يمثل الفنان «جورج البهجورى» حالة خاصة فى الوسط التشكيلى، فهو يجمع بين الفن والكاريكاتير ويسجل كل قضايا مجتمعه والعالم فى لوحاته، ويضيف إلى ذلك اتجاهه للكتابة ونشر أعماله الفنية فى كتب..
ينتهى اليوم معرض «البهجورى» الذى استضافه جاليرى مشربية بوسط البلد بعنوان «رسم على رسم» وواصل فيه تجربته فى محاكاة وإعادة صياغة لوحات كبار الفنانين العالميين والمصريين من خلال أسلوبه الخاص ولمسات فرشاته المميزة.. فى هذا الحوار تحدث عن معرضه الأخير وعن مزجه بين اللوحة الفنية والرسوم الكاريكاتورية، وعن اتهام البعض له بالتطبيع منذ سنوات، كما تعرض للعديد من القضايا المثارة فى الوسط التشكيلى والعلاقة بين الفنان ومجتمعه .
■ بداية.. كيف جاءت فكرة معرضك الأخير «رسم على رسم»؟
- هى تجربة أخوضها للمرة الثانية، وكنت بدأتها بمعرض تحت نفس العنوان عام 2006، حاولت فيه اجتياز حاجز الانبهار بينى وبين كبار الفنانين فى العالم، فأخذت نماذج لأشهر لوحات كبار الفنانين بداية من ليوناردو دافنشى مرورا بـ«دى لا كروا» ورامبرنت وفيرميير وبيكاسو وغيرهم من كبار الفنانين، وأعدت خلق اللوحة التى بهرتنى كثيرا بطريقتى الخاصة .
بدأت هذه الفكرة تلح على أثناء إقامتى فى مرسمى بباريس، وتأملى فى اللوحات الشهيرة للفنانين الكبار الذين لا يستطيع أحد المساس بهم، وجدتنى مبهورا بهذه الأعمال، وقررت أن أعيد رسمها بطريقتى الخاصة وأسلوبى الشخصى، فمثلا لوحة كبيرة مثل لوحة البورتريه الشخصى لرمبرانت، رسمتها من البداية بشكل مختلف ووضعت ملامحى بدلا من ملامح رمبرانت، وهكذا كلما أتامل لوحة وأقيم معها علاقة صداقة لفترة تأتى اللحظة المناسبة وأشعر بالبرق والرعد يضرب فوق رأسى فأبدأ فى رسم اللوحة، ولم يقتصر الأمر على الفنانين الأجانب فقط، بل عملت على لوحات لفنانين مصريين مثل بيكار ومحمود سعيد.
■ ألم يقم فنانون آخرون باتباع هذا الأسلوب.. وما تقييمك لهذه التجربة؟
- هناك فنانون يمكن أن يرسموا أو ينقلوا اللوحة العالمية، ولكن هذه حرفة، فى حين أننى أعيد رسم اللوحة الفنية من البداية بأسلوبى الخاص وتحت تأثيرعلاقتى القوية بها، وأرى أن ربنا وفقنى جدا فى هذه التجربة، حتى إننى أتمنى ألا أبيع نصف اللوحات التى يضمها المعرض لأننى لن أستطيع أن أرسم مثلها مرة أخرى وأريد الاحتفاظ بها لنفسى، وهى حوالى 25 لوحة على أعمال رمبرانت وبيكاسو وفان جوخ وجوجان وفيرمير وعبد الهادى الجزار وراتب صديق وغيرهم من الفنانين الكبار.
■ ما الذى يمثله فن الكاريكاتير بالنسبة لك وعلاقته باللوحة الفنية. . وكيف ترى أحوال الكاريكاتير الآن؟
ـ أرسم الكاريكاتير الفنى ولا أعتمد على النكتة أو الإضحاك بشكل أساسى، هناك فنانون آخرون يفضلون «الردح» من خلال الكاريكاتير، وقليل جدا من الفنانين الذين يربطون بينه وبين الفن، وعلى رأسهم طبعاً الفنان الجميل مصطفى حسين الذى يجعل من الكاريكاتير لوحة فنية متكاملة تحمل بعدا بصريا مهما، لكن فن الكاريكاتير الآن يعانى من الرقابة، فهو يجب أن يكون فنا حرا تماما، وهذه الحرية متاحة فى صحف المعارضة أكثر منها فى الصحف القومية، فمثلا فرصة تألق عمرو سليم فى «المصرى اليوم» أكثر من فرصتى للتألق فى «الأهرام»، لكننى أحاول أن أرسم فن البورتريه بشكل مختلف فى «المصور»، وأهتم بالفن أكثر من السخرية، والنكتة موجودة عموما فى الشعب المصرى ولدى الرسامين، يوجد شباب يرسمون النكتة بشكل جيد جدا مثل عبدالله ومخلوف، وتوجد «ريشات» خارجة معظمها من مدرسة صباح الخير تحافظ على هذا الفن وتطوره.
■ وما رأيك فى المستوى الفنى لأغلفة الكتب؟
ـ جيد جدا، يوجد فى مصر فنانون كبار يعرفون قيمة الفن ووظيفته فى الغلاف ويجيدون هذا العمل تماما ومنهم حلمى التونى ومحيى الدين اللباد وابنه أحمد اللباد، قدموا أغلفة ارتقت بالكتاب وساعدت على رواجه إلى حد كبير، وأرى أن فن الغلاف يزدهر فى مصر.
■ أيهما حقق لك الشهرة أكثر اللوحة الفنية أم الكاريكاتير؟
ـ الكاريكاتير بالنسبة لى هو عمل فنى، وتم اختيارى من هيئة الأمم المتحدة ضمن أفضل 15 رسام كاريكاتير فى العالم، وهى القضية التى أثيرت منذ سنوات واتهمنى البعض بالتطبيع، لمجرد أن هناك فنانا إسرائيليا ضمن هؤلاء الـ15 فنانا، ولم ينتبهوا إلى أن هناك أيضا فنانا فلسطينيا ضمن المجموعة، وأرى أن بعض المثقفين المصريين ليسوا منصفين للرأى الآخر، هم يريدون المقاطعة وأنا اخترت مواجهة إسرائيل بأعمالى الفنية، وأرى أن المواجهة من خلال الكاريكاتير سلاح أقوى من المقاطعة.
■ أين كان هذا الحدث وما مضمونه؟
ـ فى كل عواصم أوروبا، نحن ننظم مظاهرة لحقوق الإنسان ندافع عن القضية الفلسطينية والقضايا الأفريقية والعربية وقضايا دول العالم الثالث، ونهاجم الحكومات الفاشيستية وسياسة إسرائيل أولا، وفى منتصف الشهر المقبل سيقيمون معرضا لأعمالنا حول رؤيتنا لـ«عقوبة الإعدام»، وهناك فنانون كثيرون تعرفت عليهم فى هذا الحدث، ومنهم فنان يابانى اسمه «نوار يو» أحببت أعماله جدا، وكذلك فنان فرنسى شهير يرسم فى «اللومند»، عندما تم ترشيح ابن الرئيس الفرنسى ساركوزى لمنصب مهم، رسم هذا الفنان يوميا أعمالا كاريكاتورية فى اللومند يتهكم ويسخر من ابن ساركوزى، إلى أن أقنع ساركوزى ابنه بالتنازل عن هذا المنصب والابتعاد عنه تماما والتفرغ لدروسه، وهو ما يعنى مدى السلطة التى تمتلكها الريشة الساخرة وكيف يمكن أن تغير السياسات أو تؤثر فى السياسة.
■ نشرت سيرتك الذاتية فى «ثلاثية الأيقونة».. ونشرت كتبا تضم أعمالك الفنية.. هل ترى هذه الطريقة مناسبة ومفيدة أكثر من المعارض فى توصيل الفن للجماهير؟
ـ بالنسبة لسيرتى الذاتية وجدت أنها تجربة مهمة، فالكلمة لها سطوتها وجمالها وهى وسيلة للتعبير قررت أن استخدمها فى تسجيل فترات وتجارب أراها مهمة فى حياتى، وقد صدرت فى 3 أجزاء وسأعيد نشرها قريبا فى كتاب واحد مجمعة، أما بالنسبة للكتب الفنية، أصدرت منذ فترة كتابا يضم تاريخ مصر الاجتماعى والسياسى كله من خلال اللوحات التى رسمتها فى مراحل مختلفة، والكتاب اسمه «أيقونة شعب»، وأرى أنه وسيلة مهمة لنشر الثقافة الفنية والوعى الفنى عموما، فضلا عن كونه يحفظ الفن ويجعله متاحا للجميع، وأقوم بتوزيع هذا الكتاب مجانا لإدراكى بأهمية هذا النوع من الكتب، والمشكلة أن هذه الكتب موجودة ولكن بأسعار مرتفعة جدا، فمثلا وزارة الثقافة أصدرت كتابا يضم أعمال محمود سعيد ولكن ثمنه ليس فى متناول القارئ العادى البسيط، أعتقد أنه بـ200 أو 250 جنيهاً، وهذا سعر مرتفع جدا، فى حين أنه من الضرورى إتاحة هذه الكتب للجمهور بسعر يتحمله الجميع، فالفن عموماً يعانى أزمة فى وصوله للجمهور، وهناك بعض الأحداث تزيد هذه الأزمة مثل فيلم بالألوان الطبيعية الذى حاول ربط الفن بالدين من أجل الإثارة.
■ بصفتك فنانا.. كيف ترى أحداث العنف الأخيرة فى نجع حمادى وقرية بهجورة مسقط رأسك؟
ـ هذه الأحداث جعلتنى أزور جميع أصدقائى ومعارفى المسلمين، لأسمع منهم كلام مثل «أنت حبيبنا.. واللى عملوا الجريمة دى شوية مجرمين» لأشعر أن مصر مازالت بخير، وأعتقد أن سبب هذه الجريمة هو تفشى الجهل والفقر وغياب الثقافة، وتعجبت من أننى غبت بعض السنوات فى باريس وعدت لأجد الأوضاع بهذا الشكل، قبل ذلك «ماكانتش عندنا الحاجات دى أبدا»، هذه الأحداث نتيجة الجهل وعدم القراءة والفقر، كما أن المؤسسات التعليمية تتحمل جانبا من المسؤولية لغياب دورها فى التوعية، وأعتقد أيضا أن الوعاظ فى المساجد يساهمون فى هذا لأنهم لا يعملون على توعية أبناء الطبقات البسيطة بأن هناك «حبايب» فى الوطن اسمهم أقباط