لأنها لم تراهن إلا على القارئ، ولم تنحز إلا للحقيقة، ولم تتلون بحثاً عن المال، أو تلهث وراء أرقام التوزيع، على حساب المصداقية، قرر مجلس إدارة «المصرى اليوم» السباحة ضد تيار المصالح الشخصية، واتخاذ قرار مصيرى بالإبقاء على سعر النسخة كما هو جنيه ونصف، دون زيادة، فى خطوة اعتبرها كثيرون «انتحارية»، خاصة فى الوقت الذى تمر فيه المؤسسة بصعوبات مالية، تحاول تجاوزها دون تقديم تنازلات لأى جهة مهما كانت.
«المصرى اليوم» إيماناً منها بحق القارئ فى معرفة الحقيقة، وتحرى المصداقية والحياد، بعيداً عن «التربيطات» والمصالح الخاصة، كان لابد أن تتخذ هذا القرار الصعب، لإدراكها أن الصحافة رسالة وليست «سبوبة» هدفها تحقيق أرباح.
وبعد أسابيع قليلة، تدخل الصحيفة التى قلبت موازين الصحافة فى مصر والشرق الأوسط، عامها الثانى عشر، كما عهدها القارئ، ملكة على عرش صاحبة الجلالة، ورغم تراجع مبيعات الصحف، سواء كانت حكومية أو حزبية أو مستقلة، إلا أن القارئ الذى آمن برسالة «المصرى اليوم» أجبر الجميع على أن يكون سيد الموقف، وأن يكون فاعلاً لا مفعولاً به، لأنه، منذ البداية، توجها على صدارة قوائم التوزيع، وتحدى بها الجميع لإيمانه بسمو رسالتها ونبل هدفها ودقة أخبارها وحيادية توجهاتها.
وهذا القارئ، الذى نعمل جميعاً من أجل كسب ثقته واحترامه، أغلى من جميع الأرباح، وأسمى من أن يكون قطعة «شطرنج» تتلاعب بها مجالس إدارات الصحف، التى أدمنت لعبة «البيزنس».
هذه هى «المصرى اليوم» التى تثبت دوماً أنها جديرة بثقة القارئ رغم إدراكها أن قرارها الصعب بالإبقاء على سعر النسخة الحالى، سيدخلها فى مشاكل كثيرة، التى كان من الممكن أن تتحول إلى ملايين الجنيهات بـ«جرة قلم».
وحسابات «الورقة والقلم» تقول إن هذه الخطوة «ضربة قاضية».
لكن بمعايير حب القارئ وسمو المهنة وأمانة الكلمة وشرف الموقف واحترام الرسالة تعتبر «المصرى اليوم» قرارها «الصعب» مجرد هدية رمزية للقارئ الكريم ومتعهد التوزيع الذى احتضنها وتمسك بها، وهى تخطو خطواتها الواثقة نحو عامها الثانى عشر.
وإذا كان القرار صعباً فالمسؤولية أصعب، والقارئ أولى، فلن تعنينا المكاسب لو فقدنا ثقة القارئ الذى أوفت له «المصرى اليوم» بوعدها، رغم سلسلة الصعوبات التى واجهتها.
هذه دوماً هى ضريبة المسؤولية، التى تتحملها كل مؤسسة إعلامية شريفة، وكل صاحب رسالة نبيلة، وكل صاحب قلم، لا يحركه سوى ضميره.
وإذا كانت الحياة تحدياً، والحرب معركة، والفضيلة شرفاً، والكلمة أمانة، فـ«المصرى اليوم» موقف لا يقبل المزايدة، وها هى تجدد عهدها مع القارئ، على أن تبقى دوماً ساحة للحرية وواحة تتسع لجميع الآراء، دون إقصاء، أو مواءمة، أو بحث عن مكاسب، حتى لو كانت «كنوز الدنيا».
ولتبق «المصرى اليوم» شاهداً حياً على «الحرية فى حقل ألغام» و«التحدى وسط الصعاب»، و«التضحية من أجل المبدأ»، وليبق القارئ الكريم هو الفارس الحقيقى للكلمة، ولتحى المبادئ وتسقط الشعارات والمصالح.
القرار الصعب حسمه مجلس الإدارة، دون تردد، فى الوقت الذى يدرك فيه أن قارئ «المصرى اليوم» يستقطع ثمنها من قوت يومه ورزق أسرته، ليعرف من خلال صفحاتها الخبر وما وراء الخبر، فكان لابد، اعترافاً منا بالجميل، الذى يطوق به القارئ أعناقنا، أن نقول له ونحن على أعتاب سنة جديدة من عمرنا «كل سنة وأنت أغلى ما لدينا، وكل عام وأنت فى القلب».
فتحية من القلب لمجلس الإدارة، الذى رفض أن يكون معادلة فى الموضوع، ولمتعهدى الصحف الذين تحملوا الكثير من أجل «المصرى اليوم»، فى الوقت الذى تتناقص فيه مبيعات الصحف بشكل لم تشهده الصحافة المصرية من قبل.
وسحقاً لأرقام التوزيع، إذا كانت ستأتى على حساب الصدق والشرف والأمانة، فأرقام التوزيع لا يراهن عليها سوى المضاربين والتجار، الذين تحركهم شهوة جمع المال من خلال «مص دماء» القارئ الذى أصابته الصحافة الصفراء بـ«فقر دم» ولين عظام وشلل رعاش.
والحمد لله أن «المصرى اليوم» أوفت بوعدها لكل متعهدى التوزيع، على مستوى الجمهورية، بعدم زيادة سعر الجريدة وليعلم القارئ الكريم، ومتعهدو التوزيع المحترمون أن هناك حرباً ضارية، بكل الأساليب المحترمة، وغير المحترمة لتدمير توزيع «المصرى اليوم» داخل الأسواق بفعل فاعل، وحتى تصل الجريدة فى أوقات متأخرة عن جميع الصحف، لكن نعاهد القارئ المحترم على أننا مستمرون فى مسيرة المصداقية والحيادية فى المادة وبنفس السعر.
ولأن المجلس الأعلى للصحافة ترك لنا حرية تحديد السعر، ولأن صناعة الصحافة فى مصر فى مرحلة حرجة، والعامل الاقتصادى فى صعوبة، فقد التزمنا مع القارئ والمتعهد بهذا المبدأ ولم نغيره، ولعنة الله على الاحتكار.
المدير العام للطباعة والتوزيع