ناصر والسادات.. والسيسى

عبد المنعم سعيد السبت 28-03-2015 22:53

يختبر الرؤساء والقادة أمام الشعوب والتاريخ بوسائل متعددة من أول الرخاء الذى يحققونه وحتى مواجهة الأزمات التى يتعرضون لها، وفى المقدمة منها تلك الأزمات المتعلقة بقرارات الحرب والسلام. الأزمة بحكم التعريف حالة استثنائية، صعبة، ومعقدة، وفيها عناصر تهديد قيم عليا تستحق الدفاع عنها باستخدام القوة المسلحة؛ ولكن فيها أيضا الشك وعدم اليقين والمعلومات غير الكاملة عن الخصم أحيانا والمدى الذى يصل إليه، وعن الصديق أحيانا أخرى والقدر من الإمكانيات الذى يمنحه لهذه الصداقة. وخلال الأيام القليلة الماضية اختبر الرئيس السيسى مرتين: مرة إزاء موضوع قضية مياه النيل مع إثيوبيا؛ والثانية إزاء قيام الحوثيين بالاستيلاء على السلطة فى اليمن. فى الأولى كانت القيمة العليا هى الفارق بين الحياة والموت بالنسبة للمصريين، فسواء كان النيل هبة المصريين، أو أن مصر كانت هبة النيل، فإن كليهما يعنى قيمة عظمى وحيوية. وفى الثانية فإن الرابطة ما بين مصر وأمن الخليج باتت لا تنفصم، ولم يعد هناك فارق بين مضيق هرمز، وباب المندب، أو قناة السويس، حيث يقع الكل فى إطار مسرح استراتيجى واحد.

تفاصيل الموقفين لهما مكان آخر، ولكن الشائع فى الخطاب السياسى المصرى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى هو أقرب منهجيا للرئيس جمال عبدالناصر فيما منحهما الله من «كاريزما» وتأثير فى آذان المستمعين وأعين الناظرين. ولكن تجربة الأيام والأسابيع الماضية ربما توحى بغير ذلك، وأن الرئيس السيسى فى حقيقته أقرب بكثير من الرئيس السادات. بالطبع فإن كافة المشابهات التاريخية ناقصة، وربما خادعة، ولكنها أحيانا ضرورية للفهم، والاقتراب. فى «أزمة مياه النيل» لجأ السيسى إلى منهج ساداتى نقى حينما اختار نهجا للتفاوض لا يقوم على ما شاع من طريقة «التجار» حيث توجد المساومة والمبادلة حتى يستقر الجدل على أفضل الأسعار المناسبة، ولا المنهج «القانونى» الذى يتبارى فيه كل طرف فى إثبات شرعية مقصده مستعينا بالشهود، والقانون الدولى؛ وإنما على أسلوب تغيير «البيئة التفاوضية» تماما من الخصومة أو التناقض أو الاختلاف إلى وجود مصلحة مشتركة فى التوصل إلى حل فى خدمة هدف عظيم. كان ذلك هو ما فعله السادات عندما ذهب إلى القدس، وعندما ألقى خطابا فى الكنيسيت، وعندما قام بعقد إعلان للمبادئ فى كامب دافيد، حتى جرى توقيع اتفاقية السلام. الرئيس السيسى فى المقابل ذهب إلى أديس أبابا، وألقى خطابا فى البرلمان الإثيوبى، وذلك بعد أن وقع إعلانا للمبادئ فى الخرطوم تمهيدا لتوقيع ثلاث اتفاقيات فنية. الأول جعل السلام جائزة مشتركة، والثانى جعل اتفاقية إطارية ترضى الجميع جائزة كل دول حوض النيل.

فى أزمة يونيو ١٩٦٧ التى انتهت باحتلال الأراضى المصرية للمرة الثانية خلال عقد واحد تقريبا، ذهب عبدالناصر إلى الأزمة ونصف جيشه فى اليمن، وهو فى تناقض كبير مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، ذهب وحده إلى حرب قتلته فى النهاية. السادات ذهب إلى حرب أكتوبر ومعه كل العرب، تقاسموا معه المهام والمعارك، وبينما كان الجيش المصرى يقاتل فى سيناء بمعاونة عدة كتائب عربية، فإن السعودية قادت الحظر البترولى. لم يكن النفط أغلى من الدم، ولكن كلا منهما كان له دور ونصيب من نصر عظيم. السيسى يذهب هذه المرة إلى اليمن فى صحبة السعودية، ودول الخليج، ودول عربية وإسلامية أخرى، لم يكن وحيدا، ولا يأخذ مصر إلى معركة لم تعد لها العدة، وإنما ذهب فى تحالف عربى قوى تحدث عنه عبدالناصر كثيرا، ولكنه خلق حوله قدرا هائلا من الفرقة.