نشرت صفحة «آسف يا ريس» أحدث صورة للرئيس الأسبق «مبارك» وابنه علاء، فى غرفة مستشفى المعادى العسكرى.. الغرفة لا تزيد على 2×3 متر.. تسمرتُ أمام الصورة.. وتسمرتُ أمام مبارك.. لا لكى أشمت بالمرة.. لكنى تساءلت: لو يعرف أى رئيس أنه لا يحتاج أكثر من غرفة فيها سرير، فى الدنيا، كما أنه لا يحتاج أكثر من متر× مترين وقطعة قماش، فى القبر، لعاش ملكاً للقلوب!
صحيح هناك حد أدنى لحياة أى رئيس.. وصحيح هناك رجال أعمال أغنى وأكثر ثراء من الرئيس.. لكن من المهم أن يعيش الرئيس مثل أواسط الناس.. خاصة أنه ترك كل ذلك، وعاش، فى النهاية، فى غرفة داخل مستشفى.. سواء اختار ذلك بإرادته، أو أكره عليه.. وهو درس كبير لمن يعى الدرس.. لم تنفعه القصور ولا الفيلات.. لم تنفعه أبهة الحكم ولا الفخفخة.. يعيش الآن «أفقر» من فقراء الدويقة!
لا أتحدث عن الحياة داخل القصور الرئاسية.. أتحدث عن ثروات الرؤساء والمسؤولين.. أتحدث عن ثروات رجال الأعمال ومحاسيب الرئيس.. أتحدث عن الحياة الخاصة للرئيس نفسها.. للأسف حياة مبارك كانت استثناء.. اختلط عنده العام بالخاص.. لا كان يصدق أنه راحل.. ولا كانت السيدة حرمه تتصور هذه النهاية.. فما بالك بالأولاد والأصهار والأنساب.. باعوا واشتروا جميعاً فى مصر وشعبها!
فى الصورة التى نشرتها صفحة «آسف يا ريس» يظهر علاء.. هناك أيضاً أحد المواطنين قيل إنه صديق الأسرة.. ربما.. لكن لاحظ أن علاء يحتضنه.. كان جمال، قبل أيام، يصور أنصار الرئيس الأسبق، فى ذكرى استرداد طابا.. يكاد يظهر وجهه.. هذا جمال وهذا علاء.. هذا هو الزمان.. تخيلوا الفارق الآن، وقبل سنوات من الثورة.. بل قبل أيام.. الدنيا غدارة ودوارة، لمن لا يعرف حدود مهمته فقط!
فى ذكرى طابا كان مبارك «يتلقف» على من ينظر إليه، ويهتف باسمه.. درس لأى رئيس.. ينبغى أن يكون طبيعياً.. ينبغى أن يكون مواطناً بدرجة رئيس، أو رئيساً بدرجة مواطن.. لا ينسى أنه مواطن.. ذات يوم سيحتاج إلى دفء المواطنين.. هكذا كان رئيس الأوروجواى.. أفقر رئيس جمهورية.. راح يجمع الفقراء من الشوارع، ويأخذهم إلى قصر الرئاسة.. لا هو عمر بن الخطاب، ولا أبوبكر الصديق!
مازلت أتذكر «دا سيلفا» الرئيس البرازيلى.. دخل قصر الرئاسة فقيراً، وخرج منه فقيراً.. لكنه ترك دولة غنية.. الاحتياطى 200 مليار دولار.. كانت على شفا الإفلاس.. لم يتقدم أحد له حيثية للرئاسة.. تركوها لـ«دا سيلفا».. قالوا «يا صابت يا اتنين عور».. نجح فى نقل الدولة إلى مصاف الاقتصاديات الكبرى.. وعندما انتهت مدته الأولى جددوا له وانتخبوه.. فلما انتهت الرئاسة الثانية ودعوه بالدموع!
مبارك لم يخن مصر.. لم نقل هذا.. لكنه تركها فقيرة تتسول.. بينما فيها رجال أعمال يملكون أكثر من الدولة نفسها.. «مصر العظيمة تشحت».. والآن يعيش فى غرفة تشبه المقبرة.. لا يعيش فى قصور ولا فيلات.. ولا حتى يستطيع.. ليته كان يعرف هذا المصير.. ثم يقولون «آسف يا ريس».. فمتى يأسف «مبارك»؟!