أردوجان.. ماذا تفعل يا رجل؟

د. ياسر عبد العزيز السبت 21-03-2015 21:23

كانت لدى الرئيس التركى أردوجان فرصة كبيرة لكى يبرهن على قدرة دولة من دول العالم الإسلامى على بناء نظام علمانى ديمقراطى، وتحقيق درجة من النمو المستدام، فى ظل سلام وانفتاح اجتماعيين، لا يتجاهلان القيم الأصيلة، ولا يطمسان الهوية الوطنية.

إن أردوجان يضيع هذه الفرصة من خلال سلوك سياسى حاد وغير متزن، بات محل نقد واعتراض كثيرين داخل تركيا وخارجها.

فى الشهور القليلة التى تلت فوزه بمنصب الرئاسة، اتخذ سلوك أردوجان منحى شديد الحدة، لدرجة أن كثيراً من المحللين بات يربط بينه وبين السعى إلى بناء حكم ديكتاتورى.

ثمة ثلاثة انتقادات رئيسية يمكن أن توجه إلى أردوجان اليوم، من دون قدرة كافية على دحضها، أولها هجماته الشرسة على معارضيه ونقاده بما يحد من حرية الرأى والتعبير، وثانيها تغوله على السلطة من دون سند دستورى واضح وصريح، وثالثها أداؤه السياسى المعيب والخشن والمتعجرف، ومحاولته إعادة إنتاج قيم العصور السلطانية فى جوانبها الشكلية والاستعراضية.

سيُدهش كثيرون من أنصار أردوجان حينما يعلمون أن هذا الزعيم الذى وصل إلى سدة الحكم عبر انتخابات ديمقراطية يضطهد صحفيين وإعلاميين، ويحارب بعض وسائل الإعلام، ويستخدم أدوات خشنة ضد حرية الرأى والتعبير، إلى حد تحويله بلده إلى «أكبر سجن للصحفيين فى العالم»، وفق ما قالت منظمات دولية معتبرة عديدة.

لقد فتح القضاء التركى أكثر من 80 ملفاً استناداً إلى المادة 299 من القانون الجنائى التركى، وهى المادة التى تجرم «إهانة الرئيس»، والتى أعاد أردوجان إحياءها ويستخدمها على نطاق واسع.

من بين تلك الملفات تظهر بعض الحالات التى تثير الكثير من الدهشة والاستياء، إذ يواجه طالب مدرسة عمره لا يتجاوز 16 عاماً عقوبة السجن لمدة أربع سنوات وفق نص المادة 299، بعدما ألقت الشرطة القبض عليه، بتهمة إهانة الرئيس، لكتابته عبارات تطعن فى ذمة أردوجان على خلفية اتهامات طالته، وبعض أفراد أسرته وإدارته، بالفساد.

ليس هذا فقط لكن ملكة جمال تركيا السابقة «مروة بويوكسراتش»، والبالغة من العمر نحو 25 عاماً تواجه بدورها احتمالات السجن، بعدما تم حجزها لفترة قصيرة، لأنها «نشرت على حسابها الشخصى بموقع (تويتر) كلمات اُعتبرت سخرية من أردوجان واتهاماً له باللصوصية».

تتراجع حرية الرأى والتعبير فى ظل رئاسة أردوجان بإطراد، لدرجة أن «سيبلا أرتشان»، المسؤولة عن الجمعية التركية لحقوق الإنسان رأت أن «الفترة التى تمر بها تركيا راهناً تعد الأسوأ على صعيد حرية الرأى والتعبير على مدى نحو عقدين».

إن أردوجان الذى أغلق «تويتر»، و«يوتيوب»، وهدد بإغلاق «فيسبوك»، وهاجم وسائل إعلام بعينها، وسعى إلى تقويض قدرتها على الاستمرار فى الصدور، بات أحد أعداء حرية الرأى والتعبير بامتياز، وهو أمر أضحى موضع انتقاد الكثير من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والديمقراطية والحكم الرشيد.

لا يجادل أحد فى أن أردوجان استطاع، خلال ثلاث ولايات متتابعة فى منصب رئيس الوزراء، أن ينقل تركيا نقلة حقيقية إلى الأمام، لكنه أخذ يبدد رصيده السياسى، بعدما ظهرت نزعاته الديكتاتورية، وتفاقمت ممارساته الحادة والمختلة.

خلال الأسبوع الماضى كان أردوجان يواجه الاتهامات الأرمينية بسوء إدارته لملف «مذابح الأرمن»، وتعنته وافتئاته على الحقيقة، وكانت سلطات الأمن التابعة له تعتقل 10 طلاب فى مدينة «أزمير» بتهم إهانته والنيل من كرامته، وكان قضاؤه يصدر حكماً بالسجن على طالبة مدرسة تبلغ من العمر 15 عاماً لأنها قالت: «أردوجان حرامى»، بينما كانت حكومته تستعد لإصدار تشريع يتيح للوزراء إغلاق مواقع على شبكة «الإنترنت».

إن أردوجان الغارق فى هذا الفساد والارتباك والخطل، والمتورط فى كل تلك الانتهاكات الحقوقية يهاجم مصر ويندد بملفها الحقوقى فى الأمم المتحدة.

هذا الرجل يرتكب أخطاء كبيرة، وستكون تداعياتها وخيمة على مستقبله وعلى سمعة بلاده.