أعلن الدكتور محب الرافعى، وزير التربية والتعليم، قبل أيام، موافقته على حذف أجزاء وموضوعات من كُتب اللغة العربية المقررة على جميع الصفوف الدراسية بدايةً بالصف الأول الابتدائى ونهايةً بالثالث الثانوى، وقال إن المراجعات تمت بمعرفة مركز تطوير المناهج، ورُوعى فيها حذف الوحدات الدراسية التى يمكن أن تحث على العنف أو التطرف، أو تدعم توجهات سياسية أو دينية أو أى مفاهيم يمكن أن تُستغل بشكل سيئ.. لا جدال أن هذه «المبادرة» هى عمل جيد وشجاع ومحمود، يحسب للوزير الرافعى.. غير أن هناك ملاحظة شكلية أولية تتعلق بكون هذه المراجعات قد تمت بمعرفة «مركز تطوير المناهج»، التابع للوزارة، إذ المعلوم أن سمعة هذا المركز ليست فوق مستوى الشبهات.. إذ بجانب سوابق عدة، فإن «بعض» الخبراء العاملين به غارقون فى سبوبة تأليف ومراجعة الكتب الخارجية سراً وعلانية..
ونذكر أن الدكتور أحمد زكى بدر، وزير التعليم الأسبق، تصدى عام 2010 لهذا النوع من الارتزاق الذى مارسه خبراء بالمركز علناً آنذاك، وكشف عن مهازل وقتها، وعزل مدير المركز آنذاك وعاقب العشرات منهم واستبعد آخرين.. وعليه فقد تكون بين التوصيات بالحذف ما هو مُغرض وليس بريئاً.. تسويقاً أو ترويجاً لكتب خارجية، تساير التعديلات، أو محواً لبطولات أو صفحات مضيئة من ذاكرتنا، إرضاءً للأمريكان الذين يعبثون فى نظامنا التعليمى، ويفسدون خبراءنا من باب «التمويل» أو المشروعات التعليمية.
من زاوية أخرى موضوعية.. فإن منهج الحفظ والتلقين السارى بمدارسنا، وقياس «النجاح والتفوق» بمقدار تذكر واسترجاع المحفوظات، إنما يرسخ فكرة السمع والطاعة العميانى، والإيمان بالشعوذات، والأفكار الظلامية.. بعبارة أخرى فإن محذوفات الوزير الرافعى، أو أى تغيير فى مضمون أو حجم الكتب الدراسية لن يوقف ماكينة صناعة التطرف وزرع بذوره فى نفوس أعداد كبيرة من أبنائنا بالمدارس.. فإلى جانب كثرة المعلمين المتطرفين الواجب إقصاؤهم عن وظائف التدريس.. ومع التسليم بإدانة المحذوفات.. فإن الأهم من الحذف هو تربية أبنائنا على منهج التفكير العلمى وإعمال الفكر وتنمية مهارات الفهم والاستيعاب والتطبيق، وكلها تبنى لدى «المتعلم» القدرة على الفرز والتحليل وتكوين آراء عقلانية ومنطقية، بما يعصمه من السقوط فريسة للتعصب أياً كان نوعه.. وقد فطنت لجنة كتابة دستور 2014 لهذا الأمر، وخطورة التطرف المسكون بخريجى مدارسنا.. فكان التأكيد بالمادة 19 منه على أهمية تأصيل المنهج العلمى فى التفكير للمتعلمين بمراحل التعليم قبل الجامعى.. لأن من شأن المنهج العلمى إقصاء الذاتية والتعصب، وإرساء قيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وهذه القيم هى أقوى الحصون ضد التطرف والعنف والكراهية.
من المهم صياغة رؤية لتطوير نظامنا التعليمى، تأخذ بعين الاعتبار المادة 19 بالدستور.. ففيها علاج لمشكلاتنا التعليمية، وبناءً على الرؤية المنتظرة يمكن تطوير المقررات الدراسية حذفاً أو تعديلاً أو إضافة.
نسأل الله السلامة لمصر.