الابتذال.. عدوى انتقلت من الغناء والسينما إلى الدراما

كتب: محسن حسني الإثنين 20-09-2010 15:42

يبدو أن عدوى الابتذال فى لغة الخطاب الفنى انتقلت من الأغانى والسينما لتصيب الدراما التليفزيونية، فبعد أن كانت المسلسلات تحظى بمعاملة خاصة من المبدعين لكونها داخل كل بيت ويشاهدها كل الأسر بمختلف فئاتهم العمرية، أصبحوا يتعاملون معها بنفس منطق تعاملهم مع السينما ورفعوا لأنفسهم سقف الكتابة وتركوا للرقيب مهمة تصنيف الأعمال طبقا للفئات العمرية التى يمكنها مشاهدة الأعمال مثلما يحدث فى الخارج، لكن المشكلة أنه لا الرقباء التزموا بوضع تصنيفات عمرية ولا المبدعون التزموا بالكتابة بطريقة مسؤولة، والنتيجة كانت زيادة جرعة الابتذال فى الجمل الحوارية وتمثل هذا فى تبادل الفاظ السباب والشتائم والحديث بجرأة فى أمور جنسية فى العديد من الأعمال أبرزها «العار» و«الكبير أوى» و«زهرة وأزواجها الخمسة».

العديد من الملاحظات الرقابية أعلنت عنها منى الصغير مسؤولة الرقابة بالتليفزيون المصرى بخصوص ألفاظ خارجة تضمنتها تلك المسلسلات وغيرها ومنها شتائم صريحة وبعض الجمل الحوارية الجريئة التى تناولت ليلة الدخلة بتفاصيلها والحديث فى مسلسل «العار» عن تأثير أكل الفراخ البيضاء على الخصوبة وضعف القدرة الجنسية وبرغم الحذوفات التى أجراها التليفزيون فإن كماً أكبر سمعناه كمشاهدين وهو الأمر الذى أثار حفيظة علماء الاجتماع.

تقول الدكتورة ثريا عبدالجواد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية: ما يقدم حاليا هو انعكاس لعصر يخلو من القيم الراقية أو هو حالة من النفاق والاستسهال والغثيان الذى نعيشه، وللأسف يتعامل معظم المؤلفين مع المسألة بمنطق التكسب ومجاراة السائد دون تفكير ولا أستبعد أن تكون دراما التليفزيون نوعا من أنواع غسيل الأموال لأن الملايين تراق فيها كما تراق مياه الصرف الصحى والعائد من الإعلانات لا يغطى هذه الملايين، أقصد أن المنظومة ككل بها شبهة فساد، فماذا ننتظر من ورائها غير الهبوط والتدنى والتراجع للخلف.

وطالبت الدكتورة ثريا بمحاكمة المسؤولين عن هذه المهازل –على حد قولها– بدءا من أنس الفقى، وزير الإعلام وفاروق حسنى، وزير الثقافة، وأسامة الشيخ، رئيس الاتحاد، وقالت: هذا الهلس الذى رأيناه وسمعناه لا يجب أن يمر علينا مرور الكرام، لأن سكوتنا سيعنى بالنسبة لهم التمادى فيما يفعلونه، نحن لا نقيد الإبداع ولا نطالب بوجود رقابة ولكن نطالب المبدعين بأن يشعروا بالمسؤولية حين يكتبون حواراتهم ولأننا لا نستطيع إلزامهم بهذا وكل واحد حر فيما يكتبه فنحن نستطيع أن نلزم المسؤولين بعدم عرض هذا الابتذال والاكتفاء بعرض الأعمال التى تتمتع بلغة راقية، والحقيقة أن هناك أعمالاً كثيرة كانت جيدة أذكر منها «الجماعة» و«سقوط الخلافة»، لكن الأعمال ذات الحوار المتدنى كانت أكثر، والغريب أن الجرائد تنشر عن حذوفات الرقابة ثم نرى ونسمع كل هذا الابتذال، ويبدو أن الرقيب يحذف لأسباب سياسية وليس لأسباب أخلاقية، وكان ينبغى عليه حماية أخلاق المجتمع وإتاحة حرية سياسية أكبر.

وقالت الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة القاهرة: الابتذال لم يكن فقط فى الجمل الحوارية وإنما أيضا فى الإيماءات والحركات الجسدية، وهذا الانفلات أعتقد أن له علاقة بجذب المشاهد والإعلان بطريقة رخيصة ومبتذلة، بينما الاعتبارات الفنية لم تعد ضمن أولويات القائمين على تلك الصناعة مع الأسف الشديد وكأن المشاهدين من الحشاشين والسوقة والمتدنيين، وهذه اللغة كانت منتشرة فى المسارح المصرية فى فترة الاحتلال، لكنها تحسنت فى الستينيات، ويبدو أنه قد تسلمتنا عصابة من أصحاب المصالح وأفسدت ثقافتنا مثلما كان يفسدها الاحتلال، وكل همها جذب الإعلان ولو بأرخص الطرق.

وأكدت الدكتورة هدى أن الإعلام كان ينبغى أن يكون له دور تربوى إيجابى، وقالت: الإعلام حاليا «لا يرحم ولا يسيب رحمة ربنا تنزل» لأنه يؤثر سلبا فى تربية النشء لدرجة أن حارس العقار عندى يغلق التليفزيون أمام أبنائه حفاظا على تربيتهم وهذا مؤشر خطير.

وقال الكاتب يسرى الجندى: تزايد الابتذال فى دراما رمضان جزء منه انعكاس للواقع، وللأسف تراجعت كل أشكال التعبير الفنى، حتى فى المسرح والسينما والغناء والمشكلة أنها تجد متلقياً لها ينصت إليها ويتأثر بها، والمجتمع كله يعانى خللا فى ثقافته لكن هذا لا يعفى المبدع من المساءلة والمحاكمة إذا تضمن عمله ابتذالا، لأن الفنان دوره أن يعبر عن انحطاط أى شخصية وقبح واقعها بشكل جمالى لا يثير حفيظة المشاهد، وهذا هو دور الفن، لكن للأسف هناك دخلاء وهناك غير محترفين يقعون فى فخاخ النقل بالمسطرة من الواقع ومن الشارع مما يعنى نقل الابتذال من الشارع إلى الشاشة.

وقال المؤلف أحمد أبوزيد: لم نصل فى الدراما لمساحة الحرية التى يتمتع بها مؤلفو السينما، وإن كان هناك ابتذال فى المسلسلات فالابتذال فى السينما أكبر، ونحن لا نستطيع أن نمسك ألسنة الناس، فلو أن البطل بلطجى وفى مشادة مع شخص فى الشارع فبالتأكيد سوف يسبه بألفاظ نابية لكننا كمؤلفين نستبدلها بألفاظ أقل حدة حتى لا تؤذى إذن المشاهد لأن الفن مرآة بها فلتر يراعى تشكيل وعى أجيال تشاهد تلك الأعمال.

وتعجب أبوزيد من موقف الرقيب الرافض لتصنيف الأعمال طبقا للفئات العمرية كما يحدث فى الخارج، وقال: أكثر مما عندنا يقال فى الأعمال الأجنبية ولكنهم يضعون تصنيفات على الأعمال طبقا للشرائح العمرية بدلا من الاعتراض على ما يكتبه المؤلفون.