«نجع عون».. القرية «اليتيمة»: فى الخدمات منسيين وفى الفواتير متحاسبين

كتب: ياسمين سعد الجمعة 03-04-2015 21:22

«نجع عون»، هو اسم القرية التى لم يكن لها منه نصيب، فالقرية التى تلقب بـ«القرية اليتيمة» لا تجد العون من الدولة، التى لم تدرجها على خريطتها الإدارية.

تقع «نجع عون» على آخر تقاطع حدود محافظتى الإسكندرية والبحيرة، فهى تتبع إداريا ووفقا لكتاب الجغرافيا محافظة البحيرة، ولكن على أرض الواقع لم تعترف بالقرية أى محافظة، والمحافظتان المحيطتان بها تتنصّلان من مسؤوليتهما، فحرمت القرية من جميع الخدمات، لا وسائل نقل، ولا مياه، ولا كهرباء، ولا صرف صحى ولا تعليم. «رجب ربيع»، أو كما يطلق عليه أهل القرية «العميد»، ونائبه «علوانى صقر عبدالفتاح»، رويا قصة أهل «نجع عون»: «أكتر حاجة موفّرهالنا الدولة هنا هى المدافن»، هكذا قال «ربيع»، بينما يرى علوانى فى أحدث حالة وفاة شرحاً رمزياً لما تعانيه القرية، فيقول: «هناك طفل توفى منذ أيام لأنه أصيب بارتفاع فى درجة الحرارة ليلا، فلا يوجد لدينا مستشفى، أو وحدة صحية، أو حتى صيدلية نشترى منها مضادا حيويا لكى نعطيه للولد، كما أن أهل الطفل لم يكن معهم 50 جنيها لاستئجار سيارة تخرج بهم لأقرب وسيلة تنقّل، ولم يستطيعوا أن يمشوا بالطفل 5 كيلو للخارج، فانتظرت العائلة للصباح، ولكن الولد لم ينتظر ومات مع طلوع الشمس».

«أتحدى لو محافظ البحيرة يعرف إننا موجودون فى المحافظة»، هكذا قال علوانى، مضيفاً: «نحن لا يوجد لدينا أى مرافق لكى نتحرك فى المحافظة، وأقصى طموحاتنا هو أن يتم عمل كوبرى يربطنا بالأسفلت الموجود على الجهة الأخرى فى الإسكندرية».

وعن المعاناة اليومية للخروج من القرية المنسية، قال «علوانى»: «قمنا بتركيب معدية لكى تعبر بالأهالى إلى الإسكندرية بسهولة وفى وقت قصير، فالناس هنا أغلبهم عاطلون عن العمل، فلكى يعملوا باليومية فى الإسكندرية أو فى البحيرة عليهم أن يمشوا 5 كيلو يوميا مع كل طلعة فجر، فهم لن يستطيعوا توفير مصاريف المواصلات يوميا، وإلا لن يبقى فى المرتب شىء». وتابع: «كل شخص حصل على وظيفة فى خارج النجع تركها، حتى أنا تركت وظيفتى، لأننا كنا نصل متأخرين عن العمل، فكان يخصم لنا اليوم، حتى تركنا العمل، والوظائف الموجودة هنا فى النجع هو العمل فى الغيط فقط، فيوجد عدد من الأراضى ملك للأغنياء، والناس تعمل فيها بالسخرة، فإذا كانت يومية العامل 40 جنيها، فنحن سنقبل بـ15 جنيها فقط، لأن العاطلين كثر، ولن نجد وظيفة أخرى فى خارج النجع غير هذه الوظيفة».

طبيعة القرية غلبت حدود المعقول فى كل شىء، فبينما يقول الله (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُون)، ولكن المياه فى هذه القرية بالإهمال تقتل كل شىء حى، فلا يعلم أهل القرية ما يشربونه كل يوم، هل هذه هى مياه الصرف الصحى أم مياه شرب ملوثة.

حال النجع لم يترك لأهله خياراً آخر سوى سرقة الحياة، يقول علوانى: «تحركنا ذهابا وإيابا ودفعنا أموالا كثيرة فى المواصلات بين المحافظين، وفى النهاية لم نلق أى ردود فسرقنا المياه والكهرباء للناس».

ما يحيّر «ربيع» فى علاقة الدولة بالمحافظة هو أنها لا تعترف بوجودها سوى فى الأخذ، فيقول: «إذا كنّا لا نتبع المحافظة ولا نتبع الجمعية الزراعية، فلماذا تحصّل الجمعية الأموال من المنازل التى لديها عدادات، ولماذا نجد مباحث الكهرباء بتهب علينا».