وأخيراً تنشئ مصر عاصمة إدارية جديدة، على حدود القاهرة الكبرى، السيد الرئيس تابع بنفسه مخططها، وزير الإسكان وقع عقد الإنشاء مع الشركة الإماراتية، والمسمى واضح «عاصمة إدارية»، أى أن هذه العاصمة لن تلغى وجود العاصمة الأم «القاهرة».
حتى منتصف القرن العشرين، كانت القاهرة العاصمة الأولى، وكانت الإسكندرية العاصمة الثانية، حيث كانت الحكومة تنتقل بكاملها إلى الإسكندرية صيفاً، ولها مقر هناك فى «بولكلى» وكان جلالة الملك ينتقل صيفاً إلى الإسكندرية بين قصرى المنتزه ورأس التين، ومع ثورة يوليو 1952 لم تعد الحكومة تنتقل صيفاً واعتبر ذلك من «فخفخة» العصر الملكى، غير أنه منذ منتصف السبعينيات ومع شروع الرئيس السادات فى سياسة الانفتاح وتخمة القاهرة بسكانها، بدأ الحديث عن عاصمة جديدة لمصر، ولم يتجاوز الحديث الآراء المتداولة، وإن كان الأمر وصل إلى حد الحديث عن أماكن ومدن بعينها بديلاً للقاهرة، وربما كانت مدينة السادات حين تأسست يراد لها أن تكون العاصمة، وشجع على ذلك أن الرئيس السادات لم يكن دائم الإقامة فى القاهرة، كان يتنقل بين استراحتى القناطر والإسماعيلية، ثم جاء الرئيس مبارك من بعده وذهب إلى استراحة الإسماعيلية، فظهرت فى مجال النميمة حكاية زواجه الثانى، فأقلع عن تلك الاستراحة واتجه إلى شرم الشيخ، وجعل مبارك من شرم الشيخ عاصمة ثانية، تعقد فيها اللقاءات المهمة والمؤتمرات الدولية.
والأمر المؤكد أن القاهرة بوضعها الحالى تنوء بدورها، لذا وجدنا المؤتمر الاقتصادى يعقد فى شرم الشيخ، وسوف تعقد بها القمة العربية القادمة، وها نحن ننتقل بجدية إلى بناء «عاصمة إدارية» تمتص زحام واختناق القاهرة.
نحن الآن لسنا بصدد حديث ورأى يقال، لكننا أمام فعل على الأرض. الحديث عن العاصمة الإدارية ظهر أول مرة مع الرئيس السيسى، حين كان مرشحاً للرئاسة، نحن أمام مؤتمر اقتصادى عربى - عالمى ناجح، وبالمناسبة هذا المؤتمر يؤكد مجدداً اعتراف العالم بشرعية 30 يونيو، وما بعدها وشرعية السيسى نفسه، وما قبل ذلك يدخل فى ذمة التاريخ، باختصار العاصمة الجديدة مشروع يتم تنفيذه على الأرض، عقد الإنشاء وقع فى حضور العالم كله، لحظة التوقيع شهدها رئيس الجمهورية بنفسه ومن ثم صارت إقامتها التزاماً لا يمكن الفكاك منه ولا التباطؤ فى تنفيذه، حدث زمن الرئيس مبارك أن تباطأت مصر فى تنفيذ بناء مكتبة الإسكندرية فواجهت لوماً - خفياً - من اليونسكو ومن المجتمع الدولى، فتم التعجيل بإنشائها وبدعم من الشيخ زايد بن سلطان والرئيس صدام ومبلغ الـ140 مليون دولار التى وجدت فى البنك، بعد «تخلى» مبارك عن الرئاسة، فى حساب مكتبة الإسكندرية وباسم مبارك نفسه، كانت حصيلة تبرع تقدم به للمكتبة كل من الشيخ زايد وصدام حسين.
نحتاج أن تكون العاصمة الجديدة، عاصمة ومدينة متكاملة، لا مجرد فندق فخم ملحق بالقاهرة، على غرار مدينة 6 أكتوبر والقاهرة الجديدة مثلاً، ولا نريدها ضاحية للقاهرة، تزيدها ترهلاً وتضخماً، ولابد أن يجرى نقاش موسع لا يقوم فقط بين مهندسى التخطيط العمرانى، بل يشارك فيه المتخصصون فى جغرافية المدن والجغرافية السياسية، لنحدد دور العاصمة الجديدة، وعلاقتها بالعاصمة القديمة.. نحن نرى أن شرم الشيخ تكاد أن تكون عاصمة سياسية، وهذا جيد، لكن ماذا يبقى للقاهرة؟!
فى الولايات المتحدة الأمريكية هناك واشنطن العاصمة السياسية ونيويورك العاصمة المالية، وفى سويسرا هناك جنيف وبرن، وفى تركيا توجد أنقرة وكذلك إسطنبول، أما فى البرازيل والمكسيك فتم نقل العاصمة نهائياً، وعندنا، كما سبق أن أشرت، كانت الإسكندرية عاصمة الصيف، والقاهرة عاصمة باقى العام، ومن ثم فما نقوم به ليس بدعاً، بل تأخر طويلاً، والقاهرة تنوء بحملها وأثقالها.
المهم أن نجلس معاً وسريعاً لنحدد ما للقاهرة، وما للعاصمة الإدارية الوليدة، وما يستتبع ذلك من إجراءات تتخذ وقوانين وقرارات تصدر ولوائح تعدل.