هجمة تخريبية شرسة طالت أنحاء البلاد في الأسابيع الماضية، كشرت عن أنيابها، وضلت طريقها واعتراها الجنون، فلم تعد تكترث بنوع ضحاياها إذا ما كانوا مواطنين عاديين أم من رجال الشرطة والجيش، واتفقت معظم التحليلات في ظاهرة حرب التفجيرات التي طالت معظم محافظات مصر بهدف إفشال المؤتمر الاقتصادي الذي نعول عليه كثيرا لانتشال البلاد من مخاطر كارثة اقتصادية مؤكدة، وتظهر استماتة واضحة حتى الرمق الأخير متمثلة في تكثيف الهجمات وشراستها ودمويتها.
المؤتمر الاقتصادي يأتي في ظل تحديات جمة تعاني منها البلاد والرئيس السيسي على نحو خاص، فالعالم ينظر للمؤتمر على أنه مؤتمر ضخم وهناك إشارات على أن السياسات التي يتبعها الرئيس السيسي تجدي نفعا وبدأت تؤتي ثمارها في ضوء الإصلاحات الاقتصادية التي جرت على مدار التسعة أشهر الماضية، وتوجت بتعديل قانون الاستثمار وإصدار حزمة قوانين لتحفيز الاقتصاد قبل انطلاق المؤتمر بما يضمن تسهيل الإجراءات على المستثمرين، وإذا ما نجحت مصر في زيادة معدلات النمو، فإن هذا الأمر سيساهم في مواجهة تلك التحديات التي تقف في وجه الرئيس السيسي، غير أن ذلك يتوقف على نجاح الدولة في القضاء على الإرهاب الذي يهدد استقرارها، والتركيز على الأمن لضمان جذب المستثمرين وبالذات الأجانب.
فكيف تستطيع الدولة وأجهزة الأمن تحقيق هذه المعادلة؟ وهل التعديل الوزاري المحدود الذي سبق المؤتمر بأيام قليلة وجاء على رأسه تغيير وزير الداخلية سيحدث فرقا مؤثرا نستطيع تلمسه في عاجل الأيام؟ ربما تقاس الإجابة على هذا السؤال بحجم التفجيرات التي تضرب البلاد صباح كل يوم ومدى انحسارها وتضاؤلها في الأيام المقبلة، فمن الواضح حتى الآن إصرار الإخوان على التصعيد في حرب التفجيرات وضرب المزيد من الأهداف والمؤسسات وتكثيف الهجمات، في تحد واضح للواء مجدى عبدالغفار وزير الداخلية الجديد، فيما يخطط تنظيم الإخوان لتصعيد موجات العنف في الشارع بالتزامن مع بدء فعاليات المؤتمر التي بدأت بالدعوة إلى الاستمرار في الغضب الشعبي تحت عنوان «مصر مش للبيع»، والاحتشاد أمام قصر الاتحادية لإسقاط النظام، في محاولة يائسة منهم وبعد فشل تنظيمهم الدولي في إقناع عدد من الشركات الاقتصادية والسفارات الأجنبية في كثير من الدول لمنعهم من المشاركة في المؤتمر بحجة أن استثماراتهم في خطر.
يبدو أن لغة التهديد التي استخدمها التنظيم الدولي للإخوان ضد الشركات المشاركة في المؤتمر وفق البيان الصادر عنهم: «إذا كان لدى المشاركين في المؤتمر رغبة في دعم السيسي فلن ينسى الشعب المصري لهم ذلك، وسيدوس على أي اتفاقيّات تعقد مع حكومة الانقلاب ولن يعترف بها ولن يحصد أصحابها إلا الندم، فعلى الدول المشاركة إدراك أن الاستثمار الحقيقي في مصر يبدأ بسقوط النظام، أما غير ذلك فهو الحصاد المرّ لكل من يشارك في المؤتمر الاقتصادي».. هي بداية الغيث استكمالا لمخطط إخواني ضخم في الفترة القادمة، كشفت عنه مصادر سيادية بعد أن رصدت مكالمة هاتفية لأحد قيادات إخوان مصر كان ينقلها إلى محمود عزت في تركيا على لسان خيرت الشاطر، هذه المكالمة تحمل في طياتها الخطط الإرهابية المقبلة في مصر، ويأتي في صدر أولوياتها تكثيف التفجيرات والهجمات على المدنيين والجيش والشرطة دون تمييز والتى يجب أن تتزامن مع المؤتمر الاقتصادي، بالإضافة إلى سرعة إمداد الجماعة بالمال لأن موارد الدعم نضبت، وأصبحت قيادات الجماعة في وضع حرج وأموالهم أوشكت على النفاذ وغير قادرين على توفير مصادر تمويل جديدة، خاصة للعناصر الذين ينفذون مخططاتهم من أجل المال، ليتمكنوا من استمرار حشد الناس في المظاهرات ومواجهة الشرطة وبقائهم صامدين، بالإضافة إلى حرق الكنائس واختطاف الأقباط لإثارة الفتنة، وتأليب الرأي العام الغربي ببث الأكاذيب في الصحف الأجنبية والقنوات الفضائية باستخدام معاونيهم داخل بعض الصحف الأجنبية، واستغلال ما يحدث في مصر ونقله بصورة مشوهة وفق هواهم للإعلام والصحافة في الخارج، والتجهيز لعملية كبرى في سيناء فضلا عن نقل الهجمات الإرهابية إلى شرم الشيخ بعد انتقال العناصر الإرهابية إلى جنوب سيناء، ولولا رصد هذه المكالمة لما استطاعت الجهات الأمنية في إحباط عدد من العمليات الإرهابية التي كان التنظيم يخطط لها خلال الأيام الماضية رغم استمرار الهجمات الإرهابية والتفجيرات المتتالية.
وتظل الإجابة عن السؤال مرهونة بما سيسفر عنه ختام المؤتمر الاقتصادي من نتائج ملموسة على الأرض، ومدى يقظة وقدرة أجهزة الأمن على ضبط الحالة الأمنية للتخفيف من حدة الهجمات الإرهابية والتفجيرات المستمرة، فوزير الداخلية الذي ينتمي لجهاز الأمن الوطني ذو خلفية أمنية لا يستهان بها في الاضطلاع بمهامه لإجهاض مخططات الجماعات الإرهابية، وتعلق عليه الآمال لإنهاء هذه الحالة التي أرهقت الوطن والمواطنين في أسرع وقت، وإن كانت المؤشرات تدلل على أن التوتر بين الإخوان ونظام الحكم سيستمر لفترة مقبلة، فما زال التنظيم يحظى بدعم لوجيستي، وتأييد واضح من بعض الدول التي لا تريد خيرا لمصر أو النهوض من كبوتها.