كيف سيتعامل السيسي مع ورطة السعودية؟

أحمد الدريني السبت 11-04-2015 21:29

ربما تعايش المملكة الآن أسوأ لحظاتها منذ بدء عاصفة الحزم. فقد تخلى الباكستانيون عن دعمها عسكريًا في عملياتها طويلة الأمد، ومن قبلهم الأتراك الذين غضوا طرفهم عن الرياض ولهثوا وراء طهران فور وضع النقاط على الحروف مع الغرب في لوزان السويسرية.

وحتى حسن نصر الله، غريمهم الذي زاد خطابه الأخير المتلفز أوار الكراهية بين الطرفين، تمكن من الخروج على شاشة التلفزيون اللبناني الرسمي (كأنما ليغيظ الرياض)، وكأن مليارات المملكة في لبنان، هباءُ منثورٌ في يوم عاصف.

السعودية لا تثق في قطر، أما الأردن فقد أدركت أن الزمن يواتي طهران.. فتوددت!

وروسيا كغصة في الحلق تقف وبيدها «فيتو» تلوح به في وجه المملكة في مجلس الأمن، وبين الرياض وموسكو شقاقات سياسية عنيفة، وتوترات معلنة، آخرها رد سعود الفيصل على كلمة بوتين في القمة العربية بشرم الشيخ قبل أيام.

لم يعد أمام المملكة إلا مزيد من الغارات الجوية التي لا تصنع نصرًا حاسمًا، ولا تجزم بحقيقة وضع ميداني.

وربما كانت هذه العوامل مجتمعة هي ما دفعت المملكة للإعلان عن اسم قائد القوات المصرية في تحالف عاصفة الحزم، من بعد بثها فيديو لضربة جوية نفذتها طائرات مصرية، وكأنها تعلن أن حليفها المصري مازال بجوارها ويساندها حتى لو تخاذل المتخاذلون.

والآن.. لم يتبق حليف ظهير للرياض، سوى القاهرة، التي طالما نظر إليها الملك سلمان وزمرته الجديدة، نظرة الارتياب والتشكك في النوايا، وربما اعتمدوا تضخيم مساحات الاختلاف الممكن، وتقديمها على التفاهمات البديهية بشأن المنطقة ومصلحة الطرفين.

وأمام القاهرة سيناريوهات عدة، تبدأ بالانجرار إلى اليمن بريًا لمساندة «الحليف»/«الشقيق» السعودي، الذي- لعوامل تاريخية متداخلة- تربكه فكرة التعامل البري مع الحوثيين وقوات علي عبدالله صالح التي تقاتل في نفس خندقهم.

ولا تنتهي السيناريوهات المتاحة بتبني القاهرة مبادرة مصالحة إقليمية، تدعو جميع الأطراف لطاولة المفاوضات في مصر، وتصلح ذات البين وتوقف نزيف الدم وتؤجل الثارات المبيتة إلى حين.

وفي سيناريو الدخول العسكري إلى اليمن، جروحٌ في ذاكرة التاريخ لم تندمل رغم أن الجيش المصري لم يخرج من اليمن إلا وقد ثبت أركان النظام الجمهوري.

لكن الخسارات مازلت ماثلة أمام الأعين، ويمعن معارضو التدخل في استدعائها من غبار التاريخ تخويفًا وبثًا للشؤم من خوض مماثل.

غير أن الضرورات قد تضطر السيسي للدخول، خوضًا لمقامرة إقليمية، الله وحده يعلم كيف يمكن أن تنتهي.

فوسط عالم التحالفات والتكتلات، ووسط الضربات الجوية التي تخيم فوق سماء المنطقة من سوريا لليمن للعراق لليبيا، ووسط التحريك العسكري برًا وبحرًا وجوًا، ربما يحتاج الرجل للزج بالجيش في بورصة استعراض القوى.

فليس في حوزة السيسي سوى الجيش ككيان متماسك له ثقله وتاريخه وقوته، يمكن أن يراهن عليه في حسم اضطرابات إقليمية. فلا هو يرتكن إلى نظام اقتصادي عفيٍ، ولا هو يستند إلى أي مصدر قوة في وجه التغيرات التي ينوء بها كاهل المنطقة.

والاستثمار في الجيش المصري كممثل لـ«brand» مصر في بورصة القوى، رهانٌ تتقاذفه الريح في يوم عاصف. قد يميل معه الحظ تارة وقد يخذله تارة أخرى.

لو اضطرت الظروف السيسي لخوض المقامرة بهذه الورقة، وليظهر لحليفه المتشكك صدق نواياه، فإنه سيعرض نفسه لمواجهات مفتوحة على جبهات مختلفة. وما لم يكن معه شفرة التعامل معها في نفس الوقت وبكفاءة عالية، فإن الخسارات في المدى المنظور ستكون أكثر فداحة مما تطيقه مصر، ومما يحتمل التعايش معه لأجل غاية أبعد.

ولو تمكن من ترجيح كفته في هذه المقامرة (لو خاضها!)، فسوف يقطع خطوات طوالا في الجلوس جوار الأشقاء المانحين في الخليج في موضع الند ما لم يكن موضع المتفضل.

ولو اعتمدت مصر سيناريو المصالحة بين الجميع (ولديها اتصالاتها الدائمة مع كل الأطراف دومًا)، ولديها المؤهلات التاريخية لأداء هذا الدور، فإنها ستنقذ اليمن من غضب السعودية التي قد تبالغ في ضرباتها بصورة غير متناسبة ولا متجانسة لإثبات الذات، وستنقذ السعودية من أنياب الحوثي الشرس الذي أوجع الرياض نهشًا في الحرب السادسة، ويلوح هذه المرة بالمزيد.

ربما تواتي اللحظة السيسي كي يضع الأمور في نصابها مرة أخرى.. يلملم الأشتات على مائدته، ويأخذ التعهدات، ويقطع الخط على طهران في واحدة من أهم الجبهات إليها، وينشط في صياغة شكل جديد للمنطقة غير الذي تجره إليها الإحداثيات، أو على الأقل يعطل القدر المحتوم!

ربما يدرك أن مصر بمقدورها أن تخرج من هذه الجولة نظيفة اليدين..زعيمةً عاقلةً رشيدة، موثوقاً فيها. وفي هذا السيناريو سيؤسس لسلوك مصر كدولة قائدة مرةً أخرى تدرك ما تريد وما ينبغي وكيف ومتى، من بعد طول تيه.

أمام السيسي حلبةٌ مفتوحة تغري باندفاع كاندفاع الثيران للحلبة، وتغوي من ناحية أخرى بسلك مسلك الثعالب.

فكيف سيتدبر السيسي أمره؟