تحدثنا أمس عن الثقافة الكارثية السائدة، وأن هذه الثقافة ليست مسؤولية وزارة، وأن الخطوة الأولى لتغييرها تغيير مسمى وزارة الثقافة لتصبح وزارة الفنون، وحتى تقوم وزارات صنع الوعى العام بمسؤولياتها، وهى وزارات التعليم والإعلام والشباب والأوقاف، وأن دور الفنون ثانوى فى هذا الصدد، ولا يجب أن تخضع لأى توجيه.
وقد كان فصل الآثار عن وزارة الثقافة بعد الثورة تغييراً فى الاتجاه الصحيح، ويبقى أن تسمى وزارة التراث الوطنى لأن هذا التراث ليس فقط عمارة وتماثيل ولوحات، وإنما يشمل أيضاً الأدب والمسرح والسينما والموسيقى، وليس فقط التراث القديم، وإنما الحديث، وبهذا يتكامل دور الوزارتين: التراث الوطنى لحماية الماضى، والفنون لدعم إنتاج الحاضر وصناعة المستقبل، وهناك علوم كاملة لحماية التراث، وأخرى لدعم وتطوير الفنون.
من ناحية أخرى تعتبر وزارة الثقافة نموذجاً للعشوائية التى تعانى منها مصر فى مجالات متعددة، فهناك عملياً ثلاث وزارات داخل هذه الوزارة حيث ألغيت عام 1980 واستبدل بها المجلس الأعلى للثقافة، وعادت الوزارة عام 1985 ولكن استمر المجلس، وأنشأ صندوق التنمية الثقافية عام 1990 ليقوم بنفس مهام الوزارة والمجلس، وفى كل من الوزارة والمجلس والصندوق مكتب للوزير وآخر لمدير مكتب الوزير وثالث لمدير مدير مكتب الوزير، وأخيراً تحول الصندوق إلى قطاع، فلم تعد له مزايا الصناديق، ولم يبق سوى الاسم على غير المسمى، وإذا لم تكن هذه عشوائية، فماذا تكون؟!.
وفى هذه الوزارة أربع مؤسسات أنشئت من أجل أشخاص بعينهم، وهى العلاقات الثقافية الخارجية التى تقوم بنفس ما تقوم به وزارة الخارجية، وجهاز التنسيق الحضارى الذى يقوم بنفس ما تقوم به المحافظات، والمركز القومى للترجمة الذى يقوم بنفس ما تقوم به هيئة الكتاب، وقطاع الإنتاج الثقافى وكأن مؤسسات الوزارة الأخرى للإنتاج غير الثقافية وإذا لم تكن هذه عشوائية، فماذا تكون؟!.
وفى هذه الوزارة مركز للسينما وبيت للمسرح وقطاع للفنون التشكيلية وهيئة للكتاب، فعلى أى أساس تتم التفرقة بين الفنون، وفى أى من علوم الإدارة تجمع وزارة واحدة بين كل هذه الأشكال الإدارية، وإذا لم تكن هذه عشوائية فماذا تكون؟!.
من المنطقى أن تكون أكاديمية الفنون تابعة لوزارة التعليم العالى، فهى تعمل بلائحة الجامعات، ولكنها تتبع وزارة الثقافة، ومن المنطقى أن تكون قصور الثقافة تابعة للمحافظات، فلكل منها بيئة ثقافية مختلفة، ولا تتساوى الصحراوية فيها مثلاً مع البحرية، ولكنها تدار مركزياً من القاهرة بواسطة هيئة فى وزارة الثقافة، وكان الغرض أن توجه سياسياً من الاتحاد الاشتراكى، ومضى هذا الاتحاد وبقيت الهيئة، وإذا لم تكن هذه عشوائية، فماذا تكون؟! نحن فى ثورة، والثورة تعنى التغيير الجذرى، ولكن يبدو أن البيروقراطية لا تهز من ثورة ولا ثورتين.