يسعى الكثيرون لصناعة نخب سياسية مصطنعة، كما يسعى البعض غير القليل فى وضع نفسه على رأس المجتمع، رغم أن الأخير لم يفكر أبدًا فى تتويجه. والحقيقة أن هذه الأزمة تبدو واضحة، سواء على مستوى بعض المؤسسات المؤثرة فى صناعة القرار فى الدول الغربية، أو على مستوى الدولة المصرية وأجهزتها، أو حتى على مستوى بعض السياسيين أو النشطاء من الذين اعتبروا ذواتهم، أو اعتبرتهم وسائل الإعلام ممثلين للمجتمع رغم أنهم لا يمثلون سوى أنفسهم.
فالعديد من هذه المؤسسات الغربية تسعى إلى التواصل مع بعض المثقفين أو السياسيين أو النشطاء فى مصر، وهو أمر طبيعى، فالتواصل بين الداخل والخارج بات من متطلبات العصر الحديث التى لا يخفق فى تلبيتها سوى هواة الفشل أو العزلة، إنما الأمر غير المفهوم هو أن يصر بعضها على قصر التواصل على من يعبرون فقط عن نفس خطها الفكرى، فتعتبرهم، بكل أريحية، الممثلين الوحيدين عن المجتمع المصرى، رغم أنهم لا يمثلون سوى رؤى شخصية تتوافق مع رؤاهم. وما يثير الاندهاش أيضًا هو أن يصر بعض وسائل الإعلام الغربية على الترويج لهم باعتبارهم نخبة المجتمع الجديدة.
وينطبق الأمر نفسه على مؤسسات الدولة ونظامها السياسى فى مصر، حيث يسعى الأخير إلى التواصل مع نخب مالية أو سياسية أو فكرية بعينها سواء لارتباطهم بمصالح عضوية معه أو لأنهم لن يمانعوا من التقرب منه بغية الحصول على مزيد من التسهيلات أو حتى «التلميع» الإعلامى. والحقيقة أن الشراكة بين الدولة والمجتمع مطلوبة دائمًا، ولا ينجح من يغفلها، إلا أن إصرار الأولى على اصطناع نخب سياسية وبرلمانية وإعلامية غير قادرة على أن تكون همزة وصل بينها وبين المجتمع، طالما أنها لا تعبر أبدًا عن مطالب الأخير واحتياجاته، لن يفيد. فكما يخبرنا التاريخ القريب، لو غضب المجتمع يومًا فمثل هذه النخب لن تنفع.
والحقيقة أن الأمر لا يتوقف عند ذلك، فالكثيرون من بين النخب المثقفة من السياسين أو النشطاء أو المدونين يعتبرون أنفسهم، من غير مبرر نفهمه، قيادات واجبة السمع والطاعة، رغم أن قدرتهم على النجاح فى أى انتخابات شبه معدومة، كما أن ارتباطهم بالمواطن العادى واحتياجاته تكاد تكون صفراً. فليست هناك علاقة بين أن يكون لك فكر حر أو قدرة على النقد من ناحية، وأن تكون معبرًا عن قطاعات مجتمعية واسعة من ناحية أخرى. فالقادر الوحيد على التعبير عن المجتمع بشكل حقيقى هو القائد الطبيعى النابع من قلب المجتمع ذاته، سواء على صعيد العمل أى فى الإطار النقابى، أو حتى على صعيد السياسة أى فى إطار عمل سياسى مرتبط بالعمل الاجتماعى أو المحلى. والحقيقة أن المشكلة مزدوجة، فالقيادات الطبيعية ذات القواعد الاجتماعية الحقيقية تأبى الحديث فى السياسة على عكس النخب سابقة الذكر. وبما أنها غير قادرة على التشبيك أو غير راغبة فى تأطير نقدها أو متطلبات جمهورها بشكل أعم وأشمل، فهى تظل، للأسف، محدودة التأثير فى إطار دوائر صغيرة ومغلقة.
لذا فيظل سؤالنا مطروحًا: متى يصنع المجتمع نخبته؟ ومتى تتحول قياداته الطبيعية إلى سياسيين وممثلين محليين أو برلمانيين معبرين عنه؟