■ ما المدرسة الإعلامية التى تسيطر على الشاشات الآن؟
- أتصور من قرب ومتابعة أنها «المدرسة السوداوية» وللأسف هى مدرسة جاذبة لبعض فئات الشعب ظناً أنها تعبير عن المواطن وعذاباته التى لا تجد لها صدى عند أجهزة الدولة بينما يرى المواطن العادى نفسه على هذه الشاشات، وخطورة المدرسة السوداوية فى الإعلام أنها تحمل طاقة سلبية تؤثر سلباً على الرأى العام، الحادث العابر يدخل منطقة «التعميم»، وفى بعض الأحيان تكون المدرسة السوداوية جالبة للإعلان وهذه أيضاً مصيبة لأنها «تسيد» قيمة رديئة، أن السواد هو الواقع وهذا غير صحيح، وليس معنى هذا افتعال الفرح فى المجتمع، فالمجتمعات مزيج من الفرح والألم، وتغليب أحدهما كلية هو الخطأ بعينه، خصوصاً على الشاشات الأكثر تأثيراً فى الناس، إن التعرض لمشاكل الناس ومآسيهم هو دور رئيسى لجهاز إعلامى، ولكن أن يكون السواد - كل ليلة - هو الغالب فذلك يحمل ويضخ فى النفوس «الأسى»، وبالتالى يجلب اليأس، وفى النهاية تقل «مناعة» المجتمع الراغب فى البناء، وهنا يسهل ضرب البلد بالإشاعات فيصدقها الناس، والتصور أن السوداوية هى الواقعية، هو باطل فى ثياب عاقل، حتى الواقعية المفرطة لابد من البحث فى طياتها عن بصيص أمل، وذلك بصراحة مفرطة يحتاج إلى مهنية زائدة، ويبدو فى كثير من الأحيان أن المهنية ليست بعافية وحتى بث الفرح يحتاج لمهنية.
■ كيف تقرأ عبارة «موسم البراءة للجميع»؟
- سمعتها وقرأتها يوم الإفراج عن اللواء حبيب العادلى بحكم صادر من محكمة لها كل التوقير، والعبارة فيها «رنة» سخرية، وهذا يعكس منتهى التناقض، ففى الوقت الذى نتباهى به بقضائنا العادل وقضاتنا الأجلاء، نعود ونسخر بكلام مبطن مثل موسم البراءة للجميع، وحبيب العادلى - أقوى وزراء داخلية مصر - «مخدش براءة لسواد عيونه» إنما بالقانون، لقد واجه اتهامات عدة من قتل المتظاهرين إلى الاتهام بالسخرة، واستمعت المحكمة لتفنيد الاتهامات وحكمت بالبراءة، ولابد من ترسيخ مفهوم شديد الوضوح أن قضاء مصر ليس مسيساً، فلا مصلحة لدى الدولة فى براءة وزير داخلية سابق وإذا فقدنا الثقة فى القضاء، انهار كل كيان الدولة، وليس فى مصر الآن «نائب عام خصوصى»، أى ملاكى مثل ذلك الذى كان فى زمن الإخوان، الذى كان يقرر اتهام أى مخلوق بإشارة من المرشد أو نائبه أو حارسه، وفى ذلك الزمن الأغبر سمعنا هتافاً أمام المحكمة الدستورية: «ادينا ياريس إشارة نجيب لك القضاة فى شيكارة»!!
ذهب ذلك العهد وعاد للقاضى جلاله ورفعة منزلته وتطهر القضاء من قضاة رابعة، أما حبيب العادلى، الذى حصل على البراءة فيحسب له: 1- زمن أمن وأمان بلا خوف. 2- تدفق السياح من العالم على مصر الآمنة. 3- كل مواطن يعرف حدوده. 4- اختفاء بلطجية ومسجلين خطر من الوجود. 5- لا قوة أو وجود لباعة سريحة فى أهم ميادين البلد وعلى الكبارى. 6- ملفات كاملة موثقة للعناصر الخطرة العابثة بمصر. 7- ملاحقة نشطاء وجدوا فى الثورة متنفساً. 8- ملاعبة الإخوان سياسياً و«تثبيتهم» فى زنازين السجون. 9- انضباط الشارع المصرى ولا مروق.. و.. وبالطبع لا شبهة نفاق للعادلى ولأى مصلحة تذكر، إنما من الواجب «إنصاف» رجل افتقدنا بعده الحزم والحسم المطلوب، والعادلى كان «محترف أمن»، وكان محبوباً من ضباطه، ولم يأمر بفرم مستندات كما أشيع وروج لها، وفى النهاية كان «وزير داخلية» لكل ما تحمله المهنية من تبعات، وليس من الضرورى أن يحمل كاريزما باتشان الهندى الأسطورة!
■ لماذا لا تقدم برنامج «حديث المدينة» الآن، ولعله فى التوقيت المناسب وأنت أول من أمسك بميكروفون وخلفه عدسة فى الشارع المصرى قرابة 22 سنة؟
- لا أستطيع تقديم حديث المدينة الآن لأسباب: أولاً: ليس من المعقول أن أكرر نفسى، تماماً مثلما تطلب منى أن أكتب فوازير آمال فهمى لرمضان 2015، وقد كتبتها لمدة عشر سنوات فى السبعينيات. تماماً مثلما تطلب منى أن «أعد» برنامجاً لمذيعة ما وقد كنت معداً لعشر سنوات مع مذيعات زمن النضارة للتليفزيون المصرى، لا يعقل أن أكرر نفسى. ثانياً: إننى أرى شذرات من حديث المدينة فى كل برامج القنوات العامة والخاصة، إذ إنى كنت أقدم المشكلة من أفواه أصحابها ثم أعرضها على المسؤول وزيراً أو محافظاً أو رئيس مؤسسة، ولابد من التنويه بجهد ثلاث مذيعات قذيفة فى ذلك الزمن هن «صديقة حياتى» واقتحامها المشكلات، وسناء منصور فى تحقيقاتها، وملك إسماعيل فى تجلياتها، وهناك شباب يحاول أن يصل لهذه المرتبة، وبالمناسبة لم يكن طريقى مفروشاً بالورود، كانت هناك حلقات يتم حجبها بأوامر عليا لأنها كانت تمثل الحقيقة، وكان الحذف يتم من حلقات بحجة «أمن قومى»!. ثالثاً: كيف أعيد تقديم مشاكل وقضايا حرثتها بالعدسات يوماً؟ كيف أكرر ذاتى وأقول نفس الكلام فى قضية صرف صحى أو تحرش مدرسة بتلميذة أو وقوع سور المدرسة على أولاد وطعن تلميذ لآخر على سبيل الهزار أو سفر الهجرة غير الشرعية أو بطالة شباب قرية أو عدم قناعة أمهات بسلامة الختان للبنات أو غلاء الأسعار أو سوء حال الرغيف أو الاتجار فى الدقيق من وراء الحكومة أو زواج القاصرات لأثرياء عرب أو أطفال الشوارع تحت الكبارى ووقف استيراد التكاتك، كيف أعيد نفس الكلام كالأسطوانة المشروخة، لهذا اتجهت بمهنيتى إلى «الإنسانيات» والسير الذاتية المرئية وهى مادة مقبولة ومحببة ككتاب، فما بال صاحب السيرة الذاتية «صوت وصورة»؟
■ لم نسمع صوتك - هذا العام - متحدثاً عن صديقك الموعود بالعذاب والنجاح عبدالحليم حافظ الذى فارقنا منذ 38 عاماً؟
- أكره المداخلات التليفزيونية «المتستفة» خصوصاً إذا كنت سأقول نفس ما قلت فى أعوام سابقة فى نفس ذات المناسبة، أردت أن تكون المناسبة موسماً لتفريخ مواهب يعترف بها المجتمع، كما يطلق د. مصطفى سويف على الموهوب، ومع احترامى البالغ لتجربة سحاب سليم فى التقاطه أصواتاً وتدريبها، فإننى أبحث عن «مواهب» دارسة مزيكة فى المعاهد الموسيقية، ولا أشك لحظة فى وجود مواهب حقيقية تنتقصها الفرصة لكى تبرز مثلما جرى لحليم، وتبقى بعض المعلومات عن عبدالحليم ربما لا يعرفها الكثيرون: 1- كان ينوى استكمال عمارة من 4 طوابق فى المهندسين بجوار فيلا النبوى إسماعيل، وزير الداخلية فى زمن السادات، كان يريد جمع أسرته كلها فى مكان واحد، وكان يريد إقامة صالة للبروفات الموسيقية بدلاً من إجرائها فى شقته. 2- كان يريد أن يقوم بزيارة لمعهد الموسيقى العربية مرة كل شهر لتحفيز طلبة المعهد وطالباته على التجويد، وكان سيطلب من الإذاعة أن ترافقه فى الزيارة، وصاحب الفكرة هو الراحل الأستاذ وجدى الحكيم ولكن القدر لم يمهله. 3- كان عدد «معارف» عبدالحليم بالآلاف ولكن عدد «الأصدقاء» قليل جداً، ليس كل من أجرى معه لقاءً إذاعياً أو كتب عنه سيرة ملفقة تحول فيها حليم إلى سهام عاطفية ذبح بها قلب صوفيا لورين «!!» يعتبر صديقاً، ليس كل طبيب داواه بالحقن والعقاقير صديقاً حتى د. يسين عبدالغفار أو روجر وليماز الطبيب الإنجليزى، ليس كل من قابله على متن طائرة من القاهرة إلى لندن والعكس صديقاً، ليس كل من لعب معه «دور كوتشينة» صديقاً.. ليس كل من كتب له كلمات أغنية «صديقاً». كان للعندليب أصدقاء حقيقيون من خارج الوسط الصحفى والإعلامى، أصدقاء سفراء وكتاب كبار، فإحسان عبدالقدوس يعد أول من سمع عبدالحليم فى مكتبه، وكان الصحفى المحترم فوميل لبيب قد أرسله لإحسان، وحليم كان صديقاً لعلى بك أمين أكثر من مصطفى أمين، ومن الفرقة الموسيقية التى صاحبته طول حياته كان من أصدقائه «أحمد فؤاد حسن وهانى مهنى وعمر خورشيد»، وكانت أسرة الدمرداش الفاضلة من أصدقائه. 4- اتفق عبدالحليم مع د. النبوى المهندس، وزير صحة زمن عبدالناصر، على «رعاية صحية خاصة» لأطفال الملاجئ «ومستعد أعمل حفلة واتنين يخصص دخلها لهذه الرعاية». 5- تجدد سنوياً مقبرة عبدالحليم فى شارع البستان، خصوصاً بعدما نزحت المياه إليها. 6- كانت غيرة حليم على سعاد حسنى تفوق غيرة أى رجل، فقد كان يرسل سائقه عبدالفتاح ليأتى له بأرقام سيارات كل الذين يذهبون إلى بيت الراحلة زهرة العلا، حيث تمضى سعاد بعض الوقت هناك فى لعب الكوتشينة!!
رحم الله العنديب، لقد غنى للحب واحترق بنار الحب، لقد غنى للوطن واكتوى بعشق الوطن، ومازلنا وراءه «باحلف بسماها».
■ هناك ثوابت فى رأسك لا تتزحزح، أعطنا أمثلة أو بعضاً منها.
- 1- د. محمود زقزوق، عالم متفقه فى الدين وسطى المنهج، زوجته ألمانية أضافت له السماحة. 2- ليس انتقاصاً بالمرة من نبيل العربى ولكن د. مصطفى الفقى يمثل الدبلوماسية بخلفية ثقافية وفكرية. 3- د. نعمات أحمد فؤاد، صوت حق فى زمن أخرس. 4- أصوات لها شخصية ولا تتكرر: آمال فهمى وجلال معوض. 5- د. حسام بدراوى، طبيب كسبته السياسة وأعطاها وطنيته. 6- الغضب الكلثومى - فى زمنه - كان عفياً. 7- السيسى أنقذ مصر من زوال اسمها على خريطة الدنيا. 8- الأبنودى، العازف والمزمار والربابة لأفراح بلدى وأشجانها. 9- كانت أهرام «إبراهيم نافع» تكسب مالاً.. وقارئاً. 10- أحترم عطاء وردة ولكنى أحببت صوت فايزة أحمد. 11- إسكندرية عبدالسلام المحجوب كانت «فى عز شبابها». 12- رمزى يسى، أعظم من داعبت أصابعه البيانو فمنحتنا سعادة. 13- يوسف إدريس إمام القصة القصيرة هو سيد المقال القذيفة. 14- الأمير طلال بن عبدالعزيز أول من اقترح بسعة أفق «إلغاء بند الدين فى جواز السفر». 15- الملحن الكبير المهندس أحمد صدقى كان قيمة موسيقية ساهم فى استمتاعنا بصوت ليلى مراد، ولأنه لا أحد يتكلم عنه بات مجهولاً. 16- عبارة سمعتها من رائد القنوات الخاصة الفضائية د. أحمد بهجت يقول: «هدفان لكل ما يبث: المتعة والمعرفة». 17- فايزة أبوالنجا، أول سيدة دخلت كواليس السياسة بعمق وكثافة وحضور. 18- برحيل أيقونة الفن فاتن حمامة، فقدت «الونس والروقان والاختباء فى صدفة السكون».
■ ماذا حدث لحزب أعداء النجاح الذى رصدته يوماً فى المجتمع؟
- تمدد وتمحور وتكاثر وصار حزب التبكيت والتشكيك والتفكيك.
■ أى «الأمصال» تواجهه؟
- مصل «الضوء الساطع» يكشف الوجه الواحد والسبعة وجوه والأقنعة بالدستة.
■ ماذا يضحكك ويبكيك فى آن واحد؟
- أصحاب الملايين «من واقع ضرائبهم» حين يتكلمون عن الغلابة المعدمين و«يتشحتفون».
■ ما شكل الثورة القادمة الحتمية؟
- ونحن على أبواب مناخ استثمار هو مفتاح الخير للمصريين فالثورة الإدارية ضرورة، لابد من مباراة «ملاكمة» للإجراءات والروتين والقلم الكوبيا والبطء والتسويف والموظف النعسان، والملاكمة تعتمد على «أول لكمة».
■ من يمثل «الشرعية» فى دولة الحب؟
- العقل مع احترام تورط القلب، فكم تورط القلب بطعم الندم.