الجريدة الصباحية عند القارئ.. تماماً مثل السيجارة عند المدخن.. ومثل فنجان القهوة السادة عند المتعود عليها.. بل إذا شعر «كييف» القهوة بلسعة أو شفطة حلوة بعض الشىء يتنرفز وربما يكسر النفجان.. لقد اختل مزاجه.. لذا تجد فى المقاهى الكبيرة المشهورة بعض «الكنك» خاصة بعمل القهوة السادة فقط، ولا تستعمل فى غيرها، لأنه اتضح أنه مهما غسلت «الكنكة» بالماء والصابون أو حتى بالشامبو!! ستظل فتافيت السكر الخفية فى جنبات «الكنكة»..
- لماذا أكتب هذا الكلام اليوم؟!
- لأن هناك قراراً خاطئاً متحدياً للشعور العام تم اتخاذه فى انشغال الدولة والناس بأهم حدث عالمى منذ سنوات طويلة.. بل ربما منذ قرن.. ألا وهو المؤتمر الاقتصادى العالمى الذى أبهر العالم وشغل كل وسائل الإعلام المختلفة على سطح الكرة الأرضية.
القرار هو رفع أسعار الصحف إلى أن وصلت إلى جنيهين وأكثر.. فى نفس الوقت الذى نطالب فيه الناس بتحمل مشاق الحياة هذه الأيام حتى نعبر عنق الزجاجة هذا العام.. ننادى بشد الحزام والصبر على الاختناقات المختلفة ونقص الضروريات وارتفاع سعر الدواء.. وتكاليف العلاج!! فإذا برؤساء الصحف القومية - سامحهم الله- يرفعون سعر الصحف حتى أصبحت عبئاً على ميزانية أى أسرة!! لو قرأت صحيفة واحدة بلاها المجلات تحتاج إلى أكثر من 60 جنيهاً فى الشهر.. حتى وقت قريب كانت ستون جنيهاً راتباً لموظف درجة ثانية.. موظف محترم عمل سنوات حتى وصل إلى الدرجة الثانية.. الأسر المتوسطة بل والمستورة - ولا أقول الفقيرة - لا تستطيع أن تصرف ستين جنيهاً فى الشهر على اللحمة والخضار والعيش وضرورات الحياة.. فما بالك بالصحيفة؟!
رؤساء الصحف القومية الذين لا يستحقون الجلوس على كراسيهم يقولون فى بيان مشترك إن ارتفاع الدولار أمام الجنيه المصرى زاد من عبء استيراد الورق والحبر وقطع غيار الآلات والسيارات الضخمة التى توزع الصحف.. ثم الحكومة امتنعت عن صرف الإعانات الشهرية والسنوية منذ فترة.
حتى لو سلمنا بصحة ما جاء فى هذا البيان المشترك، فهذا يؤكد أنهم فعلاً لا يستحقون الجلوس على كراسيهم.. فمنذ متى كانت هذه الصحف الكبرى تعتمد على إعانة الدولة.. لقد كانت تكسب مليارات وتدفع رشاوى للكبار بالملايين.. فلماذا أفلست الآن؟
هناك وسائل عديدة لخفض التكاليف والمصاريف تمشياً مع سياسة الدولة لنعبر هذا المضيق الحالى.. ما فائدة إصدار 17 مجلة لا يشتريها أحد رغم كل الإعلانات التى تنشر عنها؟.. دور الصحف الكبرى الثلاثة كل منها تصدر 17 إصداراً صحفياً بالورق المستورد الفاخر ويطبع بالحبر «المستورد» على ماكينات «مستوردة» قطع غيارها «مستوردة».. قولولى: لماذا؟
إذا كان رؤساء الصحف الذين وصلوا إلى مراكزهم بقرار أضعف وأفشل مجلس أعلى للصحافة لم يخطر ببالهم بعض الحلول لموازنة التكاليف مع الإيرادات من أجل بلدهم الذى يمر بأخطر فترة فى تاريخه، فهل يصح بقاؤهم على كراسيهم؟!
بلاش غلق كل الإصدارات.. فليقل عددها وندمج المحررين فى عدد قليل فنوفر تكاليف استيراد أغلى أنواع الورق.. فالمجلات تحتاج لورق غالى الثمن، وتحتاج لأحبار بألوان مختلفة.. مثلاً.. الصحف الصباحية نفسها عدد صفحاتها ضخم جداً.. ممكن اختصار ثلثها على أقل تقدير.. مثلاً.. ممكن مطالبة الحكومة بإعفاء الصحف من جمارك ما تستورده من ورق وحبر وقطع غيار.. مثلاً.. ثم لا أدرى لماذا اختفى «قطار الصحافة» إلى بحرى وآخر إلى قبلى فى الساعة الثالثة صباحاً، وكنا نشترى الصحف المنافسة زمان من محطة مصر؟!.. وهنا ممكن الاستغناء عن السيارات الضخمة المستوردة التى تطير فى كل مكان مثل الشعر الغجرى المجنون، رحم الله عبدالحليم.
الحلول كثيرة، وتتمشى مع سياسة البلد ولا أقول سياسة الكومة.. لقد أصبحنا جميعاً جسداً واحداً.. ولكن السؤال هو: أين ما يسمى المجلس الأعلى للصحافة؟ وهذا خطأ الاستغناء عن وزارة الإعلام فى هذه الظروف الى نمر بها.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.. الناس صبرت ولا تزال صابرة على نقص الضروريات.. مش ناقصة بقى حرمانهم من عاداتهم وتقاليدهم الموروثة.. قراءة الصحف.