بعد شرم الشيخ.. لا بد من مؤتمر اجتماعى!

سعد الدين ابراهيم الجمعة 20-03-2015 20:44

إن النجاح الكبير للمؤتمر الاقتصادى في شرم الشيخ (13-15 مارس 2015)، هو أيضاً نجاح كبير للرئيس عبدالفتاح السيسى، ولرئيس وزرائه المهندس إبراهيم محلب، ولكل مؤسسات الدولة المصرية العريقة. وكانت لفتة أصيلة، أن شارك ثلاثة وزراء الداخلية منهم اثنين سابقين مع وزير الداخلية الحالى اللواء مجدى عبدالغفار، في الإشراف والتنسيق على المنظومة الأمنية التي صاحبت سيمفونية المؤتمر.

وقد انبهر المشاركون في المؤتمر بما انطوى عليه من نظام وانضباط، وكذلك بجمال مدينة شرم الشيخ التي أصبحت بحق عروس سيناء، إن لم تكن عروساً للبحر الأحمر كله.

وقد فاض كرم مَن شاركوا في المؤتمر بالمليارات التي وعدوا بها كاستثمارات في مصر، أو كمنح لحكومتها، أو كإيداعات في بنكها المركزى، ومنهم المستثمرون المصريون أنفسهم، وفى مقدمتهم آل ساويرس. وكما يقول لنا خُبراء التنمية، فإن أي استثمارات أجنبية لا تأتى، ولا تثمر إلا في ذيل الاستثمارات المحلية. فأهل مكة أدرى بشعابها. وحين يستثمر أبناء البلد، مهما كان حجم ما يستثمرونه، فإنه مؤشر للثقة يجعل المستثمرين الأجانب يطمئنون على المُخاطرة بأموالهم. لذلك حسناً، بادر إخوان ساويرس بإعلان استثمار خمسمائة مليون دولار أخرى في مشاريع تنموية أثناء المؤتمر، إلى جانب استثماراتهم السابقة في اقتصاد وطنهم، والتى تُقدر بالمليارات.

ولكن يبقى السؤال: وماذا بعد مؤتمر شرم الشيخ؟ هل ستكون البيروقراطية المصرية العتيدة على مستوى الحدث، أم ستكون أكثر وفاءً لتقاليدها المُزمنة، في تعطيل (المراكب السائرة)؟ ثم أين الشعب المصرى في كل هذه المُظاهرة المُبهرة وتداعياتها؟

وعلى سبيل المثال تساءل المؤرخ المصرى النابه خالد فهمى في أعقاب إعلان الرئيس السيسى عن إنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر على الطريق الدولى بين القاهرة والسويس، هل أخذ السيسى رأى شعبه أو مُمثلى هذا الشعب في ذلك؟ وكيف يتجاهل الرئيس، في غمرة حماسه، أن هناك نصاً دستورياً (المادة 185) يقول منطوقه صراحة إن مدينة القاهرة هي عاصمة جمهورية مصر العربية؟

والأمر هنا لا يتعلق بوجاهة أو حكمة اقتراح إنشاء عاصمة جديدة.. فهذا الكاتب (سعد الدين إبراهيم) طالب بذلك في إحدى دراساته المنشورة، بنقل العاصمة إلى موقع آخر. وكان ذلك منذ أربعة وأربعين عاماً. ولكن الأمر يتعلق بضرورة احترام رئيس الدولة للدستور الذي يحكم بمقتضاه. وليس هذا حذلقة من المؤرخ خالد فهمى، بقدر ما هو تنبيه مُبكر لأهمية أن يكون رئيس الجمهورية قدوة لبقية المواطنين، في احترام وطاعة القانون، حيث إن الدستور هو أبوكل القوانين!

وفى رأينا أن آفة الأحلام والمشروعات الطموحة هي انعدام أو ضعف المُتابعة، وهى الآفة التي جعلت الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، يشكو من البيروقراطية، ودفعته وهو بصدد تنفيذ المشروع العملاق للسد العالى أن يستحدث وزارة جديدة، مُتحررة من كل القواعد واللوائح الحكومية التي كانت مُعتادة في ستينيات القرن العشرين، والتى كان بعضها يعود إلى القرن السادس عشر!

إن التشريع والرقابة على السُلطة التنفيذية (أو الحكومة) هما الوظيفتان الأساسيتان للبرلمان. ومن ذلك مُتابعة تنفيذ المشروعات التي جرى الحديث عنها، والترويج لها، في المؤتمر الاقتصادى في شرم الشيخ.

لقد اقترح الرئيس السيسى أن يكون انعقاد المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ حدثاً سنوياً. أي أن شرم الشيخ، تصبح رمزاً للتنمية، ومهرجاناً سنوياً للمستثمرين. وذلك مثلاً على غرار مؤتمر دافوس في سويسرا، خاصة أن شرم الشيخ لا تقل جمالاً عن دافوس، بل تتفوق عليها بشمسها ودفئها.

وكان لرئيس الوزراء، المهندس إبراهيم محلب، اقتراح عرضه على نقابة الاجتماعيين المصريين، وهو أن يكون هناك مؤتمر اجتماعى مواز للمؤتمر الاقتصادى، وهو الأمر الذي يقترب كثيراً من روح تعليق المؤرخ خالد فهمى ـ الذي تساءل: أين الشعب المصرى من كل هذا الضجيج الاحتفالى والصخب الإعلامى؟ وبتعبير آخر، إذا كان المؤتمر الاقتصادى في شرم الشيخ قد استجاب، أو وعد بالاستجابة، لمطالب المستثمرين المحليين والأجانب، بتغيير القوانين وسُرعة المُعاملات، والتى يضرب المثال فيها بسنغافورة، حيث تتم الموافقة على أي مشروع استثمارى، سواء كان إنتاجياً أو خدمياً، من خلال نافذة أو شباك واحد، في أقل من اثنتى عشرة (12) ساعة، أي أن المستثمر الأجنبى يستطيع الانتهاء من مهمة الترخيص لمشروعه، دون أن يقضى حتى ليلة واحدة في سنغافورة، رغم روعة مطارها، وفخامة فنادقها!

وقد حاولت الدولة المصرية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، أن تجعل من بورسعيد، منطقة حُرة، بنفس تسهيلات وسُرعة وكفاءة سنغافورة، إلا أن البيروقراطية المصرية، سرعان ما استعادت مكرها وجبروتها، وخنقت روح المدينة الحُرة في بورسعيد. ولم يعد أحد يذكر أو حتى يتذكر أن بورسعيد كانت منطقة حُرة. وحدث شىء مُشابه مع منطقة برج العرب، بين الإسكندرية ومرسى مطروح. فبعد بداية واعدة، حدث لبرج العرب مثلما حدث لبورسعيد، وأجهضت المُحاولة في مهدها.

وكأن البيروقراطية المصرية، مثلها مثل ما وصف به القرآن الكريم الملوك، إذا دخلوا قرية أفسدوها.

وهنا لا بد أن يستدعى السيسى ومحلب أمثال الدكتور صبرى الشبراوى، ود. خالد فهمى، وغيرهما من خُبراء الإدارة والتاريخ، لكى يبتكروا لنا أنظمة إدارية شبيهة بسنغافورة، وماليزيا، وهونج كونج، في السُرعة والكفاءة والأمانة.

أما رجال الأعمال المصريين، فعليهم أن يُتابعوا تنفيذ التوصيات والمشروعات التي تم عرضها في المؤتمر الأول لشرم الشيخ، وذلك في المؤتمر الثانى. وحبذا لو أخذوا هم المُبادرة، دون انتظار الرئيس السيسى أو المهندس إبراهيم محلب. وفقط يتم دعوة الرجلين وغيرهما من المسؤولين لافتتاح المؤتمر القادم أو المُشاركة في جلساته. ولنتذكر جميعاً أن مؤتمر دافوس الشهير في سويسرا، بدأه شخص واحد، هو كلاوس شواب (Klaus Schwab) وحضره في سنته الأولى مائة شخص، ولكن في سنته العشرين حضره أكثر من مائة ألف شخص. وللعلم، فإن الذين يحضرون، ويُشاركون، لا فقط يتحملون نفقات سفرهم وإقامتهم في دافوس، ولكنهم يؤدون أيضاً رسوم اشتراك في المؤتمر، إلا إذا كانوا مدعوين للحديث، مثل العبدالفقير لله (سعد الدين إبراهيم) الذي شارك في ثلاث دورات، خلال السنوات العشرين الماضية.

وحبذا، أكثر وأكثر، أن يستعد كل من رجال وسيدات الأعمال المصريين والمصريات بدراسات جدوى لمشروعات، يُساهمون هم فيها بجزء لا يقل عن ثلث رأس المال المطلوب، ويعرضون ثلثى رأس المال الباقيين على شركاء عرب وأجانب، للاكتتاب فيهما.

فمثل هذه الشراكة المُثلثة، تكون بمثابة بوليصة أمان وتأمين، للخبرة وللتكنولوجيا الحديثة المطلوبتين للنجاح في الأجل القريب، وللازدهار في الأجل الطويل.

فمبروك لمصر نجاح مؤتمر شرم الشيخ الأول، وعقبال مؤتمر شرم الشيخ الثانى بنجاح مُماثل أو حتى بنجاح أكبر.

وعلى الله قصد السبيل.

semibrahim@gmail.com