وزيرة للسكان بدون وزارة

الأربعاء 06-05-2009 00:00

صدر قرار جمهورى بتعيين السفيرة مشيرة خطاب وزيرة للسكان، والرئيس يعلم جيداً أن مشكلة الانفجار السكانى قد تفاقمت، وجميع المحاولات الساذجة التى قامت بها الدولة فى الثلاثين عاماً الماضية قد باءت كلها بالفشل الذريع، وأصبح التضخم السكانى يأكل الأخضر واليابس، ولذا كان القرار بتعيين سفيرة سابقة وأمينة للمجلس الأعلى للطفولة، والمعروفة بقدرتها على العمل الدؤوب، وعلى مواجهة المشاكل الصعبة بشجاعة فائقة أمراً طيباً.

وقد حلفت الوزيرة اليمين وحضرت مجلس الوزراء واستضافها «البيت بيتك» فى التليفزيون، وأصبحت لها أرقام تليفون سرية ووضع كشك عظيم أمام منزلها، وأصبحت سيارات الأمن والحرس تسير أمام سيارتها لتزعج راكبى السيارات الأخرى، ولكن المفاجأة الكبرى هى أن الوزيرة ليست لديها صلاحيات لمحاربة الانفجار السكانى.

ولا أحد يدرى كيف ستحارب الوزيرة مشاكل تنظيم الأسرة رغم أن رئاسة الجمهورية بصلاحياتها الواسعة وخطابات الرئيس المتتالية، التى حذرت من الزيادة السكانية، قد قوبلت باستخفاف شديد مع بعض النكات لزوم خفة دم المصريين.

بالله عليكم كيف تقوم الوزيرة لوحدها وبطولها بحل مشاكل السكان العويصة المعقدة، التى تحتاج برامج ضخمة، وتحتاج لأموال ودعاية وإقناع وقوانين مساعدة لإغراء الأسرة المصرية بالاكتفاء بعدد صغير من الأطفال. إن هذه الوزارة الجديدة لابد أن تجمع صلاحيات من وزارات التخطيط والصحة والمالية والداخلية والعدل والإعلام والضمان الاجتماعى حتى يمكن أن تفعل شيئاً.

هل تم سحب هذه الصلاحيات من هؤلاء الوزراء وتم إسنادها لوزيرة السكان حتى يكون هناك برنامج فيه بعض الأمل فى تحقيق نجاح فى هذا المشروع؟ هل سوف يكون عمل الوزيرة هو أن تتحايل وتترجى الوزراء صباحاً ومساء لتسهيل مهمتها، بالرغم أنه معروف أن الوزير لا يفرط فى جزء ولو بسيط من وزارته للصالح العام، وكأن الوزارة ملكية فردية وكأنك تأخذ قطعة من لحمه؟

هل تعلم الدولة أنه من نتائج الانفجار السكانى تولدت مشاكل لرعاية المسنين، والمرضى النفسيين وأطفال الشوارع وغيرها، والتى لن تجد حلاً إلا بالتعاون بين المجتمع المدنى ممثلاً فى الجمعيات الأهلية والدولة ممثلة فى وزارة السكان.

إن المشكلة معقدة وخطيرة، وأنا أذكر أنه عندما تحدث الرئيس عن خطورة الانفجار السكانى تعالت الأصوات والكتابات تقلل من أهمية الموضوع، وقد كتبت مؤيداً الرئيس وقلت إن هذه من المرات القليلة والنادرة التى أتفق فيها مع الرئيس تماماً فى وجهة نظره.

الانفجار السكانى خطر رهيب يهدد مستقبل العالم الثالث كله، وفى مصر خفضنا وفيات الأطفال ومنعنا الأوبئة، لكننا لم نستخدم وسائل منع الحمل فحدث الانفجار السكانى. كل دول العالم الثالث التى قفزت إلى الأمام استخدمت وسائل فعالة لمنع الحمل مثل الصين والهند وإندونيسيا وماليزيا، فماذا نحن فاعلون؟ المشكلة عويصة وصعبة وحلولها معقدة وكلها سوف تقابل بمعارضة واسعة من كل روافد الرجعية الدينية والفكرية.

أعلم جيداً أن التنمية الحقيقية هى الحل الأمثل لمشاكل مصر الاقتصادية، لكن التنمية لن تنجح مع هذا الانفجار، وأعلم أن وقف نزيف الفساد وإهدار المال العام أساسى فى أى تقدم اقتصادى، ولكن ذلك كله غير كاف مع هذا النوع من الانفجار السكانى.

المساحة التى يعيش فيها المصريون ضاقت عليهم، وهم لا يستطيعون الانتقال للصحراء لضعف الإمكانيات وارتفاع التكاليف، كيف يمكن أن نبنى مدارس ومستشفيات ومعاهد وجامعات ونوفر مواصلات لكل هذه الملايين؟ شىء مستحيل والنهاية هى المجاعات والأوبئة من الزحام والفقر والجهل، ولذلك يجب أن نسرع الخُطا فى حل هذه المشكلة بحسم وقوة.

إننى أعرف مصر جيداً، وأعرف المستوى المهنى الردىء للحكومة المصرية، فلا أتخيل أن السفيرة مشيرة خطاب قد وجدت على مكتبها التقارير التى سبق أن أعدتها المجالس والوزارات المختلفة لمحاولة حل المشكلة.

الحل الحقيقى لهذه المشكلة يجب أن يبدأ فوراً، وبتكاتف جميع القوى السياسية والشعبية والحكومية والمعارضة لوضع خطط قصيرة الأمد وخطط طويلة الأمد، وربما تضاف بعض الحلول التشريعية المبتكرة، ويجب تشجيع أصحاب الأسر الصغيرة وحفزهم على بقاء أسرهم فى هذا الحجم.

كل هذا لا يمكن أن يبدأ ووزيرة الإسكان ليس عندها سلطات واسعة، أعلم أن البيروقراطية المصرية أقوى من أى شىء. سوف وستظل الوزيرة تستجدى من هنا وهناك، ويبدو أن الدولة لا تريد أن تجد حلاً جاداً للمشكلة السكانية، لكنها تريد أن تبدو وكأنها تحاول، ولذا أنشأت وزارة جديدة لها وزير فقط والباقى على الله.