؤ من الإخوان للخطباء الذين تثار حولهم شكوك.
■ بماذا تصف جماعة الإخوان؟
- تنظيم إرهابى هدفه الاستحواذ على السلطة، وفى سبيل ذلك فإن أعضاءه مستعدون للتحالف مع الشيطان، بدليل تحالفهم الآن مع الدول العميلة التى تعلن حرباً صريحة على أمننا القومى، غير أن الشعب المصرى لن يخدع مرة أخرى بهم ولا بأمثالهم ولا بمن يدورون فى فلكهم ممن ينتمون إلى تحالف دعم الإرهاب المسمى زوراً وبهتاناً «تحالف دعم الشرعية»، لأن الشرعية والإسلام بريئان من أعمالهم الإرهابية، ولطالما طالبت بتتبع مصادر تمويل جماعة الإخوان، وكشف علاقتهم بالجماعات الإرهابية والتكفيرية، ولطالما أكدت أن جماعة الإخوان الإرهابية تعد الأب الروحى والحاضنة الكبرى لتلك الجماعات، وعلى رأسها «داعش» و«أنصار بيت المقدس» وغيرهما، ولذلك فإن الدفاع عن الوطن صار واجباً شرعياً ووطنياً، لأننا نواجه إرهاباً منظماً من تلك الجماعات الغاشمة الآثمة العميلة والمأجورة، التى تقتل وتخرب وتفسد وتدمر وتعتدى على الآمنين والمرابطين وتعيث فى الأرض فساداً، ويجب أن ندرك أن هذه الجماعات والعمليات الإرهابية تستهدف مصر، بصفة خاصة، لأنها درع الأمة وسيفها، لكن هؤلاء جميعاً لا يعرفون مدى عزيمة الشعب المصرى وقوة وصلابة قواته المسلحة، وأن شعبنا الأبى سيفتدى هذا الوطن بكل ما يملك حتى آخر قطرة من دمه، وأن الله عز وجل حفظ مصر وأهلها، وسيرد كيد المعتدين فى نحورهم.
■ قمتم بمنع السلفيين من صعود المنابر، ثم سمحتم للدكتور ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، ويونس مخيون، رئيس حزب النور، بالخطابة، فهل هذا يعنى تراجعاً عن مواقفكم السابقة؟
- أنا لست فى معركة مع أحد، ولا أصنف الناس، ولا أعمل فى الوزارة بنظام الحصص، حصة لهؤلاء وأخرى لهؤلاء، ولست فى حرب إلا مع الإرهاب ومن صنفتهم الدولة كعناصر تخريبية مثل جماعة الإخوان الإرهابية، وأنا بالفعل فى حرب مع الإخوان، ووضعنا ضوابط وقواعد للخطابة فى المساجد، وهى قواعد منضبطة، وأتحدى أن يرفضها منصف، وهى قواعد تنظيمية، ولم نخالف القانون الذى وضعته الدولة، وأنا- ككيان من كيانات الدولة- ملتزم بالقانون، ولا أستطيع أن أكون فوق القانون، وأنا أؤكد أن السلفيين لا يسيطرون على أى مسجد، وإنما نحن نهيمن على جميع المساجد، ويكفى أن تعرف أن المساجد التى لم يكن لأحد أن يقترب منها مثل العزيز بالله بالزيتون والقائد إبراهيم بالإسكندرية وغيرهما كلها خاضعة لوزارة الأوقاف، ولا يوجد مسجد إلا ويدخله رجال الوزارة ويقومون بالتفتيش والسيطرة عليها، ومن يعرف أى مسجد ليس فيه فكر الأزهر فليبلغنا عنه، وسنقوم فورا بضمه للأوقاف أو إيقاف الخطيب والإمام، حتى لو خالف خطبة الوزارة الموحدة، فنحن نستجيب لمن يبلغنا ونلغى تصريح الخطابة، ولدينا حتى الآن 100 إمام بالأوقاف لديهم الضبطية القضائية، ونسعى لزيادة الأعداد، ولا يوجد مسجد فى جميع أنحاء الجمهورية إلا ويخضع لسيطرتنا ورقابتنا، ولم تكن لدينا أى استثناءات خارج قانون الخطابة، والدكتور يونس مخيون والدكتور ياسر برهامى خضعا كغيرهما لاختبارات الخطابة التى أشرف عليها الشيخ محمد عبدالرازق، رئيس القطاع الدينى بالوزارة، ونبهنا عليهما بأن من يخالف شروط الوزارة فسوف نلغى التصاريح الخاصة به، وليست لدىَّ صفقات سرية أو معلنة، والوزارة أكبر من ذلك، ونتحرك وفقاً للقانون، ونحن لدينا ثوابت شرعية، وأتحدى أن تكون الوزارة قد أصدرت أى قرار به مخالفة شرعية، ومصلحة الشرع لا تنفض عن مصلحة الوطن، وهناك أمور يقول عنها الشرع إن رأى الحاكم يقطع الخلاف، فلو أن قضية فيها رأى ورأى آخر يفصل فيها رأى الحاكم، أى رئيس الدولة، وحتى الولاية على الأوقاف كانوا يسمونها ولاية الصلاة، وأنا أجتهد لتحقيق مصلحة الدولة والمجتمع، وفى كل أحاديثى لا يمكن أن أذكر شخصا بسلب أو إيجاب، لأن الوزارات إذا انتقلت من قضاياها الكبرى إلى شخصنة الأمور، انجرت إلى قضايا جدلية تعوقها عن المسيرة الكبرى، والكمال لله وحده، ولا يمكن أن ننكر أن ظواهر التطرف قد انحسرت، وهناك حملات يومية من التفتيش بالوزارة على كل المساجد، حتى التى كانت عتية على خطباء الأوقاف.
■ وهل هناك تنسيق مع السلفيين بشأن معاهد إعداد الدعاة؟
- نحن نسمح للتيار السلفى من الأزهريين بالخضوع لاختبارات الخطابة، ثم نطلب تحريات من أجهزة الأمن المختصة حوله وموافقة على منحه تصاريح الخطابة، وربما بعد تضييق الخناق عليهم لجأوا إلى معاهد إعداد الدعاة، وهى معاهد دون تصريح أو ترخيص، ونحن نؤكد أننا لن نسمح بوجود مثل هذه المعاهد مطلقاً إلا بعد وجود موافقة مكتوبة من الأزهر الشريف والأوقاف، ولدينا 9 مراكز تدريب للدعاة والأئمة، ويجب أن نعرف أن بناء الأوطان يحتاج إلى أوقات طويلة على عكس منع المتطرفين من اعتلاء المنابر، وقد قررنا عودة الأمسيات الدينية فى المساجد، بالتعاون مع نقابة الأشراف والطرق الصوفية، ونعيد زمن الابتهالات الدينية والتواشيح، التى أوشك المجتمع على نسيانها أو أوشكت ربما على الاندثار، وسنتعاون معا فى جلب الأصوات الجميلة التى ترقق قلوب الناس.
■ لماذا منعتم قطر وإيران وتركيا من المشاركة فى مسابقة القرآن الكريم؟
- نحن لم نمنعها، بل لم نوجه لها الدعوة من الأساس، ولصاحب البيت الحق فى أن يدعو من يشاء، لأنه- وببساطة- لا يمكن أن تشارك دولة مثل إيران فى المسابقة، فى ظل توجهاتها التوسعية فى العالم العربى، وهناك خطر صفوى إيرانى على الأمن القومى المصرى والعربى، ويكفى أن أحد قيادات إيران قال: «امتلكنا القرار فى 4 عواصم عربية هى بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت»، ولم يخرج أى مسؤول ليعلق على هذه التصريحات، كما أن هناك قنوات مثل «الجزيرة» القطرية وأخرى تبث من تركيا لا تتوانى عن بث سمومها ومحاولة الوقيعة بين طوائف الشعب، ولطالما حرضت ومازالت تحرض ضد مصر، وديننا الحنيف ابتلى بأناس يتاجرون به حزبيا وطائفيا، وهناك من يستخدمه طائفياً لتجييش عواطف طائفة ما ضد طائفة أخرى من خلال إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وهو ما نراه فيما يفعله الإيرانيون فى التسلل المذهبى والعمل على نشر التشيع فى المجتمعات السنية، ونحن نثنى على خطوة الرئيس عبدالفتاح السيسى بتشكيل قوة عربية مشتركة، ونحن أرسلنا لهم رسالة بأننا نعى جيدا خطر النفوذ الإيرانى ومطامعهم الصفوية والفارسية فى المنطقة العربية.
■ وما رأيك فى رد الفعل العربى تجاه هذا النفوذ الذى تحاول إيران فرضه؟
- كان واضحًا وحاسمًا ومباشرًا، وجاء فعلاً لا قولاً فى «عاصفة الحزم»، التى خرجت فى روح عربية جديدة وشجاعة ومدركة لخطورة هذا التحدى الإيرانى البشع وللمخططات التى لا يخفى فيها الربط بين الملف النووى الإيرانى والنفوذ الإيرانى فى المنطقة، ومع أننا ليس من شأننا الاعتداء أو التدخل فى شؤون الآخرين أو إقحام أنفسنا فيما بين الآخرين، فإن أمننا الوطنى والعربى والقومى خط أحمر، ولا مجال للمفاصلة فيه أو السماح بالتدخل فى شؤونه، ونحن فى الوزارة قررنا حظر سفر المقرئين لإحياء ليالى شهر رمضان أو أى من أئمة الأوقاف إلى دول إيران وتركيا وقطر، لمواقفها المسيئة والمحرضة ضد مصر وشعبها.
■ البعض حاول أن يصنف الحرب على الحوثيين على أنها صراع طائفى بين السنة والشيعة، فما رأيكم؟
- لا يوجد بيننا خلاف على المذهب الشيعى، والحرب على الحوثيين هى صراع سياسى، وتعايشنا فى الأزهر مع كل المذاهب، وإذا كنا نتعامل مع السيخ والبوذيين وغيرهم فى كل العالم، فلا خلافات مع الشيعة، بشرط أن يكون ولاء كل شيعى لدولته ووطنه، فمثلا ولاء شيعة الكويت للكويت وليس لإيران، وشيعة مصر يجب أن يكون ولاؤهم لمصر، وليس لإيران، ولا خلاف مع شيعة مصر ماداموا لا يريدون نشر التشيع فى مصر ولا يسعون لذلك.
■ هناك مطالب من العاملين بالأوقاف برفع الأجور، فهل هناك خطة لذلك؟
- أنا أريد أن أصل بأئمة الأوقاف إلى حد الكفاية المادية، ولا يوجد موظف معين فى الوزارة إلا وطبقنا عليه الحد الأدنى للأجور بواقع 1200 جنيه شهرياً، وأتحدى أن يكون هناك عامل أو إمام يقل راتبه عن ذلك، ونصرف 400 جنيه بدلات للأئمة لتحسين أوضاعهم، منها تحسين أوضاع واعانة علماء وقوافل، بالإضافة إلى الدروس الدينية، وقدمنا طلبات لتحسين أوضاع الأئمة، لكن بعد تحسن أوضاع الدولة، ولم يتبق مليم واحد من ريع الأوقاف إلا وتم إنفاقه على الأئمة وعمارة المساجد، وننتظر تطبيق قانون الخدمة المدنية، فى أول يوليو المقبل، وإذا اكتفينا ذاتياً فكفى بها نعمة، وإلا سنطلب من الدولة تحسين الأوضاع المعيشية للأئمة وإدراجهم ضمن أولوياتها.
■ أطلقتم حملة مكبرة لإحلال وتجديد المساجد، فما آخر ما وصلت إليه الحملة؟
- هذا العام لدينا أكبر خطة لإعمار المساجد فى تاريخ الوزارة، فلدينا 732 مسجدا بواقع مسجدين يوميا، وكان متوسط خطة الوزارة سابقا من 50 إلى 60 مسجدا، وفى عهدى تزايد الأمر إلى أكثر من 10 أضعاف.
■ الرئيس عبدالفتاح السيسى كلفكم برئاسة بعثة الحج هذا العام، فما وعودكم لحجاج بيت الله؟
- أتوجه بالشكر للرئيس على تشريفى بهذا الأمر، وأعده وأعد المصريين بتيسير كل الأمور وتذليل كل العقبات أمامهم، وبالفعل بدأنا مبكراً، إذ عقدنا 3 اجتماعات مع مندوبى الوزارات لوضع اللمسات الأخيرة، وإن شاء الله ستكون بعثة الحج هذا العام بلا أى سلبيات.