وقال هيثم: «ليه يا مؤنس؟»

أيمن الجندي السبت 11-04-2015 21:46

هيثم ومؤنس صديقان حميمان. لا تكاد ترى أحدهما دون الآخر. ولعل هذه الصداقة التى امتدت منذ الطفولة وحتى الآن جعلتهما متشابهين فى كل شىء. نفس القامة التى تميل إلى الطول، النحافة، اللون الأسمر الرائق، الشعر الأسود الفاحم، العينان الضحوكتان المرحتان اللتان لا تباليان بأى شىء. وتتخذان من كل شىء مادة للضحك والسخرية. من المعلمين والآباء والأصدقاء، حتى من نفسيهما.

اعتادا أن يذهبا إلى النادى معا. يمارسان نفس الرياضة. يعاكسان نفس البنات. وحتى الكلية التى التحقا بها كانت هى نفسها. وكان كل واحد فيهما يفهم الآخر بمجرد النظرة. يعرف أسماء البنات اللواتى أحبهن. ويعرف ألوان ثيابه وما بداخل محفظته رغم أنهما مفلسان دائما.

لكن شيئا ما داخل مؤنس قد تغير. والدليل أنه لم يعد يظهر كثيرا. وحتى سهرة الخميس التى كانت مقدسة لكليهما، ويذهبان فيها إلى السينما، ويتناولان ساندويتشات السجق وأصابع العسلية لم يعد مؤنس يهتم بالذهاب إليها. لقد أوشك على الاختفاء تماما. وحلت مكان النظرة الضحوك المعتادة فى عينيه نظرة تأثّم. نظرة إنسان يكتم سرا مخجلا داخله. ويحاول ألا يراه أى إنسان، بالذات هيثم.

حاول هيثم مرارا أن يسبر أغواره. ويعرف ما هو السر الذى يعذبه. لكن مؤنس لاذ بالصمت العميق. فقط طفرت دمعة من عينيه دون أن تغادرها. وكأنه يقول لهيثم دون كلام: «أنا فى مأزق. أنقذنى من نفسى».

وبالفعل لم ينم هيثم ليلتها متفكرا فى أحوال صديقه. ترى هل أفلس؟ أيكون مؤنس يتضور جوعا؟ هل هو مدين ويستحى أن يطلب منه المساعدة؟

وقرر هيثم أن يتتبعه. وبالفعل كَمَن له فى الطريق منتظرا أن يخرج إلى عمله. لكن مؤنس لم يخرج فى الصباح فهل تم فصله من عمله؟ مرت الساعات طويلة وهيثم واقف فى صبر تؤلمه قدماه. وحين تعب من الانتظار وذهب إلى الكشك المجاور ليشرب زجاجة بيبسى (مشبّرة). فى هذه اللحظة ظهر مؤنس وهو يتلفت حوله. كانت أمام هيثم تضحية جسيمة. إما أن يفقد أثر مؤنس أو يضحى بزجاجة البيبسى الساقعة. لكن نداء الصداقة تغلب على لذات الجوارح الفانية. فترك هيثم الزجاجة وقلبه يتمزق.

سار خلف صديقه الذى كان يسير بخطوات واسعة. غادر الشوارع المألوفة ودخل فى أزقة ضيقة. أماكن كل من فيها ملامحهم مريبة. ما هى الحكاية؟ هكذا راح هيثم يناجى صديقه وقلبه يتمزق؟ أين تذهب يا مؤنس يا رفيق الصبا؟ وأخيرا دخل مؤنس فى وكر لتعاطى المخدرات؟ وقف هيثم خارجه وهو لا يصدق عينيه. إذاً فقد انخرط مؤنس فى حياة الرذيلة. دمعت عيناه حين دخل المكان فوجده جالسا فى الغرزة يدخن الحشيش مع رفقاء السوء. فُوجئ مؤنس بدخوله فنكّس رأسه فى خجل فقال له هيثم بصوت متهدج:

«ليه يا مؤنس؟ لماذا تنحرف عن الطريق القويم وتتبع لذاتك؟ ألا تخجل من نفسك؟ انظر إليّ مثلا. أنا صديقك. اعتبرنى قدوة لك. هل رأيتنى من قبل أتناول الحشيش؟»

وطفق هيثم يبكى. ومؤنس يبكى. وكل من الغرزة يبكون. ثم قام أحد المحششين فاحتضن هيثم وقال إنه نعم الصديق وإنه «كده» (وأشار بإبهامه إلى أعلى)، ولأنه جدع فلابد أن يشاركهم الحشيش على سبيل التحية. وبالفعل شعر هيثم بالفخر من الثناء فجلس بينهم سعيدا، ودارت الجوزة وانبسط الجميع وتصاعد الدخان الأزرق.

aymanguindy@yahoo.com