مؤتمر شرم بعيداً عن الذبابة والطاووس

جمال الجمل السبت 14-03-2015 21:12

نجح المؤتمر الاقتصادى قبل أن يبدأ، فالتنظيم جيد (لكننا لم نقم به وأسندناه إلى شركة أجنبية)، والهدايا التى أعلنت فى الجلسة الافتتاحية كفيلة بإنجاح المؤتمر (لكنها تخلو من عنصر المفاجأة فهى عادية ومعروفة من قبل الحفل)، والخطة الأمنية محكمة (لكنها مناسباتية، ومن الصعب استمرارها لضمان أمن المواطن خارج القاعة)، والأمل فى تحسن الاقتصاد ارتفع (لكن فى تصريحات المسؤولين ومبالغات منابر الإعلام وأمنيات الشعب الطيب).

هذه الـ«لكن» ليست ذبابة ميتة أدسها فى تورتة المؤتمر، أو ملاحظة سلبية أستهدف منها التقليل من نجاحه، بالعكس أنا سعيد بهذا المحفل الإقليمى المهم، وراضٍ بالحضور الدولى المقبول، وأحيى الحضور الأفريقى والفلسطينى، وأعتبره مفتاحاً لفهم نجاح المؤتمر، فليس لدى عباس مليارات ليقدمها، كذلك الحال بالنسبة لرؤساء دول ووفود أفريقيا، وهذا يكشف أن المؤتمر بالأساس حدث سياسى تخللته فكرة سوق الاستثمار، حيث يتم الإعلان عن صفقات ومساعدات تم الاتفاق عليها مسبقاً، وحيث تعيد الشركات العالمية والإقليمية طرح مشاريعها وميزانياتها مجددا دون تغيير تقريبا، لكن تجميع هذه المعلومات فى حدث مركزى تحت هذا القدر من الضوء الإعلامى يسهم بلا شك فى تشجيع شركات ورجال أعمال آخرين على المساهمة والاستثمار الآمن داخل مصر بعد 4 سنوات من غياب الاستقرار وضبابية المستقبل.

لدىّ قناعة راسخة بأن اقتصاد الدول لا تصنعه مؤتمرات، ولا مناسبات احتفالية، ولا مجاملات حلفاء وأصدقاء، لكن هذا لا يمنع أن مثل هذه المناسبات لها فوائد كبيرة إذا كانت جزءاً من تصور أشمل لخطط تنمية مستدامة فى ظل توجه اقتصادى واضح الملامح، وهذا للأسف ما لا يمكن الكشف عنه فى المؤتمر، فالمؤتمر فى حال تحقيقه أكبر درجة من النجاح سيوفر لمصر قدراً من التمويل (وليس كل التمويل)، ويضيف رافدا لأساس اقتصادى يجب أن يكون موجوداً كنهر رئيسى تصب فيه هذه الروافد ولا تأخذ منه، وهذه أمور لم يتم العمل عليها، ربما لضيق الوقت، وربما لغياب الرؤية من الأصل، فأنا أسمع حديثا عن الفلوس، ولا أطمئن ماذا سنفعل بها من أجل المستقبل، فأنا أقرأ الكثير عن استثمارات تتعلق بالعقارات والإسكان والمشروعات الخدمية والاستهلاكية، فى ظل غياب شبه تام للمشروعات الإنتاجية فى التصنيع والزراعة!

معظم المشروعات المطروحة قبل وأثناء المؤتمر تناسب دولة لديها بنية إنتاجية قوية ومستقرة تريد تحسينها، لكننا لا نملك الآن هذه البنية، ولابد من تصور واضح لإعادة بنائها بمفاهيم عصرية (إذا كنا نريد مكانا فى المستقبل)، أما الحديث عن النجاح لمجرد قدرتنا على جمع 20 مليار دولار، فإن هذا الرقم أقل من ثلث تكلفة مشروع واحد من المشاريع المعلن عنها، وهو مشروع العاصمة الإدارية الجديدة.

عموما.. المؤتمر نجح سياسياً بامتياز، حيث كان بمثابة إعلان مسبق عن قدرة مصر على إنجاز التحالف الإقليمى الذى تسعى إلى تكوينه، رغم المؤامرات التى استهدفت تعكير أجوار العلاقة مع الدول الداعمة، كما يعتبر المؤتمر «بروفة» مهمة للتنسيق والتنظيم قبل انعقاد القمة العربية المقبلة، والأهم فى رأيى أنه نجح فى مد جسور التعاون مع بعض الأطراف فى الدائرة الأفريقية، وهذه خطوة مهمة، تصحح بها القاهرة خللا كبيرا فى سياستها القارية، وأخيرا، وضع المجتمع الدولى أمام صورة قوية لدولة لن تساوم على مكانتها، دولة لديها حلول داخل الإقليم، تعفيها من مذلة المعونات الأجنبية والوقوف على أبواب المنظمات الدولية المشبوهة، والقبول بإملاءات تريد أن تساوى بين هذه الدولة الضاربة فى أعماق التاريخ وبين جماعة تنكرت للوطن وسقطت فى مستنقع العمالة للخارج المتربص.

رغم الملاحظات والتنبيهات، تحية للمؤتمر، وأرجو أن يكون خطوة فى طريق البناء، وليس مجرد حفلة لجمع النقوط.

tamahi@hotmail.com