ثورة يوليو 1952م أنهت عهود الباشوات، ولكنها أسست لحقبة السوبر باشوات. الخديو إسماعيل كان باشا فقط. الفريق مُهاب مميش سوبر باشا.
اقرأ معى من الصفحة الثالثة فى صحيفة قومية كبرى هذا العنوان: حفل أسطورى عالمى لافتتاح قناة السويس الجديدة.
ثم اقرأ هذه الفقرة الأولى تحت العنوان: «كما كان افتتاح قناة السويس الحالية فى 17 نوفمبر من عام 1869م - بحضور ملوك وأمراء أوروبا - حفلاً أسطورياً مازال موضع دهشة وإعجاب المؤرخين، فإن إدارة هيئة قناة السويس فى طريقها لإعداد حفل ضخم، فى افتتاح القناة الجديدة فى شهر أغسطس المُقبل، يتسم بالإبهار والعالمية، ليظل خالداً فى أذهان الأجيال الحالية والمستقبلية. ويشير الفريق مهاب مميش إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد وجه بتشكيل لجنة للبدء فى التجهيز لحفل الافتتاح». انتهى الاقتباس.
من حق السوبر باشوات الجدد أن ينافسوا الباشوات القدامى، فى غيبة الشعب، فى غيبة البرلمان، فى غيبة الحساب والسؤال، فى غيبة فكر الدولة، وعودة فكر العزبة وعقلية العزبة وناظر العزبة. ليكُن لكم ما تشاؤون، فعقليةُ الحفلات تكاد تسيطرُ عليكُم، حتى المؤتمر الاقتصادى- وهو تسول عصرى- جعلتموه حفلة، حتى الذهاب إلى إثيوبيا- وهو ليس أكثر من نكسة- جعلتموه حفلة. افعلوا ما يحلو لكم، لا نستطيع أن نمنعكم، ولا أن نفسد فرحتكم ونعكر بهجتكم، لكن كل ما نرجوه منكم: لا تزوروا التاريخ، البلد بما فيه القناة ملكٌ لكم، اتركوا لنا التاريخ فهو كل ما نملك، لا تقولوا إن الحفل الأسطورى- الذى أقامه الباشا القديم- مازال موضع دهشة وإعجاب المؤرخين، فهذا لم يحدث، المؤرخون ليسوا بهذه السفاهة. من حقكم ألا تقرأوا التاريخ، ومن حقكم أن تكرروا أخطاء التاريخ، ومن حق السوبر باشا الجديد أن يسير على خُطى الباشا القديم، لكن إياكُم أن تزوروا التاريخ.
سين سؤال: ماذا يقول التاريخُ عن الحفل الأول والافتتاح الأول لقناة السويس؟!
جيم جواب: يقولُ المؤرخُ العظيم عبدالرحمن الرافعى: «وأقام إسماعيلُ- لمناسبة افتتاح القناة- تلك الحفلات الفخمة، التى لم يعرف التاريخُ احتفالاً يُدانيها فى الإسراف والتبذير.
ويكفيك دليلاً على مبلغ ذلك الإسراف أن تعرف نفقات الحفلات، فقد بلغت على أصح تقدير مليوناً وأربعمائة ألف جنيه، ولا توجد حكومة رشيدة تكلف خزانتها هذا المبلغ الضخم، الذى يضيعُ فى حفلات لا طائل لها، فى الوقت الذى استُهدفت فيه الحكومةُ والبلاد لأشد ضروب الضيق المالى».
المؤرخُ العظيم يصفُ الاحتفالات الأسطورية تحت عنوان «حفلة افتتاح قناة السويس ببورسعيد يوم 16 نوفمبر 1869م» فيقول:
«وقد أُقيمت فى هذه الحفلة ثلاث منصات، خُصصت المنصةُ الكُبرى للملوك والأمراء وكبار المدعوين. والثانية لرجال الدين الإسلامى، والثالثة لرجال الأكليروس [أى رجال الدين المسيحى] .
وجلس فى المنصة الكُبرى: الخديو إسماعيل، أوجينى إمبراطورة الفرنسيين، فرانسوا جوزيف إمبراطور النمسا وملك المجر، الأمير فريدريك ويلهلم ولى عهد بروسيا [ألمانيا]، الأمير هنرى شقيق ملك هولندا والأميرة قرينته، السير هنرى إليوت سفير إنجلترا بالآستانة وعقيلتُه الليدى إليوت، المسيو فرديناند ديليسبس» إلى آخر القائمة، وهى موجودة فى الكتاب، إذا كان سيادة الفريق مهاب مميش يحلو له أو يفكر فى دعوة أحد منهم، لربما نجمع- بضربة معلم- الأسطورى الأول مع الأسطورى الجديد، ومنها نختصر الوقت كما نختصره فى المشروعات إياها.
«وقد ألقى الشيخ إبراهيم السقا- فى هذا الاحتفال- كلمة تبريك باللغة العربية. ثم تلاهُ المونسيور (بوير) واعظ نابليون الثالث- الذى جاء خصيصاً من فرنسا لحضور الافتتاح - وألقى خطبة تبريك باللغة الفرنسية». [خطبة تبريك معناها كلمة تهنئة ودعاء بالبركة إن شاء الله]. ولعل الفريق مهاب مميش يستفيد من خطب التبريك القديمة، وهو يتلو علينا- فى أغسطس المُقبل- ما تيسر له من خطب التبريك الجديدة.
«وفى صبيحة 17 نوفمبر 1869م، دخلت البواخرُ المُقلةُ للملوك والأمراء قناة السويس، إيذاناً بافتتاح القناة للملاحة»، وينشر المؤرخ العظيم صورة المشهد الأسطورى، و«فى مقدمة البواخر السفينة (ليجل) تُقل الإمبراطورة أوجينى».
«وفى ليلة 18 نوفمبر1869م أقام الخديو إسماعيل وليمة عشاء لضيوفه فى قصره بمدينة الإسماعيلية، وقد مُدّت الموائد فى هذه الحفلة لآلاف المدعوين. وجلس على المائدة الرئيسية: الإمبراطورة أوجينى إمبراطورة الفرنسيين، وعن يمينها إمبراطور النمسا إلى آخر كبار المدعوين- وتنتهى المائدة الرئيسية بالمسيو فرديناند ديليسبس».
ومسكُ ختامها كان الرقص، رقص الجميعُ الرقصة الأسطورية، وينشر المؤرخ العظيم صورة المرقص الكبير، وتحتها هذا التعليق الموجز: [الباللوا] أو حفلة الرقص التى أقامها الخديو إسماعيل، فى قصره بالإسماعيلية، ليلة 18 نوفمبر، ابتهاجاً بافتتاح قناة السويس. انتهى الاقتباس من المؤرخ العظيم.
والحديثُ مُستأنفٌ.