مبادئ اللياقة وحدها كانت تقول إن اللجنة التى تتولى إعداد قانون الانتخابات البرلمانية، برئاسة الوزير إبراهيم الهنيدى، كان عليها، أولاً وقبل كل شىء، أن تتقدم باعتذار إلى المصريين، فى اليوم نفسه الذى قضت فيه المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون تقسيم الدوائر الذى أعدته هى كلجنة!
كان على اللجنة أن تتقدم باعتذار لكل مصرى، فى ذلك اليوم، وكان على الاعتذار أن يأتى مسبباً إذا صح التعبير!
فهناك سببان، على الأقل، كانا يقتضيان اعتذاراً من هذا النوع، أولهما أن اللجنة أعدت قانوناً قضت «الدستورية» بعدم دستوريته، مع أن جميع أعضائها - أقصد اللجنة - من أهل القانون!!.. وأما السبب الثانى فهو أنها لم تنصت إلى اعتراضات وملاحظات كثيرة أبداها أهل الرأى، فى وقت إعداده، وانقطعت أصواتهم فى سبيل تنبيهها، إلا أنها لم تكن تسمع، ولا تنصت لأحد، وكانت تمضى فى عملها، وتمارس مهمتها، وكأنها لا تسمع، ولا ترى، ولا تتكلم، ولا تأبه لإنسان!
بل إننا لم نلحظ أى نوع من الشعور بالذنب، لديها، حين بدأت عملها من جديد، بعد القضاء بعدم دستورية قانون هو من صنع يديها!
وقد كان العقل منذ البداية يقول إن اللجنة إذا كانت قد تعرضت لاختبار أمام «الدستورية»، فى مدى أمانتها فى أداء مهمتها، ثم سقطت فيه، فالبديهى أن تأتى لجنة جديدة كلياً فى مكانها، وأن تعتذر هى عن عدم استكمال ما كانت قد بدأت فيه، قبل حكم «الدستورية»، فإذا لم تعتذر من تلقاء نفسها، فالمفترض أن فى الدولة رجالاً يطلبون منها أن تعتذر، وأن تفسح الطريق لآخرين غيرها، ممن هم أقدر على إكمال المهمة إلى نهايتها، بكفاءة، وبأمانة على السواء!
أما أن تأتى هى نفسها، بأعضائها أنفسهم، لإعداد القانون من جديد، وفق ملاحظات «الدستورية»، فإن هذا أشبه ما يكون بتكليف الطباخ نفسه بتقديم وجبة جديدة للضيوف، بعد أن كان قد قدم لهم وجبة من قبل أدت إلى حالة من حالات التسمم بينهم!
وفى وقت من الأوقات، قرأت على لسان واحد من أعضاء اللجنة، وكان ذلك بعد حكم «الدستورية»، أنهم سوف يلتزمون حرفياً بما أبدته المحكمة من ملاحظات، ورأيت فى كلامه عن الالتزام بالملاحظات حرفياً معنى غير مريح، وهو أنها كلجنة لا تستشعر أى إحساس بالخطأ فى فترة عملها الأولى، وإلا فما معنى أن يقال على لسان عضوها ذاك إن هذه إذا كانت ملاحظات الدستورية العليا على قانون أعددناه، فسوف نستجيب للملاحظات، نصاً وحرفياً، ولا شىء لكم عندنا بعد ذلك!
وقد كنت أتمنى لو أن الأحزاب التى ستبدأ اليوم حواراً مع رئيس الحكومة، المهندس إبراهيم محلب، قد طلبت منه تشكيل لجنة جديدة ابتداء، ثم ذهبت بعد ذلك إلى التفاصيل، ولكن، بما أنها ذهبت إلى التفاصيل مباشرة، حول نسبة القوائم، ونسبة الفردى إلى آخره، فى القانون الذى يجرى إعداده، فليس أقل من أن تطلب أن تفتح اللجنة عقلها كاملاً على كل اقتراح مفيد، خصوصاً إذا كان اقتراحاً سياسياً، لا قانونياً، ولا فنياً، وأن يكون السياسى فى عملها غالباً على القانونى والفنى معاً!
هذه لجنة تصنع مستقبلاً، أو هكذا نتصور، ولا تضع مجرد قانون انتخابات، ولابد أن تكون على هذا المستوى من الطموح عندنا.