يا عوازل فلفلوا..!

عاصم حنفي الثلاثاء 17-03-2015 21:43

من عجائب الدنيا الفانية عندنا.. أن ابن البيه يشتغل باشا فور تخرجه.. والراتب بالشىء الفلانى. فى حين أن زميله ابن البواب يلتحق بالعمل فى مهنة الوالد.. مع أنه خريج نفس الدفعة.. لكنها الحظوظ والمزاجات.. وقد قامت ثورة يوليو لتقريب الفوارق بين الطبقات.. ورأينا القاضى والدكتور من أبناء الفلاحين والعمال.. لكن نظام حسنى مبارك باعد بينها من جديد.. وعندنا الآن خريج جامعة بتقدير مقبول يعمل بالأخضر الأمريكانى فى البورصة وشركات البترول.. وزميله المتفوق والأشطر لا يعمل أبداً.. وإن عمل فهو يسوق الميكروباص أو يدهن دوكو ويلزق سيراميك لزوم شقة البيه والباشا..!

المشكلة عندنا أننا توسعنا كثيراً فى جامعات الخواجة.. الجامعة الأمريكية والألمانية والكندية وغيرها.. هى جامعات للأغنياء والصفوة تخرج شباباً جاهزين للعمل فى المواقع المميزة وبفلوس كثيرة تباعد بينهم وبين المجتمع.. ولعلها فرصة أن نعيد النظر فى نظام التعليم عندنا.. لينافس جامعات الخواجة.. وحتى يتسنى لخريجينا العمل بحق وحقيقى.

أقول قولى هذا بمناسبة مؤتمر شرم الشيخ الناجح اقتصادياً وسياسياً بكل المقاييس.. والنجاح ليس فقط فى جلب المليارات.. وإنما ما يهمنى هو تهيئة مناخ الاستثمار.. يعنى خلق فرص جديدة للعمل.. أسأل الله أن تستغلها الدولة بما يرضى الله والوطن والضمير.

لا أطالب الدولة بتعيين الخريجين - لا سمح الله.. لكنى أطالبها بأن ترفع يدها تماماً.. وأن تترك السوق للعرض والطلب.. والخريج الشاطر سوف يجد عملاً محترماً.. والخريج البليد سوف يجلس فى بيته يقشر بصلاً ويقمع بامية..!!

الدول العاقلة لا تتدخل لتعيين الخريجين.. هذا ليس دور الدولة.. على العكس تماماً.. الدول الآن تتخلص من عمالتها.. فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا.. تتبنى برامج صريحة للتخلص من العمالة الحكومية.. بريطانيا لم تجرؤ على هذه الخطوة.. خوفاً من نقابات العمال القوية وصاحبة الصوت العالى هناك.. والقادرة على تنظيم الإضرابات التى تقصم ظهر الحكومة.. وأقصد أن خفض العمالة الحكومية اتجاه طيب إذا كان فى صالح الاقتصاد.. وبشرط أن توفر الدولة والقطاع الخاص والاستثمارى فرصاً أخرى لتوظيف العمالة- فرصاً متساوية أمام الجميع.. وأعتقد أن هذا هو دور المؤتمرات الاقتصادية لجذب المستثمرين.. الدولة تشجع وتسهل افتتاح المصانع والمزارع والمشروعات الإنتاجية الجديدة، التى تستوعب أعداداً كبيرة من العاملين، وإدارة العمل تختار دون ضغوط حكومية.. تختار الأصلح والأفضل للشغل والإنتاج.. تختار ما يفيد مواقع الشغل ويضاعف أرباحها.

فى تقديرى أن مؤتمر شرم الشيخ الأخير جاء ليفتح فرص المستقبل أمام الشباب على وجه الخصوص.. ينقذهم من البطالة المكتوبة عليهم.. البطالة خطر داهم وغول حقيقى يهدد استقرار المجتمع.. هى السبب فى الجرائم.. الجرائم الجنائية وجرائم التطرف.. ولا تصدق أبداً ما يقولون عن أرقام البطالة الرسمية.. هى أرقام للاستهلاك المحلى.. حاجة كده لزوم إرضاء الإحصائيات.. والبيانات الرسمية.. فيقولون إن البطالة بين الشباب لا تزيد على عشرة فى المائة.. بما يعنى أن هناك عاطلاً واحداً بين كل عشرة خريجين.. وانظر حولك.. أحصِ أعداد المتعطلين بين شباب العائلة والجيران والأقارب.. والنسبة تقفز إلى ما فوق الخمسين فى المائة.. من خريجى الجامعات والمعاهد الحكومية بالذات.. وهو ما يجعلنى متفائلاً بالمؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ.. المؤتمر جاء فى موعده تماماً لإصلاح الأحوال.. وتصحيح الحال المائل.. وعلى رأى فريد الأطرش.. يا عوازل فلفلوا..!

وفى جميع دول العالم.. وقبل تنفيذ المشروعات الضخمة والعملاقة.. يفتتحون المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز التأهيل والتدريب.. لزوم تخريج العمالة الجاهزة والمدربة للشغل والإنتاج.. طبقاً لما يحتاجه المشروع الجديد.. وحتى يتخرج الخريج فيجد مكانه فى العمل الجديد.. دون وساطة أو محسوبية.. وعلينا أن نبدأ من أول السطر.. بتدريب وتخريج الطلاب المستوعبين التخصصات الجديدة فى مشروعات مصر المستقبل التى تبدأ من جديد.. كما كان الحال زمان زمان.. عندما كانت فرص التعلم والدراسة مفتوحة أمام ابن الغفير وابن الوزير.. وفرص الشغل متساوية بين الطلاب.. لا فارق بين طالب وآخر سوى التفوق والنجاح بلا وساطة ولا يحزنون..!