عودة «دورى الدم» وحديقة «محلب» فى الزمالك

أسامة خليل الأربعاء 01-04-2015 21:19

القصاص.. القصاص.. القصاص.. كلمة باتت دارجة فى لغتنا الشعبية، ومن كثرة استعمالها دون تحقيقها فقدت معناها العظيم الذى ذكر فى القرآن الكريم، وهى لمن لا يعرف تعنى أن يُوَقّع على الجانى مثلما جنى: النفس بالنفس، والجرح بالجرح، والمجتمع أو الدولة التى لا تقتص من المخطئ يسقط فيها العدل، وتنتشر الجرائم، ويسعى كل فرد لتحقيق القصاص لنفسه وبنفسه، وهو ما ينتهى إما إلى الثورة أو الهمجية.

تذكرت كلمة القصاص عندما علمت أن بطولة الدورى عادت مرة أخرى بنفس ما كانت عليه وإن نقص منها ٢٠ شاباً زملكاوياً ماتوا على باب استاد الدفاع الجوى، ووقتها إن لم تخنى الذاكرة انتفضنا كعادتنا القديمة عندما يقع حدث جلل، وخرج رئيس الوزراء يعلن إيقاف الدورى لأجل غير مسمى، وأقمنا كعادتنا سهرات الندب والبكاء فى الفضائيات، والصراخ على صفحات الجرائد، وكلنا كرر كالببغاوات كلمة «القصاص» للشباب الأبرياء الذين راحوا ضحية نظام اجتماعى غبى يقتل أبناءه فى مباراة كرة ولا يستحى أن يعيدها دون أن يجيب أحد عن سؤال: لماذا قتلوا؟ عاد الدورى، وإجابة السؤال لم تأت ولن تأتى، وسيموت آخرون، وسنسأل السؤال للمرة الألف، ونطالب بالقصاص للمرة المليون، من قبيل العادة وليس من قبيل احترام آدميتنا أو الحفاظ على أرواحنا التى اؤتمنا عليها من قبل الخالق عز وجل.

وإذا لم يعد للدم قيمة فى هذا البلد، ولا لقتل النفس البريئة جللا، ومادمنا نحب الكرة أكثر مما نحب أنفسنا وأبناءنا، أريد أن أطرح سؤالا: هل الكرة فى بلدنا تحقق الشروط الأساسية التى تلعب من أجلها حتى أتفهم لماذا ندفع كل هذا الدم والتضحيات الجبارة من أجلها؟ فمن قبل سقط ٧٢ شاباً أهلاوياً فى استاد بورسعيد، وقبل أسابيع، ومع اليوم الأول لعودة الجماهير بعد غياب ٣ سنوات، مات ٢٠ آخرون، وهى أرقام قتلى لا نسمعها إلا فى الحروب أو الكوارث الطبيعية، فهل تعد الكرة عندنا من قبيل الكوارث التى ابتلانا بها الله، مثل الزلازل والفيضانات، وعلينا أن نرضى بما قسمه، أم أنها من الحروب التى فرضت علينا؟

فالكرة كما أفهم تحقق ثلاثة أهداف: المتعة والإثارة والمنفعة الاقتصادية، فهل هذه الأهداف التى يلعب من أجلها العالم كرة القدم تتحقق عندنا حتى نغض الطرف عن شهداء الملاعب؟

أولاً: فيما يخص المتعة، ظنى أنه لا يختلف كثيرون على أن الكرة المصرية مازالت فقيرة فنياً وبدنياً واحترافياً، وانهارت منذ خروجنا من التصفيات المؤهلة لمونديال ٢٠١٠، فالمتعة التى من أجلها تلعب الكرة وترتبط بمتابعتها الملايين وترفه عن الناس همومهم وتسحبهم فى خيالها ونجومها، حتى المنافسة الشريفة الجميلة الممتعة التى تربينا عليها بين الأهلى والزمالك، والتى كنا ننتظرها من العام للعام، باتت كابوساً مزعجاً يسبقها كم هائل ومخيف من التلوث البصرى والسمعى لشخص مستفز ابتلينا به ليحول المباراة لـ«تار بايت» بين قبيلتين وليس مباراة تشبعنا متعة وإثارة وندية وروحا رياضية وأخلاقا راقية.

ثانياً: الإثارة لا يمكن أن تتحقق إلا فى الاستمرارية والانتظام والاحترافية فى إدارة اللعبة، وغياب العدالة فى تطبيق اللوائح، وانعدام الرقابة على الأندية فى تنظيم المباريات، هو سبب رئيسى فى سقوط مشجعى الزمالك، (بالمناسبة، أين ذهبت شهادة رئيس لجنة الأمن باتحاد الكرة الذى اتهم الاتحاد فى استقالته بالمسؤولية عن كارثة استاد الدفاع الجوى؟)، ناهيك عن أن فعل الإثارة فى المباريات لا يقع إلا بحضور الجماهير، فإذا كانت الجماهير غائبة باعتبار أن «اللى بيروح بيموت» فمن أين تأتى الإثارة؟

ثالثاً: أما فيما يخص البعد الاقتصادى، فهذا لا يمكن أن يتحقق بالفائدة العالية أو حتى المتوسطة فى ظل حالة الارتباك التى تعيشها كرة القدم، حيث لا يوجد انتظام فى المسابقة، وحتى إذا انتظمت فهى كئيبة فى ظل غياب الجماهير، وإن حضروا فهى جنائزية، حيث الموت ينتظر المشجعين، الأمر الذى أفقد ثقة المعلنين والقنوات الفضائية فى الجدوى الاقتصادية للمسابقة، لدرجة انسحاب قناة (إم. بى. سى) خوفاً على سمعتها من متابعة هذا الدورى المشؤوم والملطخ بدم شباب أبرياء، فاستقرت على أن تخسر الفلوس التى دفعتها فى شراء حقوق إذاعة المباريات بدلاً من أن تخسر نفسها، أضف إلى ذلك تفرق الأندية فى بيع حقوق البث واتباعها نظام البيع الفردى، وهو نظام فاشل حتى وإن حقق للأهلى والزمالك مكاسب كبيرة، لأن هذه المكاسب كان يمكن أن تتضاعف لو اتفقوا على البيع الجماعى، وهذا الكلام لن يكون فى ظل وجود جراثيم خبيثة تفرق شتات العمل الجماعى.

فى الختام، عاد دورى الدم، ولم نسمع أن مسؤولا رياضيا واحدا تمت محاسبته على هذه الجريمة التى ألصقت بمجموعة من الصبية اتهموا بقتل الشباب من خلال تحريضهم ودفعهم لدخول القفص الحديدى والتدافع بداخله حتى الموت، وهذا هو القصاص الذى وعدنا به رئيس الوزراء، الذى سيذهب- كما قرأت- إلى نادى الزمالك، الأسبوع القادم، ليس لتأبين شهداء الزمالك بعد أن قدم قاتلهم للعدالة، ولكن للاحتفال بافتتاح حديقة وبوابة وحمام سباحة، وحسبى الله ونعم الوكيل.