قبل ساعات، أجرى وزير الخارجية الأردني، ناصر جودة، زيارة مفاجئة إلى إيران أنهى بها غياباً دام ثماني سنوات. وقف جودة في طهران متحدثاً عن «وحدة الدول الإسلامية وتماسكها» وعن ضرورة الحوار مع أشقائنا الإيرانيين في المسائل الإقليمية لمواجهة «العنف والتطرف وعدم الاستقرار».
لم تتضح بالكامل الدوافع الفعلية لزيارة جودة. لكن لا يمكن فصلها عن لقاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري نظرائه الخليجيين الأسبوع الماضي لتطمينهم إلى تبعات الاتفاق النووي المرتقب بين إيران والدول الست الكبرى.
وإذا كانت للأردن علامة مميزة في سياساته الخارجية، فهي حاسته الفائقة لالتقاط اتجاه الرياح الإقليمية والدولية، وهي لم تخطئ تقريباً سوى مرة واحدة في مطلع التسعينيات حين أيد غزو صدام حسين، حليفه الإقليمي الأبرز آنذاك، للكويت.
ويبدو أن هذه الحاسة التقطت اتجاه الرياح الدولية المواتية لطهران، فقررت عمان ممارسة هوايتها التاريخية في جمع الأضداد، لتبحث عن موطئ قدم في إيران تحسباً للاتفاق النووي في حال إتمامه، مع إبقاء القدم الأخرى في الحلف الذي تقوده السعودية. وربما كان الأردن راغباً بلعب دور وساطة بين المعسكرين.
لكن الأردن لم يكن اللاعب العربي الوحيد الذي تحرك باتجاه إيران. فخلال الأيام الماضية، أرسلت القاهرة إشارات عدة إلى طهران، أولها تتويج تقارب موقفي البلدين في سوريا بتحرك لسحب مقعد دمشق في الجامعة العربية من «الائتلاف الوطني السوري» المعارض خلال القمة المقررة نهاية الشهر في شرم الشيخ، باعتبار أن استمرار المعارضة في تمثيل سوريا "يخالف أولوية الحل السياسي" لدى مصر.
ثم جاءت الإشارة الأكثر وضوحاً باستقبال مصر زعيم حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية المعروفة بعلاقاتها القوية والقديمة مع إيران رمضان شلح، وإعلانها فتحاً جزئياً لمعبر رفح "استجابة" لوساطة حركته، لتتوّج أمارات كسر الجليد بين القاهرة وطهران.
وإذا أضفنا أن الإعلان الأخير جاء في وقت تتحدث مصادر عن زيارة قريبة لزعيم حركة "حماس" خالد مشعل إلى الرياض، مهّدت الطريق لها وساطة تركية، سيتضح أكثر فأكثر سياق إشارات التقارب المصرية مع إيران، وإن لم يتضح مداها.
ففي ظل الإشارات المتتالية على تراجع قوة الحلف المصري - السعودي، يبدو أن القاهرة توسع هامش مناورتها إقليمياً بالتحرك باتجاه طهران، مستفيدة من السيولة الحالية للأوضاع في المنطقة وخلط الأوراق الذي أتاحته الحرب على الإرهاب بجمعها الفرقاء الإقليميين ضد "داعش".
كما أن الاتفاق النووي - إذا تم - سيزيل العقبة الأكبر التي عرقلت المحاولات السابقة لاستعادة العلاقات بين القاهرة وطهران، وهي ممانعة واشنطن، ما سيفتح الطريق أمام تقارب مع لاعب إقليمي مهم تحت المظلة الأمريكية التي لم تخرج منها سياسة مصر الإقليمية منذ سبعينيات القرن الماضي، رغم محطات التباين.
يعني هذا أن تكلفة التقارب مع إيران بالنسبة إلى مصر ستصبح أقل كثيراً مما كانت عليه، ولن يصطدم سوى بممانعة سعودية وتململ إسرائيلي يعتمد على المدى الذي ستذهب إليه هذه العلاقات. فحتى الإمارات - الحليف الإقليمي الأقرب حالياً إلى النظام المصري - لا تزال محافظة على موقعها باعتبارها الشريك التجاري الأكبر لإيران عربياً وبوابتها لتخفيف آثار العقوبات الدولة، رغم أزمة الجزر الثلاث بين البلدين.
ويحمل التقارب مع إيران في طياته وعداً بفرص اقتصادية كبيرة بعد رفع العقوبات الدولية عنها إذا تم الاتفاق النووي، إضافة إلى احتمال تلقي نفط بتسهيلات من العراق المنضوي تحت عباءة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، ما قد يعوض الدعم السعودي الآخذ في التراجع.
لكن إلى أي مدى ستذهب القاهرة في اتجاه التقارب مع إيران؟ تبدو الإجابة على هذا السؤال رهن عاملين، أولهما مستوى الدعم السعودي في المؤتمر الاقتصادي الذي تستضيفه شرم الشيخ يوم الجمعة، باعتباره مؤشراً لالتزام الرياض بمستقبل تحالفها مع القاهرة، وثانيهما نجاح إتمام الاتفاق النووي في يونيو المقبل بوصفه الضوء الأخضر الدولي للانخراط مع طهران.
وإذا استمرت العلاقات المصرية - السعودية على تراجعها، فربما يلحق سامح شكري بناصر جودة أقرب مما نتصور.
تويتر: @mohamedhani