تابعت بمرارة وأسى يوم الأربعاء 3 مارس الحالى وقائع حريق مركز المؤتمرات، وبأسى ومرارة سابقين تابعت حريق مجلس الشورى فى 19 أغسطس 2008، أما حريق مركز أمراض الكلى بالمنصورة فى 1 يونيو 2006 فقد تابعته بفزع قلب وروح، وحمداً لله أن كانت نتيجته مختلفة، فالنيران لم تستطع التمادى رغم أن وقودها سريع الاشتعال كان حاضراً بوفرة قوامها أطنان من السولار فى خزان لتشغيل الغلايات بقرب شرارة الحريق. وفيما التهمت النيران الكثير من مركز المؤتمرات ومعظم مجلس الشورى، اللذين ليس بهما أى خزان للسولار، فإنها لم تستطع ذلك مع مركز أمراض الكلى بالمنصورة. مفارقة دعتنى للاندهاش والتأمل، لأخرج بيقين فى صدرى ووردة فى يدى، ينطق عبقها وبهاؤها مؤكدين: إن ورود الإنسانية الصادقة كما حدائقها، ستظل مقاومة للنيران، مهما كانت الضراوة من حولها، والغباوة!
الآن، سيتذكر ابن مصر البار الدكتور محمد غنيم أننى عندما التقيته فى المنصورة منذ شهر ونصف، لأزور بصحبته الامتداد الأحدث للمركز فى قرية «منية سمنود»، أننى بادرته بسؤالٍ مُلِحٍّ عن الحريق الذى وقع فى المركز منذ تسع سنوات، وربما بدا ذلك له غريباً، أنا نفسى لم أكن على بينة «واعية» من سر إلحاحى على هذه العودة إلى الحادث، لأبدأ منها الرحلة إلى مأثرة طبية عالمية المستوى مضافة إلى مأثرة مركز الكلى الشهير فى المنصورة، ولم تلتفت إليها أجهزة الإعلام ولا الصحافة، ربما لأنها تحققت فى قرية من قرى مصر المنسية، مثلها مثل مركز الكبد الذى أسسه الدكتور جمال شيحة فى قرية قريبة من المنصورة أيضاً، وكذلك مركز القلب الذى أقامه الدكتور مجدى يعقوب فى أسوان.
والآن أدرك أن تدابير «الحدس» فى «اللاوعى»، كانت تقودنى دون أن أدرى إلى الخروج بمعنى ما، أشمل من مجرد الرصد الصحفى لصرح جديد من صروح الطب والعلم والخير النادرة وسط غيطان الريف المصرى! وقد كانت مدينتى «المنصورة» تُمطر فى ذلك الصباح وأنا أتهيأ للقاء الدكتور غنيم فى مكتبة بالمبنى (F) الممتد من المبنى القديم الذى مضى على افتتاحه أكثر من ثلاثين عاماً وظل جديداً، بفضل الصيغة الإدارية والتنظيمية المتطورة التى أُقيم على أساسها، وحضور مؤسِّسه، وإرادة تلاميذه الذين تسلموا منه مسؤولية إدارة المكان تِباعاً، وأثبتوا أنهم أمناء على ما تسلموه مبنىً ومعنىً، الأساتذة الدكاترة: أحمد بيومى شهاب الدين، حسن أبوالعينين، أحمد شقير.
1_مكان نظيف حسن الإضاءة:
لحسن الحظ توقف المطر فى وقت مناسب لخروجى، ولاحظت أن ركام الأتربة التى لفتت نظرى كثيفة على أرصفة وأسفلت شارع الجامعة، فى أرقى مناطق المدينة، قد تحولت بفعل المطر إلى بِرك كان علىَّ أن أتجاوزها لملاقاة أستاذى بما يليق بمكانته فى نفسى، والدكتور غنيم بالمناسبة، ورغم تلقائيته وتواضعه المذهلين، رجل أنيق فى بساطة بديعة ورفيع الذوق فى كل شأن، فى مظهره كما فى عمله، وهو ما ينطق به مركز الكلى الذى أسسه على عينه، ومكتبه الذى يباشر فيه البحث فى مجال الخلايا الجذعية المُعالِجة لمرض السكر، وقد قطع فيه شوطاً مرموقاً حظى بالنشر فى أكثر من دورية علمية مُحكَّمة، لكنه كرجل علم يرفض تماماً أن يتحدث عن سعيه إلا بعد اكتمال مراحل البحث والتحقق. «مكان نظيف حسن الإضاءة»، وجدتنى أستعير عنواناً من عناوين قصص هيمنجواى، فى داخلى، لأصف به ذلك المكتب، والمركز كله، حيث تتناثر أصص النباتات والزهور فى كل الأركان، وعلى الحوائط لوحات شدنى أسلوب عدد منها، حسبتها لفنان مصرى أو عالمى شهير، وأدهشنى أنها لفنانة محلية مغمورة اكتشف موهبتها الدكتور غنيم، وتبيَّن أنها مُدرِّسة «أشغال» تُربِّى أولادها بعد وفاة زوجها، فاقتنى عدداً من لوحاتها إيماناً بتميزها الفنى وتقديراً لكفاحها الإنسانى، لتزين مع غيرها مكتبه وردهات المبنى إضافة للنباتات والزهور. رؤية جمالية متكاملة فى مستشفى حكومى مصرى!
ما إن أدرت ظهرى لزحام وضوضاء وبِرك شارع الجمهورية، الذى كان كورنيش نيل المنصورة الجميل سابقاً، ودخلت من بوابة «مركز أمراض الكلى والمسالك البولية» حتى وجدتنى فى عالم مختلف تماماً، حديقة مؤنَّقة يتوسطها مبنى المركز الأشهب المشرق الجميل. مضيت متمهلاً فى الطريق الهابطة بنعومة ونظافة، ثم توقفت مستديراً أُمعن فى المنحدر الأخضر المحفوف بمرج من الزهور الحُمر والمرشوق ببضع سوامق من النخيل الملكى البديع، ذكرى تم الحفاظ عليها من المكان الذى كان حديقة «شجرة الدر» الباسقة، بأشجارها وزهورها وطيورها وبِرْجولة «كشك الموسيقى» الذى كانت تنتهى إليه فرقة موسيقى الشرطة النُّحاسية بعد أن تطوف بعزفها وانتظام صفوفها وخطوها شوارع المدينة الرئيسية. أتنهد حانياً على الذكرى، لا مُتحسِّراً، فالحديقة ظلت رغم تغيرات المكان حديقة، ليس فقط بكَمِّ الخضرة والزهور المحيطة بمبنى المركز وفى داخله، ولكن أيضاً بتلك النداوة وذلك العبق الإنسانى الفريد الذى يقدم به المركز أرقى خدمة طبية ـ عالمية المستوى ـ فى مجال تخصصه للمصريين، دون تفرقة بين وزير وخفير. حديقة طبية غنَّاء، وغنية بعلمائها الذين صاروا علامة مسجلة مرموقة بين أقرانهم فى كل الدنيا. فماذا عن حريقها فى الأول من يونيو2006؟
أسأل فأعرف أنه فى نحو الساعة السادسة صباحاً من ذلك اليوم حدث ماس كهربائى فى موتور بقاعة الغلايات ببدروم المركز وانفلات أحد الصمامات مع تناثر كمية من الوقود على الأرض فاشتعلت، وعلى الفور دوت صفارات إنذار الحريق فى جميع أرجاء المبنى، لم يهرب الفنيون والعاملون المناوبون ولم يتقاعسوا بل تصرفوا بإقدام ويقظة، أقفلوا منابع الوقود فى خزان مجاور للنيران ممتلئ بأطنان من السولار كانت كافية لإحراق حى الجامعة كله لا مبنى المركز فقط، وانتقلوا إلى إجراءات الطوارئ بسرعة وكفاءة، ورغم أن الوقت كان مبكراً، إلا أن سيارات إطفاء المدينة هرعت إلى المركز ووصلت فى وقت قياسى، وتم إخماد الحريق، وبموازاة ذلك جرت على وجه السرعة والدقة ملحمة إنقاذ طبية لإخلاء 140 مريضاً بالقسم الداخلى و17 مريضاً بالعناية المركزة. بعضهم نُقل إلى مستشفى الطوارئ، وكثيرون نُقلوا إلى الفرع الجديد للمركز بقرية «منية سمنود» التى تبعد حوالى عشرين كيلومتراً عن المنصورة. وهنا يليق بنا التوقف والانتباه، فهذا الامتداد الجديد للمركز فى «منية سمنود» كان هدفى المُحدد من الزيارة، لأنه ينطوى على قيم توسَّمْت منذ عرفت بقصته الاستثنائية أنها قيم مُلهِمة للخروج من مآزق كثيرة نعانى منها، خاصة وقد مضت على إنشائه أكثر من عشر سنوات لم تنتقص ذرة من تألقه، أو الانتظام والجودة الفائقة فى أدائه!
٢_ قطعة من أوروبا فى ريف مصر
تشرفت فى هذه الزيارة بأن أكون مصاحباً للدكتور غنيم، الرائد المؤسِّس، وقد أخبرنى قبل أن نتحرك بأن هناك طريقين إلى المركز بمنية سمنود، أحدهما عبر طريق رئيسى والثانى فرعى بين الحقول وخلال القرى، وكان أن ذهبناـ لتلهفى إلى الرؤيةـ عبر الطريق الرئيسى، ثم عدناــ بعد أن رأيت وتيقنت- من الطريق الفرعى خلال الغيطان والقرى، عندئذ شاغلنى عنوان أولىّ لما سأكتبه هو «قطعة من أوروبا فى ريف مصر»، فما رأيته، كان قطعة راقية من أوروبا بالفعل، استحضرها مصريان راقيا الحس مُستيقظا الضمير، والتف حول إرادتهما الخيِّرة والنيِّرة جمع من ذوى الخبرات المحلية حوَّلا الإرادة إلى مأثرة طبية حضارية نادرة. أحدهما يصعب إخفاء اسمه لأنه الطبيب العالِم الدكتور محمد غنيم، والثانى مهندس ورجل أعمال خيِّر ونظيف اليد، اختار ألا ترى يسراه ما تقدم يمناه ولا يحب حتى أن يُذكر اسمه فى هذه المأثرة، بالرغم من أن ما قدمه لإنشاء وتجهيز هذا الصرح الصحى البديع يُقدَّر بعشرات الملايين، ولايزال يُقدِّم. والحكاية بإيجاز أن هذا الرجل وهو مهندس من رجال الزراعة والصناعة المصريين الناجحين عالمياً، من أبناء الدقهلية، عندما تعرَّف على الدكتور غنيم أسرَّ له أنه يريد أن يقدم شيئاً نافعاً للناس على غرار مركز الكلى فى المنصورة، وبصراحته المعهودة وشروط ذوقه وضميره العلمى والإنسانى قال له الدكتور غنيم: «لكن هناك شروطاً ومُحددات لا يمكن التنازل عنها فى ذلك وهى تكلف كثيراً»، وأجاب رجل الزراعة والصناعة الوطنى المصرى بيقين مستقر وضمير مستريح: «وأنا مُستعد»!
اشترى الرجل قطعة الأرض التى سيقام عليها المشروع، وبدأ الإنشاء بخبرات مصرية خالصة من مهندسين ومقاولين وفنيين وعمال، كانوا قد اكتسبوا الخبرة العالمية فى إنشاء المستشفيات من تجربتهم فى إقامة مركز الكلى الرئيسى فى المنصورة، الذى صممه وأشرف على تنفيذه الخبراء الهولنديون ضمن المنحة التى قدمتها بلادهم للمصريين، وقد استقل المُنفِّذون المصريون بخبرتهم المكتسبة ونَمُّوها أكثر وأفضل خلال عمليات صيانة المركز الأم وتشييد امتداداته. هنا صار التصميم والتنفيذ مصريين خالصين. ويذكر الدكتور غنيم على سبيل المثال فى هذه المأثرة أن مقاولاً محلياً هو الحاج محمد بسيونى، وعلى عكس المعتاد من أغلب المقاولين، كان يأمر بهدم ما تم بناؤه ويُعيد تشييده إذا لم يكن مطابقاً لدقة وسلامة وجمال التصميم، برغم ما يُجشمه ذلك من خسائر مادية. إنها روح مختلفة، روح صادقة حقيقية شملت هذا الصرح منذ نشوئه. وكان ذلك شأن مئات العاملين فى هذا الإنجاز الذى افتُتِح فى العام 2003، ولايزال ـ كما رأيته ــ جديداً وجميلاً كأنه افتُتِح للتو، صرح طبى يضارع أى الصروح الطبية المتميزة فى أوروبا، وقد كان الدكتور غنيم جاداً وهو يمازحنى عند ارتدائنا الثياب المعقمة على أعتاب منطقة العمليات: «من الآن ستكون فى قلب ألمانيا»، وقد رأيت منطقة عمليات أرقى ما يكون حقاً، ابتداء من قاعة التعقيم فالمعامل المُلحَقة كاملة التجهيز وأدوات التشخيص المتقدمة المتنقلة وغرفتَىْ العمليات المبهرتين، وكل ذلك بتركيز لطيف، وبحشد خلَّاق لآخر ما وصلت إليه التكنولوجيا الطبية الألمانية. كان ذلك يعنى ملايين إضافية للتجهيز دفعها المانح راضياً مرضياً، ولايزال يرفض أن يُذكر اسمه فى هذه المأثرة!
أدهشنى سلوك هذا الرجل الاستثنائى، فسألت الدكتور غنيم عن كُنهه: هل هو وازع دينى، أخلاقى، أم ماذا؟ وكانت الإجابة هى مفتاح أحد أهم أسرار التفرُّد فى هذا الإنجاز بالمواصفات الراقية فنياً وجمالياً ومهنياً التى تجمعت فيه. أضاف الدكتور غنيم إلى البعدين الدينى والأخلاقى اللذين لا يمكن تجاهلهما فى مانح هذا شأنه لمشروع هذه مواصفاته: «الثقافة»! ولما رأى دهشتى تتزايد، أوضح قائلاً عن هذا الرجل: «إنه من أفضل العارفين بالتاريخ المصرى الحديث وفى بيته القريب مكتبة ضخمة وهو قارئ جيد جداً». وقد سألنى الدكتور غنيم ونحن فى طريق العودة إذا ما كنت أرغب فى زيارة الرجل فى بيته الذى يلوح قريباً عبر الحقول؟ ففضلت أن أُرجئ ذلك إلى فرصة أخرى، بينما كنت أقرر فى سرِّى أن أحمل للرجل فيها ما يُعبِّر عن امتنانى الإنسانى والحضارى له: كتاباً عن الزَّهرة التى صنعت دولة من أرقى دول العالم، هى بالمناسبة «هولندا» التى كانت المانح الإنسانى والحضارى للمركز الأم فى المنصورة، فثمة خيط واصل بين نسيج حضارة هذه الدولة الأوروبية وتحضر هذا المصرى، كلاهما مانحٌ بلا منٍّ ولا سلوى، إنها الثقافة. فماذا تفعل الثقافة، وما الذى يترتب على وجودها فى قلب أى إنجاز؟
3_الثقافة والرؤية الجمالية:
الإحسان الدينى مفهوم، والإحسان الأخلاقى أيضاً مفهوم، أما الإحسان المُثقَّف، فهو أمر يذهب بنا إلى مبنى ومعنى الثقافة، فالثقافة بجذرها اللغوى العربى، هى الصقل والإرهاف لأسنّة الرماح حتى تشق الهواء بيسر وتصيب أهدافها بدقة، وهى فى اللغات الأوروبية معظمها ترتبط بجذر كلمة الزراعة المشتملة على الحرث والبَذْر والرى والرعاية ومن ثم الاخضرار فالسموق فالإثمار. الثقافة إذاً هى مجاهدة للتسامى تشبه الجهد الإنسانى فى الزراعة التى تستخرج أبهى الألوان وأحلى الطعوم من عتمة التربة وبلل الطين. هنا يكون الجمال شرطاً من شروط المثقف فى إحسانه، ويكون هذا الجمال هادياً له فى مساعيه الحياتية، عملاً ومعاملة، حتى فى العمل الوطنى، بل حتماً فى العمل الوطنى بكل تجلياته، ولعل عبارة ــ أظنها للعقاد ــ عبَّرت عن ذلك بأبلغ وأوجز ما يكون عندما أنشد: «علمنى كيف أحب الزهرة، أحب الوطن». لهذا كان تفكيرى فورياً فى أن أهدى الرجل كتاباً عن تلك الزهرة التى صنعت وطناً عندما أزور بيته ومكتبته بين الحقول.
الجمال، الدقة، الرقى، الإتقان، الرحمة، الإخلاص فى الأداء، كلها شروط لإنجاز مستشفى فى حديقة أو مستشفى هو حديقة، تَحقَّق هذا ولا يزال فى مركز الكلى الرئيسى فى المنصورة، ورأيته يتكرر فى امتداد هذا المركز فى قرية منية سمنود. لقد بدأ كلاهما بالإحسان المُثقَّف لدى الطبيب العالِم المؤسس كما لدى الرُعاة والمانحين فى الحالتين، وهو «إحسان فى الإحسان»، سرعان ما يُكرِّس لسلوك راق ومنضبط ومغاير للعشوائية والفساد والتخلف والرخاوة والاستغلال والإهمال فى المجتمع المحيط، هنا يصبح العمل فى مرافق هذا شأنها ملمحاً للكرامة الشخصية لدى المرتبطين به والمنتسبين إليه، وهذا ما يفسر الفارق بين نتائج حريقى مركز المؤتمرات ومجلس الشورى الكارثيين وحريق مركز الكلى الذى سرعان ما تم لجمه واستيعاب آثاره، حيث كان مستشفى منية سمنود جاهزاً ومؤهلاً بالقيم ذاتها، علماً بأن مركز الكلى فى المنصورة كما امتداده فى منية سمنود هما كيانان تابعان للدولة، فالمانح قد تنازل منذ البداية للدولة ممثلة بكلية الطب جامعة المنصورة عما قدمه كله، كون المركز تابعاً للجامعة وكلية الطب، وهو رغم استمرار عطائه لامتداد المركز، فى صمت، لا يظهر به سوى فى إفطار جماعى فى شهر رمضان يشارك فيه العاملون.
4_جزء من كرامتهم الشخصية
روح الإحسان فى الإحسان هذه مُعدية، تصيب بتساميها كل من يعمل فى مرافق أُسِّست بهذه الروح، وأَسَّست بالتالى نسقاً من السلوك الأرقى فى العمل يتحول إلى مكوِّن رئيسى فى الشعور بالكرامة الشخصية، الكرامة الإنسانية، والاعتزاز بالذات داخل منظومة تحترم التفانى والإخلاص، وهنا أفهم لماذا التهمت حرائق مجلس الشورى ومركز المؤتمرات ما التهمت، بينما أُخمدت نيران حريق مركز الكلى عام 2006 فى مهدها، فإضافة إلى أن المنظومة جيدة التخطيط كانت متيقظة وتعمل، تألقت المبادرات داخل هذه المنظومة متى ما لاح الخطر، فقد اندفع المهندسون والفنيون والأطباء والتمريض وكل العاملين فى المركز كما أجهزة الدفاع المدنى فى المنصورة، وبأداء جماعى منظم ويقظ لمواجهة الخطر المُهدِّد للمكان الذى يعتزون بالعمل فيه ويمثل مكوناً مهماً من عزتهم الشخصية، قطعوا تمادى ألسنة النيران، وفى الوقت ذاته تم إجلاء كل المرضى بسلاسة ودقة إلى مواقع آمنة ومناسبة لحالاتهم كمرضى، ولم تمض أيام حتى استأنف المركز خدماته فى العيادة الخارجية ـ الجديدة أيضاً ــ ومستشفى الطوارئ و.. امتداد المركز فى منية سمنود! وكأن الضمير الحى والمثقف الذى تأسس على إحسانه هذا الامتداد قد أعدَّت له الأقدار دوراً مستقبلياً مُنقذاً للحياة عند اشتعال الحريق فى المركز الأم، لينال ثواب وشرف الإغاثة حين وجبت الإغاثة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟! هكذا تقاوم الحدائق الحرائق.