هوس «دان براون»

الخميس 08-10-2009 23:00

هو كاتب أمريكى متخصص فى جنس كتابة يعتمد على الإثارة والتشويق فيما يخص كشف لغز ما، وهو نوع الكتابة الذى يسمى THRILLER، ويجد قبولا لدى القراء غير المتخصصين وبعض محترفى القراءة.

 وفى عام 2003 صدرت رواية «شفرة دافينشى» لدان براون باللغة الإنجليزية، (وهو ما عاد وجذب انتباه القراء إلى أعماله الأخرى) ثم ترجمت إلى العربية، فأثارت ضجة هائلة فى العالم العربى، وعندما اعترضت عليها السلطة الكنسية فى لبنان وفى مكان آخر لا أذكره أصبحت الرواية تباع فى السوق السوداء!

ثم تطور الأمر وتحولت الرواية إلى فيلم يحمل نفس الاسم ولم أتابع مدى النجاح الذى حققه هذا الفيلم. اعتمدت رواية «شفرة دافينشى» على توظيف العديد من الرموز ومعانيها ودلالاتها فى الأنثروبولوجيا والدين- قصص الإنجيل بشكل رئيسى- والفلسفة والتاريخ واستمدت حبكتها من أماكن موجودة بالفعل فى باريس ومتحف اللوفر ولوحة الرسام الإيطالى ليونارد دافينشى، وغير ذلك من مفردات الواقع.

 وقد انصب اهتمامى بعد صدور الرواية على الكم الهائل من الكتب التى حققت أرباحا مهولة تقارب الأرباح التى حققتها الرواية، وهى كتب تعتمد على «فك» شفرة دافينشى، بمعنى أنها تترجم الرموز وتفندها وتشرح دلالة كل مصطلح وأيقونة ورمز من الناحية الدينية والتاريخية والفلسفية والأسطورية. ومن ضمن أعراض نجاح الرواية خروج بعض الكتاب وادعاؤهم أن دان براون اقتبس منهم «الحدوتة».

 فى تلك الآونة كان السؤال الرئيسى: «هل قرأت دان براون؟»، أو: «هل حقيقى ما كتبه بشأن لوحة دافينشى؟».. تلك هى عادة القراء الذين يسعون خلف الحدوتة المشوقة، والذين لا يهمهم كثيرا، بل لا يهمهم مطلقا، العلاقة بين الأدب والواقع أو تصوير التاريخ بشكل أدبى أو ملكة الخيال التى تنسج الحبكة المحكمة.

فهذا السؤال الذى تحول بعد ذلك إلى إشكالية مأزومة ربما لم تنته حتى الآن هو الذى حاصر رواية «عزازيل» ليوسف زيدان، وهى الرواية التى حصلت على البوكر العربية العام الماضى، وهو نفس السؤال الذى حاصر «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسوانى. لا يحتاج الأمر إلى قوة ملاحظة لنتأكد أن محاولة قراءة الواقع فى تلك الأعمال سيطرت على ذهن الجميع لنجاحها منقطع النظير بغض النظر عن الرأى الأدبى فى قيمتها كأعمال إبداعية.

ويبقى السؤال: لماذا تحول دان براون وإخوانه إلى هوس؟ وهو الهوس الذى ظهر مؤخرا مرة أخرى بصدور العمل الجديد لدان براون وعنوانه «الرمز المفقود»، الذى يصل سعر النسخة منه فى مصر إلى 180 جنيها! كل ما فى الأمر أن العمل لم يترجم إلى اللغة العربية بعد فلم يبدأ الهوس بشكل كامل.

ما السر وراء نجاح هذه الكتب؟ فهى تحقق نسبة قراءة يتمنى أى كاتب أن يحصل على عُشرها فى أسوأ تقدير وعلى رُبعها عندما يحقق نجاحا عالميا. يبدو أن القارئ، أى قارئ، يصر على حقه فى الحصول على المتعة والتشويق، فى قراءة «حدوتة» مسلية، وهى نفس الأسباب التى تنطبق على هواة أفلام الرعب والحركة.

والحقيقة أن القارئ لديه كل الحق فى ذلك، فهو لا قِبَل له بالروايات الحديثة التى تتبنى أساليب تجريبية بحتة وتغوص فى تهويمات عقل الراوى وحواراته الداخلية النفسية وتقاطع الزمن حتى يصل الأمر إلى تكسيره.. إلى آخره من عناصر السرد الحديث (الحديث للغاية!) من حق القارئ أن يستمتع بالسمة الرئيسية للحكى: الإمتاع والتشويق والتسلية.

 لكن يبدو أن الكُتّاب الآن ينظرون إلى عنصر الإمتاع وكأنه مناقض للجدية والعمق، وكأنه مناقض لفعل السرد، وكأنه يقلل من شأن الأدب، وذلك بالرغم من أن الثلاثية المحفوظية قامت على الإمتاع والحكى، فتحولت إلى أحد أعظم الأعمال الأدبية. فقط بعودة الإمتاع والتشويق يمكن أن نستعير بعض هوس دان براون.