عرفته حين قاد قضاة مصر في 2006 في تظاهرات الدفاع عن استقلال القضاء الذي أراد نظام مبارك جعله تابعا للسلطة التنفيذية عبر قانون مشوه قدمته السلطة حينها لبرلمان يسيطر عليه الحزب الوطني المنحل عقب كشف عدد من القضاة لوقائع التزوير التي تمت في انتخابات برلمان 2005 وبرزت أسماء لقضاة جهروا بالحق وأعلنوا رفضهم جعل القضاء المصري محللا لأي سلطة وشريكا في أي تزوير وتزييف لإرادة الشعب الحقيقية ولن ينسى أحد المستشارة الجليلة (نهى الزيني) التي كانت صرختها صفعة على وجه الاستبداد هي وعدد من القضاة الأجلاء الذين تضامن معهم كثير من المصريين في مظاهرات دعم القضاة التي قابلها النظام حينها بعنف شديد واعتقالات واسعة وحدث فيها اعتداء على القاضي محمود حمزة فجرِ يوم الاثنين 24/4/2006م
وهذا رابط للحوار
= = = = = = =
اليوم يفجعنا خبر تحويل المستشار إلى لجنة الصلاحية والتأديب بتهمة اقتحام مبنى أمن الدولة بمدينة نصر أثناء وقائع ثورة 25 يناير، لذلك أرى أن من الواجب امتثالا لقول الله عزوجل (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) أن أدلي بشهادتي وأوثقها في هذا المقال لسببين: الأول حق المستشار الفاضل في ذلك والثاني تذكير الناس بحقائق التاريخ القريب الذي عشناه بأنفسنا ويصر أعداء ثورة يناير على تحريفه واختلاق روايات جديدة للانتقام من الثورة والثوار وتشويههم من أجل استباحة البطش بهم وقتلهم معنويا أمام الرأي العام تحت لافتات تحمل شعارات وطنية زائفة تعتبر أن ثورة يناير وما أتبعها من أحداث هو مؤامرة ينبغي عقاب من شاركوا فيها، وحتى لا أطيل على القارئ سأدلي بشهادتى في شكل أسئلة وإجابات مختصرة..
أولا: هل حدث اقتحام لمبنى أمن الدولة بمدينة نصر بالفعل؟
تصر أبواق إعلام مبارك والثورة المضادة على ترديد هذه الأكذوبة حتى يصدقها الناس، والحقيقة أنه لم يحدث اقتحام لمبنى أمن الدولة بمدينة نصر ولست أنا من يقول ذلك، بل يؤكده اللواء إسماعيل عتمان عضو المجلس العسكرى ومدير الشؤون المعنوية في هذا الفيديو الذي ينسف هذه الاكذوبة حيث يؤكد الرجل فيه عدم حدوث اقتحام للمبنى وإنما تم فتح بوابة من الداخل لدخول الناس ويشير فيه إلى أن المسؤولين عن الجهاز قاموا بفرم المستندات قبل إخلائهم المكان وقال نصا في الدقيقة الثانية: (الاقتحام مكنش اقتحام حضرتك، بوابة إلكترونية تم فتحها من الداخل ثم الناس دخلت جوا ولما دخلنا مع الناس أمنا المجموعة وسيطرنا على معظم الناس وكان هناك آثار للناس الموجودة)
رابط للفيديو الهام الذي يوضح أكذوبة الاقتحام
ثانيا: هل تم الاستيلاء على وثائق هامة من قبل المتظاهرين تخص الأمن القومي المصري؟
الحقيقة التي أكدها اللواء إسماعيل عتمان في الفيديو السابق توضح الحقيقة التي حدثت وهى أن المسؤولين عن جهاز أمن الدولة قاموا بأخذ كل المستندات الهامة ونقلها لمكان آخر وقاموا بفرم بقية المستندات وترك بعض الملفات التافهة في صورة أوراق مبعثرة على الأرض وكذلك بعض الأقراص الصلبة (هاردات) تم إتلافها وتركها على الأرض – واضح أن هذا كان مرتبا بذكاء لامتصاص الغضب وإخفاء الأدلة الحقيقية لما يمكن اعتباره جرائم للنظام سواء في قتل المتظاهرين أثناء الثورة أو جرائم 30 عاما من حكم مبارك – وأعود لما قاله اللواء عتمان نصا (حضرتك عرضتى وثيقة على الشاشة بتقول: يتم فرم الملفات ومش هكمل الباقى وحضرتك عارفاه كويس اوى ودا دليل على ان الناس – أي العاملين بالجهاز- كانت متواجدة وان الفرم بيتم بواسطتهم)، هذه رؤية المجلس العسكرى الحاكم لمصر في هذه الفترة لما حدث! فأي أكاذيب يريد أعداء ثورة يناير من الناس تصديقها اليوم وهل تتغير روايات التاريخ باختلاف الظروف والأنظمة الحاكمة؟ أم أن الرغبة في الانتقام من ثورة يناير تسول لهم اختلاق الاكاذيب لتشويه الثوار وعقابهم على الثورة؟
كيف حدث الدخول لمبنى أمن الدولة بمدينة نصر؟
عقب فتح البوابة من الداخل والذى أشار إليه اللواء عتمان بدأ دخول الناس لحديقة المبنى وكانت الشرطة العسكرية تطالب في أغلب الوقت الداخلين بإبراز بطاقات الرقم القومي بعد أن تولت تنظيم الدخول من على البوابة بينما قامت قوة أخرى من الشرطة العسكرية بتأمين المباني من الداخل ومنع دخولها واكتفت بترك الناس تتجول في بعض الأجزاء السفلية فقط من المبنى والتى كان أغلبها عبارة عن زنازين صغيرة تم إلقاء الأوراق السالف ذكرها في الطرقات بينها وبعثرتها بشكل متعمد، وقامت الشرطة العسكرية بعمل نقاط تمركز أمام المبنى لتفتيش الخارجين من المبنى وأخذ ما معهم من أوراق أو متعلقات خرجوا بها من الداخل وتم عمل عدة أكوام لتجميع أي أوراق أو متعلقات، أما ما خرج للإعلام من بعض الأوراق فقد تداوله صحفيون عبر برامج التوك شو وبعض المواقع الإخبارية وكلها أوراق بلا قيمة استخدمت للإلهاء والإشغال بعيدا عن الجرائم التي أفلت مرتكبوها.
هل اقتحم المستشار زكريا عبدالعزيز مبنى أمن الدولة أو حرض على اقتحامه؟
كما أوضحت رواية الجيش المصري للأحداث لم يكن هناك اقتحام للمبنى كما يزعم بعضهم، أما المستشار زكريا فقد كان محبوبا من الشباب وذا احترام وتقدير كبير لديهم نظرا لتاريخه الوطني ومواقفه المشرفة وتواجد أمام المبنى بعد مكالمات هاتفية تلقاها من مسؤولين وشباب كثيرين كانوا يخافون من تهور البعض فحضر الرجل ورأيته بعيني يقف أمامي بحديقة المبنى يساعد رجال الشرطة العسكرية في تحريز الأوراق والمتعلقات التي كانت مع بعض الشباب الخارجين من المبنى وسمعته ينصح الجميع بتسليم أي أوراق للشرطة العسكرية والنيابة وخطب بصوت مرتفع في الشباب قائلا لا تسمحوا لأحد بتشويه الثورة فثورتنا بيضاء قامت من أجل بناء دولة القانون ولذلك تعاونوا مع إخوانكم من رجال الجيش والنيابة في إقامة دولة القانون وتطبيق القانون على كل ظالم ومتجاوز وهذا هو نجاح الثورة ولا تسمحوا لأحد أن يندس بينكم ليخرب أو يحرق، هذه لحظة ثورية سلمية فلا تتركوا أحدا يفسد بهاءها، وبالفعل استجاب الشباب لنصيحته وتم حماية المبنى بواسطة الشباب بجوار أفراد الشرطة العسكرية في ظل تزايد أعداد الدخول التي تقدر بعشرات الآلاف من المصريين، لذلك من المؤلم والصادم أن يتم اتهام الرجل الذي كان دوره الإيجابي سببا في حماية مبانى الدولة من الضرر بأنه محرض ومخرب!
لماذا الإصرار على اختلاق قضية اقتحام أمن الدولة؟
لا يوجد دليل إدانة واحد لكل الشباب المشاركين في ثورة يناير يثبت عمالتهم المزعومة أو يثبت الاتهامات المرسلة التي تبثها أبواق الإعلام الكارهة لثورة يناير والتى تمارس النهش والطعن في كل من له علاقة بالثورة وكل من له مواقف مستقلة أو معارضة للسلطة، وكل من تم حبسهم حتى الآن من الشباب تم بقانون التظاهر المعيب المطعون فيه دستوريا والذي تحول لأداة للقهر، شباب الثورة لم يقتلوا متظاهرين ولم يزوروا انتخابات ولم يقوموا بتعذيب مواطنين ولم يحصلوا على أراض وامتيازات من الدولة ولا يوجد ما يشينهم، لذلك لا بد من اختراع أكذوبة كبرى لتجريمهم، لذلك فالإصرار على اختلاق هذه الواقعة وتصويرها كجريمة يعطى مبررا لتجريم الشباب وتصفية الحساب مع من أسقطوا نظام مبارك، لذلك لا أفهم كيف ينص الدستور الحالي على أن ثورة يناير ثورة شعبية بكل ما فيها من وقائع وأحداث ثم يترك هؤلاء الناهشين يحرفون التاريخ ويصنعون الأكاذيب من أجل الانتقام السياسي وعقاب الثوار الذين تعترف السلطة الحالية بأن ما صنعوه هو ثورة شعبية بامتياز؟ كيف يستقيم الأمر؟ ولماذا لا تأمر السلطة السياسية بايقاف هذه الحرب وإغلاق هذا الملف الذي تعلم يقينا أنه أكاذيب تجافي حقيقة الأحداث التي كانت هي جزءا منها وشريكة فيها؟
= = = = =
انتهت شهادتي في حق المستشار زكريا عبدالعزيز، وأقسم بالله العظيم أن كل حرف كتبته هو الحقيقة فيما حدث ويحاسبنى ربي إذا بدلت أو حرفت، حزين على ما آل إليه وطننا وأتعجب ممن يصرون على استعداء الجميع وتكريس الانقسام بين المصريين بدلا من الحرص على وحدة الصف وتجاوز مآسي الماضي وعلاج تبعاتها للانطلاق للمستقبل وإنهاء مسلسل الكراهية التي ستحرق نيرانها الجميع.
إلى أي مستقبل تمضي مصر إذا استمر هذا الحال؟ ما الذي ينتظره الوطن إذا لم يعلو صوت الحكمة والرشادة ليطفئ النيران المشتعلة ويزجر من يريدون إشعال مزيد من الحرائق؟ من يرفضون القطيعة مع الماضي سيغمرهم الماضي بأمواجه العاتية ومع الماضي لا مستقبل لأحد!!