ونحن نعمل بهمة ونسارع الزمن لإنجاز مشروع قناة السويس الجديدة، باعتبار القناة ممرا مائيا فريدا، نهدف إلى تعظيم قدراته الملاحية، فإن النظر بعين الاعتبار لمشروعات ملاحية فى بلاد أخرى أمر من المؤكد أن له فوائد عدة، خاصة إذا ما اقترب منا هذا الممر وقد يمثل امتدادا حيويا لمشروعنا المصرى ومجالًا جديدًا للتعاون والتكامل فى حوض البحر المتوسط، وأتحدث هنا عن المشروع الملاحى الضخم للمملكة المغربية الشقيقة الذى أطلقت عليه اسم طنجة الكبرى، والمقرر استكماله فى غضون سنتين، فقد أتاحت لى فرصة حضور الاحتفال بمرور سنة على افتتاح (بيت الصحافة) بمدينة طنجة أن أشهد عن قرب كيف يسير العمل بنظام وبتخطيط رائع، وكيف تتحول المدينة التى تربط البحر المتوسط بالمحيط الأطلنطى وتقع على قمة القارة الأفريقية وتبعد عن أوروبا بأربعة عشر كيلو مترا فقط - تتحول إلى مركز ملاحى بالدرجة الأولى، وصناعى وتجارى وثقافى وسياحى ورياضى وترفيهى فى آن واحد، وتصبح نموذجا للتخطيط الاستراتيجى المتكامل أو المتعدد الأوجه.
صحيح أن الميناء هو الأساس، والهدف هو توسعته ورفع طاقته إلى مستويات عليا، لذلك يتم استكمال إنشاء ميناء للحاويات يستوعب ثلاثة ملايين حاوية فى السنة، ويمكنه استقبال سبعة ملايين مسافر وسبعمائة ألف شاحنة للنقل الدولى، وبه محطة للمحروقات سعتها خمسمائة ألف متر مكعب من المنتجات النفطية، ومن أجل الاستفادة القصوى من هذا الميناء الضخم ـ وهذا هو المهم ـ فقد تم تصميم والبدء فى تنفيذ شبكة طرق برية سريعة تربط بينه وبين بقية أنحاء المملكة، وشبكة أخرى للسكك الحديدية ومنها قطارات فائقة السرعة، مع تحديث الخطوط القديمة. ولنتذكر هنا خطأ إنشاء ميناء دمياط دون خط حديدى واحد يخدم حركة النقل منه وإليه حتى الآن، وهو تقصير يجب ألا يتكرر مع مشروعاتنا الجديدة. ونعود إلى طنجة، فمن أجل جذب الاستثمارات حول مشروعها الملاحى الجديد فقد تم اتخاذ عدة إجراءات تهدف إلى إعادة إعمار المدينة بمبان وفنادق وميادين وشوارع جديدة، وفى غاية الأناقة وبلون موحد هو الأبيض، وتم نقل جميع الأنشطة التى تسبب ضجيجا إلى خارج المدينة، ومنها أسواق الجملة، وأسسوا للباعة الجائلين أسواقا جديدة، وأعادوا تجديد البنية التحتية للمطارات المحلية والموانئ القريبة من طنجة لتتكامل معها.. أضافوا مستشفيات وحتى حضانات للأطفال، وتم البدء فى إنشاء استاد رياضى بمواصفات دولية.
ما يحدث الآن فى طنجة هو مولد لمدينة جديدة بمواصفات مثالية، ولن تعود مجرد ميناء أو خط ملاحى مهم يأتى إليها عمال مهرة من أوروبا، خاصة من دول الجنوب للعمل فى مشروعاتها الجديدة، هجرة عكسية تحدث للمرة الأولى، وهدف بعيد هو أن تصبح المدينة مقرا دائما لإقامة المستثمرين، الميناء تقرر أن يكون أيضا ميناء سياحيا ترفيهيا يجذب الشمال الأوروبى والجنوب الأفريقى.
تجربة تستحق منا الدراسة والتمعن.