أثار مقطع الفيديو الذي بثّه تنظيم «داعش» الإرهابي قبل أيام لتنفيذ عملية إعدام شاب فلسطيني بواسطة طفل لم يتجاوز عمره الـ11 ربيعًا، التساؤلات حول دور الأطفال في التنظيمات الإرهابية، ومخاطر ما يُعرف بظاهرة «الجنود الأطفال» على مستقبل المنطقة بأثرها.
إعلان «داعش» تخريج أول كتيبة أطفال إرهابية تحت مسمى «أشبال التوحيد»، تضم أطفالًا تتراوح أعمارهم بين 12 و13 عامًا، تم تدريبهم على استخدام السلاح وتنفيذ عمليات انتحارية بهدف استخدامهم في المواجهات القتالية، بالمخالفة لكل المبادئ الإنسانية المتعارف عليها وفقًا للاتفاقية الدولية للأمم المتحدة لحقوق الطفل والبروتوكول الاختياري حول مناهضة مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة.
أدت الصراعات المسلحة التي تعيشها بعض دول الإقليم، خصوصًا ليبيا وسوريا والعراق واليمن، إلى تنامي ظاهرة «الجنود الأطفال»، وذلك لسهولة تحويل الأطفال إلى جنود بسبب انخفاض تكلفة تجنيد الأطفال مقارنة بالكبار، وتغير طبيعة الصراعات المسلحة والتقدم التقني في صناعة الأسلحة التي يسهل استخدامها، حيث إن بعض التنظيمات المسلحة والجيوش تلجأ لتجنيد الأطفال حين يقل عدد الجنود في بعض الجيوش بسبب زيادة الإصابات، أو بسبب الأوبئة، وأحياناً لعدم استجابة الكبار لمنظمات لا يؤمنون بضرورة الانضمام لها، كما أن بعض الجيوش ذات التوجه الديني أو الطائفي أو القبلي أو العرقي تستخدم الأطفال كدروع بشرية.
«الجندي الطفل» هو كل شخص دون الثامنة عشر من العمر، يشارك مباشرة أو بطريقة غير مباشرة في صراع مسلح، سواء كان ذلك ضمن قوات مسلحة نظامية أو مجموعة من المقاتلين، وبينما يستخدم بعضهم في الأعمال القتالية المباشرة، يقوم آخرون بأعمال معاونة كالحراسات وأعمال المراقبة، التجسس وجمع المعلومات، حمل الرسائل، نزع الألغام، والخدمات اللوجستية، أو استخدامهم كأداة من أدوات التكتيكات الحربية كإرباك جيش العدو الذي قد يتردد في مواجهة أطفال أو تأخير الهزيمة بتوفير مساحة من الوقت يجري خلالها إعداد الجيش النظامي، وهذا التكتيك استخدمه الإثيوبيون في مواجهة القوات الإريترية عام 1998.
أسباب تفاقم الظاهرة
تتنوع أسباب تفاقم ظاهرة الجنود الأطفال في إقليم الشرق الأوسط بين سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، أبرزها اندلاع الحروب والصراعات المسلحة التي تتطلب تجنيد وتعبئة مقاتلين باستمرار، وارتفاع معدلات الفقر والأمراض التي تدفع الأسر للموافقة على تجنيد أطفالها لضمان وجبات الطعام التي لم تستطع الأسرة توفيرها، لأن الطفل، وإن كان معرضاً للقتل، إلا أنه يلقى العناية والمأوى الذي كان يفتقده، ويشكل هؤلاء للجماعات غير النظامية والإرهابية فرصة للخطف والتجنيد إجبارياً، وبعض هؤلاء يتطوعون تلقائياً لحماية أنفسهم وأهليهم من العنف والفوضى التي تسود مجتمعاتهم، بينما يجد الأكبر سناً من الأطفال في هذه الجماعات المتطرفة ما يعبر عن أيديولوجية قد ينساقون إليها بفهم أو دون فهم، خصوصًا إن كان الطفل ينتمي للعائلات المعروفة بالتوجه الديني المتشدد، التي تربيه على الفكر الجهادي، بالإضافة إلى إقبال بعض الأطفال طواعية للانضمام إلى التنظيمات المسلحة للثأر لذويهم الذين قتلوا بواسطة القوى المُعادية، فضلًا عن التجنيد الإجباري لأطفال الشوارع واليتامى، وهو الأسلوب الذي تتبعه بعض التنظيمات المرتبطة بتنظيم القاعدة كجبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» في معسكر «أشبال الخلافة» في دير الزور، ومخيم «أشبال الزرقاوي» بمنطقة غوطة دمشق الواقعة بريف دمشق، فيما تقيم جبهة النصرة بدورها مخيمات جهادية، مثل مخيم «أشبال جبهة النصرة» في غوطة دمشق الشرقية، بالإضافة إلى تجنيد أبناء المقاتلين العرب والأجانب القادمين لـ«الجهاد في سوريا».
كما أدت سيطرة بعض التنظيمات الجهادية على المدارس سوريا وليبيا إلى استبدال الدروس العلمية بالقتالية والأفكار التكفيرية، مما دفع العديد من التلاميذ للانخراط في الأعمال المسلحة وتخريج دفعات من الجنود الأطفال الذين يفضلون الانضمام لصفوف هذه التنظيمات عن التعليم، كما أدى إغلاق المدارس وترك الأطفال من دون أي بدائل نتيجة للحرب، جعل التحاقهم بأي من الجماعات المسلحة اقتناعًا منهم أن يكونوا جنودًا أفضل من أن يكونوا مُشرّدين، حيث يتقاضى الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 14 سنة رواتب شهرية تتراوح بين 4000 و8000 ليرة سورية، بينما تُفيد تقارير تفصيلية بأن الأطفال الذين يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) يتقاضون الأجور نفسها التي يتقاضاها البالغون (35000 ليرة سورية، أي نحو 200 دولار أمريكي).
لا يقتصر تجنيد الأطفال فقط على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بل يتخطاه إلى مخيمات اللاجئين في دول الجوار كالأردن ولبنان وتركيا، حيث تم رصد استغلال الأوضاع المعيشية الصعبة للكثير من العائلات، وإغراؤهم بالمال لقبولهم إرسال أطفالهم لـ«الجهاد».
وتجدر الإشارة إلى أن التنظيمات الموالية للقاعدة ليست الوحيدة التي تستغل الأطفال في الحرب السورية، فالنظام يستغلهم أيضًا من خلال ما يُعرف بـ«اتحاد شبيبة الثورة»، وهي مجموعات موالية للنظام تضم آلاف الأطفال، تحت ذريعة غرس الروح الوطنية والقيام بالفعاليات الشبابية والكشفية إلا أنهم يُستغَلون خلال الحرب الدائرة أيضًا.
وثقافيًا، فإن رغبة الأطفال في الإقبال على الانضمام للجماعات المسلحة رسّختها عادات وتقاليد مجتمعية وقبلية، حيث يعتبر الانضمام إلى صفوف القوات المقاتلة من مقومات الرجولة، كما هو الحال في ليبيا واليمن، فضلًا عن أن القتال في صفوف التنظيمات المسلحة يُدر دخلًا ماديًا كبيرًا للطفل مقارنة بالوظائف الأخرى.
وفي اليمن، رصد تقرير للأمم المتحدة تجنيد الأطفال في صفوف الجيش والجماعات القبلية المسلحة ومن جانب جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة، وأيضاً من قبل القوات التي يقودها أقارب الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
قنبلة موقوتة
تكمن خطورة ظاهرة تجنيد الأطفال في أن كثيراً من الأطفال بعد أن ينخرطوا في العمل العسكري لا يتركونه، خاصة أن بعضهم يدمن المخدرات، كما أن بعضهم يرتبط مع رفاقهم بنوع من الزمالة، يضاف لهذا عامل الخوف، لأن الهروب إذا فشل يُعرّض صاحبه للإعدام.
وتؤكد الدراسات العلمية أن تجنيد الأطفال خلال الأعمال الحربية له تأثيرات مدمرة على نفسية الطفل خلال مرحلة طفولته ونشأته، حيث «ينمو هذا الطفل على مبدأ العنف والقوة بالإضافة إلى الخوف المكتوم في داخله والذي قد ينفجر بأي وقت بعد ابتعاده نسبيًا عن أماكن القتال»، وهو ما يُنذر بميلاد جيل من المجرمين خارج أوقات الحرب، سيكون شديد الخطورة ليس فقط على البلدان التي تشهد صراعات مسلحة، إنما على البلدان المحيطة بها أيضًا، لأنه سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الجريمة بكل أنواعها في هذه البلدان، خصوصًا بعد تلقيهم التدريبات اللازمة لاستخدام السلاح.
ويمكن الإشارة إلى أن معظم المقاتلين في صفوف التنظيمات الإرهابية التي تعاني منها دول المنطقة حاليًا كانوا نتاجًا لتجنيد الأطفال بواسطة تنظيم القاعدة قبل عشرة أعوام من الآن تحت مسمى «طيور الجنة»، وكانت عبارة عن مجموعات من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و17 عامًا، يتم استخدامهم من قبل القاعدة بشتى الأعمال، خصوصًا جمع المعلومات ونقلها ونقل الأموال والذخائر والأسلحة وأعمال المراقبة، وصولًا إلى الهجمات الانتحارية في مناطق متفرقة من العراق، وباكستان وأفغانستان، وهو ما يشير إلى تفريخ أجيال جديدة من الإرهابيين خلال العقود القادمة نتيجة لتجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة الدائرة في دول المنطقة والذي سينعكس بدوره على أمن الإقليم مستقبلًا، خصوصًا أن الأمر لم يقتصر على تجنيد الأطفال الذكور، لكنه امتدّ لتجنيد الفتيات دون سن الـ18 وبالتالي تربية أطفالهن على الأفكار المتطرفة والولاء للتنظيمات الإرهابية لضمان الاستمرارية، وهو ما حدث بالفعل في العراق، حيث شجّع تنظيم القاعدة أرامل الانتحاريين ومقاتلي التنظيم على تربية جيل جديد «شديد الولاء للقاعدة».
تدابير الأزمة
هناك عدد من الاتفاقيات الدولية تحظر تجنيد واستخدام الأطفال في الصراعات المسلحة، حيث إن تجنيد الأطفال يندرج تحت باب جرائم الحرب، حسب القانون الدولي الذي يعرّفه بأنه الحالة التي يحمل فيها أي طفل دون الـ18 من العمر السلاح خلال النزاعات المسلحة، ولكن هذه الاتفاقيات والمواثيق الدولية لا تجد استجابة.
ويتعين على الأمم المتحدة إصدار تشريعات ومعاهدات دولية لإلزام الدول باتخاذ تدابير حازمة لوقف تنامي هذه الظاهرة والعمل على مكافحتها وتجريم كل التنظيمات التي تجند الأطفال دون سن الـ18 عامًا.
أيضا تبرز أهمية التنسيق بين دول الإقليم لتكثيف الإجراءات الأمنية لمنع وصول الأطفال والفتيات إلى مناطق الصراعات المسلحة وتشديد الحماية على مخيمات اللاجئين للحيلولة دون اختطاف الأطفال منها وتجنيدهم.
كما ينبغي على الحكومات الوطنية العمل على إيجاد تدابير عملية لتسريح وإعادة تأهيل وإدماج الأطفال المجندين، ودعوة منظمات المجتمع المدني وهيئات التوعية لتدشين حملات تسريح الأطفال المجندين والعمل على إعادة دمجهم في المجتمع، وهنا تأتي أهمية المنظمات والمراكز الإسلامية والمرجعيات الدينية، وأبرزها الأزهر، في حملات التوعية لشرح المفاهيم الصحيحة للإسلام ومحاصرة الأفكار المتطرفة التي تعتبر العامل الرئيسي في تجنيد الأطفال.
*كاتب المقال: باحث سياسي في معهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة.