لعلّها مصادفةٌ. لكنّ الشعراءَ عارفون بأن لا مصادفةَ ثمّة تحت قبّة السماء. كلُّ مفردات الكون تتآمر، وتتآلفُ، وتتعاون من أجل حدوث كل حدث مما قد نراه مصادفاتٍ غيرَ مرتّبة. لهذا فأنا أوقن أن المؤتمر الاقتصادى بمدينة شرم الشيخ كان الوردة التى أعدّها، وأحسنَ تنسيقها المواطنُ المصرى عبدالفتاح السيسى، ليُهديها إلى أمّه وأمّنا وأم الدنيا: مصر. الأم الصابرة التى عذّبناها كثيرًا، وأبدًا ما عنّفتنا يومًا، ولا غضبت علينا، ولا حتى عاتبتنا على ما صنعنا بها حين قصّرنا بحقّها، فأهملنا التعليم والتصنيع والبحث العلمى، وجرّفنا أخضرها، ولوّثنا هواءها وأرضها، وأخفقنا فى احترام أطفالها ومعوّقيها ومُسنّيها ونسائها وحيوانها وطيرها وأشجارها وعمارتها وتراثها وآثارها، مثلما أخفقنا فى تقدير حضارتها العظيمة وتاريخها الخالد الذى احترمه كلُّ العالم، إلا أبناءها!
كانت مصرُ مُطرقةً حزينة بعدما فشل أبناؤها، على مدى عقود مضت، فى الحفاظ على إرثها الفريد الذى شيّده سلفُنا الصالح، حتى غدت درّة العالم ومهد حضارته وحاضنة الأنبياء. سقطت سقطات معلومات فى منتصف الخمسينيات الماضية، ثم فى منتصف السبعينيات، ولم تمتد يدُ أبنائها المصريين لانتشالها من الويل الذى جعل منها دولة نامية فى ذيل موكب الدول التى وثبت نحو النور والتحضر، وكانت حتى الأمس القريب تنظر إلى مصر فى إكبار وتشوّف تتعلّم منها الديمقراطية والتحضّر والترقّى والفنون الرفيعة والعمارة والأزياء والجمال.
لكن إرادة الله الطيبة شاءت أن تستردّ مصرُ مكانتها التى تليق بها، فكتب لها حاكمًا وطنيًّا جسورًا، جاء بعد ثورتين هائلتين أتيتا على الأخضر واليابس، آمن بمكانة بلاده وإمكانيات شعبها، فقرر الوثب نحو النور. واحترم العالمُ قرارَه فتوافد الملوك والرؤساء العرب والأفارقة والغربيون ليكونوا شاهدين على لحظة انطلاقها، وينالوا شرف المشاركة فيها.
كما نفعل جميعًا قبل عيد الأم، يجتمع الأبناء، ويتهامسون حول الهدية التى سيتشاركون فيها لإهدائها للأم، اجتمع الأبناءُ الكبار، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والرئيس عبدالفتاح السيسى، وجاءت الفكرة على لسان الابن الأكبر: مؤتمر عالمى لدعم الاقتصاد المصرى الذى تهالك بعد الثورة. وبدأ العملُ فورًا لتنسيق الهدية للأم الجميلة، وفُتحت أغلفتُها قبل أيام من عيد الأم، ورفعت الأمُ مصرُ رأسها من إطراقتها، وابتسمت، وملأ الفرحُ قلوب كل أبنائها فى شتى بقاع الأرض. فلا تصدقوا أن رحيل الملك السعودى عن عالمنا منع فرحته بنهضة مصر الوشيكة، فأكاد أراه يبتسمُ معنا، ويقول: طوبى لك يا مصرُ، فأنت تستحقين الفرح.
كلُّ سنة وأنت جميلةٌ يا مصرُ، رافعةُ الرأس ناهضةُ القدّ شاهقةُ الجبين. وكل سنة وكل أم مصرية تُحسن تربية أبنائها وتثقيفهم لكى يكون مستحقين شرف أن يكونوا مصريين. وكل سنة وأنت طيب أيها الزعيم الوطنى عبدالفتاح السيسى الذى أعاد لمصر مكانتها بين دول العالم. وكل سنة والطيبون من الناس طيبون.