«السيسى» وقانون الرياضة لتقنين الفساد

أسامة خليل الأربعاء 08-04-2015 21:10

هناك بعض القضايا المطروحة على الرأى العام هذه الأيام، تشير إلى أن هناك انفصاما فى شخصية النظام السياسى، أو بالأحرى وجود تيارين يتنازعان السلطة، الأول تيار إصلاحى يقوده الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى تؤكد كل خطاباته وتصريحاته إصراره على بناء الدولة الحديثة وفقاً لقواعد الديمقراطية والعدالة والمساواة وتجفيف منابع الفساد والمحسوبية والإرهاب، مع التأكيد على ضرورة تجديد الخطابين الدينى والإعلامى، لأهميتهما فى تشكيل وعى المواطنين، وإعطاء مساحة واسعة لإشراك الشباب فى بناء المجتمع، بينما نجد على التوازى تياراً آخر داخل النظام، يسير عكس اتجاه هذه الرؤية، ويحاول فرض رأيه وقراراته لاستعادة دولة ما قبل 25 يناير بكل مكوناتها وأفكارها وقوانينها، وربما بمن بقى من رجالها على قيد الحياة.

والقضية الأولى التى أعطتنى هذا الإحساس بالانفصام أو الصراع، وهى ليست موضوع المقال، تلك الانتفاضة ضد إسلام بحيرى، لمجرد أنه اقتنع بدعوة الرئيس السيسى وقرر مناقشة أفكار وتصورات واجتهادات لتجديد الخطاب الدينى، لتخرج عليه إحدى مؤسسات الدولة تطالب بإيقاف برنامجه ومنع ظهوره ومقاضاته جنائياً، ليزايد عليها بعض المغالين والمتشددين ويعلنوا إهدار دمه، ما يمثل إنذاراً لكل من يستجيب للدعوة ويفكر فى المشاركة والإصلاح والاجتهاد الذى يحتمل الصواب والخطأ.

أما القضية الثانية، وهى المحور الأساسى للمقال، وتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك حالة الانفصام بين رأس النظام السياسى وأطرافه أو أدواته، فهى موافقة وزير الشباب والرياضة على إلغاء بند الثمانى سنوات من قانون الرياضة الجديد، وهو الشرط الذى كنا نظن نحن المهتمين بالشأن الرياضى أنه من أعظم انتصارات ثورتى 25 يناير و30 يونيو فى الرياضة، حيث ظل نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك رافضاً تنفيذه على مجالس إدارات الأندية، مكتفياً بتطبيقه على الاتحادات الرياضية، أما الآن وفى عهد رئيس منتخب يدعو لمحاربة الفساد وإعطاء الفرصة لمشاركة الشباب وتداول السلطة فى المؤسسات والهيئات المختلفة، فقد عدنا إلى ما قبل مبارك، ومنحنا الفرصة مرة أخرى لمافيا الأندية والاتحادات أن تجلس إلى أبد الآبدين مادامت استطاعت أن ترضى نزوات ورغبات أعضاء جمعياتها العمومية.

وقبل أن ندخل فى مناقشة مبررات وزارة الرياضة فى إلغاء هذا البند من القانون الجديد، تعالوا نُعد التذكرة بأهمية بند الـ8 سنوات أولاً، فالنص عليه هو الأسلوب الأمثل لتداول السلطة، حيث إن وجود مجموعة أو شخص بعينه على مقعده لسنوات طويلة، قد تصل لـ20 أو 30 سنة، من شأنه تجميد حالة الحراك والنمو داخل المؤسسة، وتمكين البيروقراطية والفساد منها، وحرمان الأفكار الجديدة من التدفق فى دماء المجتمع.

ولنضرب مثالا على ذلك، فالأهلى ظل لأكثر من 20 عاماً يُحكم من قِبَل مجموعة لا ينكر أحد أنها أعطت، ولكنها شلت حركتها فى التطوير والنمو فى آخر 5 سنوات، معتمدة على قواعدها وشبكة المصالح المرتبطة بها، وتحكمها فى الجهاز الإدارى والرياضى، ولولا تطبيق بند الثمانى سنوات لما جاء مجلس الإدارة الجديد وظهرت هذه الوجوه التى أنجزت فى عام واحد ما فشل فيه الآخرون فى سنوات، فافتتاح فرع النادى بالشيخ زايد تأخر 7 سنوات، وبناء مجمع ملاعب الاسكواش توقف 4 سنوات، إضافة إلى تطوير منشآت النادى ومرافقه وتسديد جزء كبير من المديونية، والجرأة فى شراء أرض بالتجمع الخامس لبناء فرع رابع، حتى إنهم ذهبوا بخيالهم لحلم بعيد، وهو بناء استاد للنادى.

وما أذكره ليس بقصد تعديد الإنجازات، ولكن القصد أن التغيير جاء بنتائج إيجابية لم نكن سنحصل عليها لو ظل بند الثمانى سنوات، وظل المجلس السابق، لكن هذا لا يمنع أنه فى أحيان أخرى يأتى التغيير بالسلب، وذلك ليس عيباً فى التغيير، بل سوء اختيار، يكون مفيدا إذا ما استفدنا من التجربة والخبرة، فهكذا تتطور المجتمعات، ولهذا قامت ثورة 25 يناير، حيث كانت بدايتها ثورة على الجمود والفساد، وهذا أيضاً ما أفهمه من خطاب الرئيس السيسى الذى حدد له الدستور دورتين، بينما تريد وزارته أن تفتح الحكم الأبدى لرؤساء الأندية والاتحادات.

ونأتى إلى جوهر الموضوع، وهو السبب الذى دفع الوزير خالد عبدالعزيز إلى التراجع وظهور الانفصام بين ما يقوله الرئيس وما يُنفذ على الأرض، وهو كما جاء على لسانه: «حتى يأتى القانون متوافقاً مع الميثاق الأوليمبى»، وهنا أريد أن أوضح بعض النقاط حتى لا يخطفنا الخوف أو الانزعاج أو لا نقع تحت إرهاب هذه العبارة الفضفاضة.

أولاً: لا يوجد بند فى الميثاق الأوليمبى يفرض على الدول شروطاً فى مدة مجالس إدارات الاتحادات، وكما فهمت خلال لقائى مع الدكتور حسن مصطفى، الذى سبق أن رحل من رئاسة الاتحاد المصرى بسبب الثمانى سنوات، أن الميثاق الأوليمبى يؤكد إعطاء الجمعيات العمومية للاتحادات واللجان الأوليمبية التابعة لها حق وضع لوائحها، وهذا هو الشرط الذى يتم الاستناد عليه فى إلغاء بند الثمانى سنوات فى القانون، وهو لا يعنى كما أفهم وتفهم دول أخرى كثيرة حرمان الدولة من حقها فى سن القوانين التى تتوافق مع دستورها أو بيئتها، لأننا لو وافقنا على هذا المنطق أو المنهج فسنعطى للجمعيات العمومية الحق فى ترشيح الأجانب لعضوية ورئاسة مجالس إداراتها، حتى ولو خالف دستور الدولة الذى سقطت سيادته أمام سيادة الميثاق.

ثانياً: منذ ما يزيد على عشر سنوات تطبق الدولة بند الثمانى سنوات على الاتحادات، ورغم ذلك لم يعترض حماة الميثاق الأوليمبى ولم تتعرض مصر لعقوبات، فلماذا تذكر الميثاق (باشا) مصر هذه الأيام ونحن نخطو نحو الدولة الحديثة، خاصة التى تقوم على الديمقراطية وتداول السلطة.

ثالثاً: ما علاقة الأندية بالميثاق الأوليمبى حتى لا نطبق عليها هذا البند؟ وهو سؤال وجهته للدكتور حسن مصطفى، فكان رده: «لأنها مشاركة فى ألعاب أوليمبية، وبالتالى تخضع للميثاق»، وهو كلام غير منطقى، لأن من يمارسون هذه الألعاب فى الأهلى والزمالك وغيرهما أقل من 10% من عضويتها، فهل من المنطقى والديمقراطى أن تفرض الأقلية لائحتها وميثاقها على الأغلبية؟ ناهيك عن أن هذه المجالس لا تُنتخب لإدارة الألعاب، بل لإدارة النادى.

رابعًا: من المهم للقيادة السياسية وهى تتعامل مع المؤسسات الرياضية الدولية والأوليمبية إدراك أن الفساد فيها طاعن، وأن من يجلسون على مقاعدها رائحتهم كريهة من طول الجلوس فى مناصبهم، لذا فكلامهم عن الميثاق للاستهلاك، وما يقوله أحدهم فى مصر يختلف عما يقوله فى الخليج، يختلف عن خطابه لأوروبا.. لذا أتمنى ألا نخاف أو نرتعد، وأن تستجيب المؤسسة الرياضية لدعوة الرئيس السيسى، وقبلها مطالب ثورة قامت ضد الجمود والفساد، وعودة الثمانى سنوات هى إعادة تقنين للفساد مرة أخرى.