تفاءلت، وسعدت كثيراً بالحديث الصحفى الأخير للأستاذ الدكتور طارق شوقى، رئيس المجلس الرئاسى التخصصى للتعليم والبحث العلمى، ومبعث تفاؤلى أولاً يرجع إلى إحساسى- للمرة الأولى- بأن الدولة المصرية قد بدأت الطريق الصحيح للتقدم والازدهار والذى يعتمد أساساً على أصحاب الخبرة والكفاءة والوطنية والرؤية المستقبلية القائمة على المنهج العلمى.. ولا شىء سواه. ويرجع تفاؤلى ثانياً إلى تطابق ما قاله د. طارق، وما سبق لى أن ناديت به طوال سنوات طويلة عبر وسائل الإعلام عن ضرورة إجراء تعديلات جوهرية وجذرية على نطام التعليم في مصر.
وحيث إن الحديث يطول ولا يتسع المقام فسوف أركز هنا فقط على التعليم الجامعى بصفة عامة، وعلى التعليم الطبى بصفة خاصة، وسوف أبدأ كلامى بالحديث عن خرافة مجانية التعليم في الجامعات المصرية.. وأرد مسبقاً على من يستشهد بمقولة د. طه حسين بأن التعليم مثل الماء والهواء بما قاله والدى الراحل العظيم الغزالى حرب وهو من رجال التعليم بأن الماء والهواء إذا لم يتم التحكم فيهما فسوف يصبحان وبالاً على الإنسان.. كما أرد على الرافضين لأى خروج على قرارات عبدالناصر بالقول إن هذا الزعيم الوطنى قد تصرف بما يمليه عليه حسه الوطنى والشعبى في زمن كان التعليم فيه حكراً على فئة معينة في ظل خلل خطير في تركيبة المجتمع الطبقية في هذا الزمن، ونحن جميعاً قد تعلمنا في ظل هذه المجانية.. في هذه الحقبة.. ونحن الآن نعيش ظروفاً اجتماعية في بيئة عالمية تختلف جذرياً عن هذا الزمن، والنتيجة كما نراها: لا تعليم في مؤسسات التعليم.. ولا تربية.. ومستوى خريجين لا يصلح إطلاقاً لمتطلبات العصر وفى نفس الوقت تنفق الملايين سنوياً على التعليم الموازى بدءاً من مرحلة ما قبل الحضانة حتى نهاية التعليم الجامعى!!
وسوف أتحدث مباشرة عن التعليم الطبى، ومن واقع خبرتى الطويلة في هذا المجال، وأقدم هذه الاقتراحات إلى من يهمه الأمر:
1- ليس بمجموع الثانوية العامة وحده يكون الطالب لائقاً للالتحاق بكليات الطب.. ومن المحتم إجراء اختبار لمن يرغب في الالتحاق بها يشترك في وضعه أساتذة الطب، والاجتماع، وعلم النفس بحيث تكون النتيجة مؤشراً على استعداد الطالب للالتحاق بالكليات الطبية: بشرى، أسنان، صيدلة، طب بيطرى، وتمريض.. وتوضع نتيجة الاختبار مع مجموع الثانوية العامة بنسبة معينة لمحاولة اختيار الأكثر ملاءمة لهذه المهنة الشاقة.
2- لا يوجد تعليم طبى في العالم مجانى للجميع، فالتعليم الطبى مكلف وتكلفته باهظة.. لذا أقترح استمرار المجانية في السنة الأولى للجميع وبعدها تقتصر على الحاصلين على 75٪ على الأقل في كل مادة من مواد الدراسة، وعلى الباقى دفع تكاليف المادة بالكامل.. ويمنع تماماً الانتقال من سنة دراسية إلى أخرى إلا بعد النجاح في جميع المواد.. فلا مجانية للخامل أو المهمل.
3- رفع نسبة النجاح في الامتحانات التحريرية إلى 70٪ وقد كانت منذ سنوات قليلة 30٪!!
4- إلغاء الفضيحة المسماة «لجان الرأفة»!
5- السماح للطالب بدخول الامتحان في الدور الذي يراه مناسباً له، ولا داعى لمهزلة الأعذار المرضية المزورة!
6- تحجيم درجات الامتحانات الشفهية بحيث لا تتعدى 20٪ من المجموع الكلى للدرجات.
7- توحيد الامتحانات النهائية على مستوى الجمهورية ويشارك في وضعها أساتذة من الخارج.
8- تعديل شامل وجذرى في المقررات الدراسية، وطرق التدريس وطرق الامتحانات، أسوة بما هو متبع في الجامعات الأجنبية العريقة.
الكلام والتفاصيل كثيرة، ومعروفة لكل المهتمين بالتعليم الطبى، ولكن تبقى الإرادة السياسية لتفعيل المقترحات من خلال قيادات جامعية واعية، ومخلصة، وقادرة على فرض ما هو ضرورى وحتمى للخروج من عنق الزجاجة. لدينا شباب من أذكى شباب العالم، ولدينا أساتذة نباهى بهم الأمم.. وتبقى مسؤولية الإدارة الحكيمة لمنظومة التعليم الطبى التي تعيد أمجاد الطبيب المصرى.