عملت طوال 40 سنة فى جريدة «الجمهورية» منذ تخرجى فى قسم الأدب المسرحى بالمعهد العالى للفنون المسرحية فى الزمالك حتى بلغت سن التقاعد حسب قوانين الصحافة الحكومية، والتى نطلق عليها فى مصر قومية كما أطلقنا على هزيمة 1967 نكسة، رغم أن الصحافة فى العالم إما خاصة أو حزبية أو حكومية ولا يوجد نمط رابع، ورغم أن المعارك تنتهى بالنصر أو الهزيمة، ولا توجد نتيجة ثالثة لأى معركة فى التاريخ.
وما إن فتح الباب للصحافة غير الحكومية فى عهد السادات وصدرت جريدة «الأهالى» عن حزب التجمع حتى بدأت أنشر مقالاتى على صفحاتها، ولكن باسم مستعار حيث كان النشر فى الصحف غير الحكومية يخالف قوانين الصحافة الحكومية، وكان الاسم الذى اخترته كامل توفيق نسبة إلى كامل التلمسانى وتوفيق صالح، ولست أدرى لماذا يتخفى نيوتن، ولاشك أن له مبرراته، والواجب احترامها أياً كانت.
أتابع «نيوتن» بإعجاب كبير لدفاعه الصادق عن الحريات، ولكنى لم أتفق معه فى قوله «إن ولدى الرئيس مبارك لم يستغلا كونهما ولديه»، وكنت فى ذلك مثل العديد من قراء عموده، والذين نشر اعتراضاتهم على قوله فى نفس العمود، ولا غرابة فى ذلك، فالحرية تعنى حرية كل الآراء، وعدم احتكار الحقيقة.
من اللافت فعلاً أن الشعب المصرى يحب الرئيس عبدالناصر الذى شهد عهده كبت الحريات وهزيمة 1967 أكثر من الرئيس السادات الذى فتح الباب للحريات وحقق انتصار 1973، وفى رأيى أن السبب فى ذلك حياة عبدالناصر الخاصة، والتى كانت أقرب إلى التقشف بالمقارنة مع حياة الحكام عموماً، وأنه لم يكن يصطنع التقشف إلى درجة أنه لم يكن يراه، وهذا سر من أسرار الشعب المصرى الدفينة، أو هذا هو الشعب العميق على غرار ما نقصده بالدولة العميقة هذه الأيام.
عاش عبدالناصر فى نفس البيت الذى كان يعيش فيه قبل أن يحكم بوصفه ضابط أركان حرب، أى فى بيت من ممتلكات الجيش، وهو نفس البيت الذى مات فيه، وتردد فى تركيب مصعد داخلى إلى الطابق الثانى بعد مرضه، واعتبر ذلك نوعاً من الرفاهية وأخضع ابنته الكبيرة لمجموعها فى الثانوية العامة، فلم تدخل جامعة القاهرة التى كانت ترغب فى الالتحاق بها، وحبس أحد إخوته بعد أن حامت حوله شبهة استغلال القرابة، ولا مقارنة بين الحياة التى عاشها عبدالناصر وحياة الملوك التى عاشها السادات ومبارك.
وأذهب أبعد من ذلك وأقول إن الشعب المصرى عندما أيد تنازل الملك فاروق عن العرش بعد ثورة 1952 لم يكن رفضاً لنظام الحكم القائم على تداول السلطة بين الأحزاب، ولم يكن رفضاً للدستور، ولا حتى لسياسات الملك الذى أحبه الشعب حباً كبيراً عندما تولى الحكم، وإنما بسبب ما شاع عن حياته الخاصة سواء كان حقيقياً كله أو بعضه، إنه شعب عميق بعمق خمسة آلاف سنة.