ليليان داوود فى وطنها الثانى رغم أنف الحاقدين

سعد الدين ابراهيم الجمعة 06-03-2015 21:08

اندهشت وانزعجت من الحملة التى شنها بعض الإعلاميين والإعلاميات من الدرجة الثانية على الإعلامية العربية المتميزة ليليان داوود.

لقد عرفت ليليان داوود من خلال مُقابلتين حواريتين فى موضوعات حيوية، مصرياً وعربياً وعالمياً. وأبهرتنى لقيامها بالبحث المُتعمق مُسبقاً لموضوع الحوار، ولشخص من تتحاور معه، واختيارها لكل سؤال بدقة، ومُحاصرة من تحاوره دون تجاوز أو إسفاف. لذلك كان الحوار معها غاية فى البهجة والمُتعة.

ولا أذكر من مئات من حاورونى إعلامياً من هو- أو هى- أقدر من ليليان داوود. هذا علماً بأن بين أولئك الذين حاورونى، أشهر إعلامى أمريكى خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضى، وهو والتر كرونكايت (Walter Cronkite) من أكبر شبكة أمريكية، وهى CBS، وأشهر إعلامية بريطانيةـ أمريكية كيرستيان آمانبور (Christian Amanpour) من أكبر شبكة عالمية، وهى CNN. وفى حالة والتر كرونكايت كان الحوار خلال تغطيته المُتميزة لرحيل وجنازة الرئيس الأسبق أنور السادات. بينما كان حوارى مع كيرستيان أمانبور هو من خلال إدارتها لسِجال جمعنى والمُرشح الرئاسى الأسبق د.محمد البرادعى، وأمين السياسات فى الحزب الوطنى، المهندس أحمد عز.

وأشهد أن ليليان داوود كانت فى نفس مستوى كل من كورنكايت وأمانبور، إن لم تكن أفضل. إن لهذه الشهادة فى حق ليليان سابقة فى حق شخصية عربية مُبدعة أخرى، فى أواخر سبعينيات القرن الماضى، وهو الشاعر الأشهر فى زمانه نزار قبانى. فقد كان لنزار قبانى، السورى المولد، موقف مُعارض لمُبادرة ومُعاهدة السلام، التى قام بها الرئيس الراحل أنور السادات. وعبّر عن هذا الرفض كتابة وشعراً فى حينها. كان نزار قبانى الذى قد عاش سنوات طويلة فى مصر، وعشقها وكوّن فيها صداقات عديدة منذ سنوات الوحدة المصرية ـ السورية للجمهورية العربية المتحدة. ولم يكن موقفه من مُعاهدة كامب ديفيد، يختلف كثيراً عن موقف عديد من المُثقفين العرب، ومنهم كاتب هذه السطور سعد الدين إبراهيم.

ومع ذلك ظل نزار قبانى يتجنب زيارة مصر فى حياة الرئيس السادات، رغم عشقه وشوقه الشديد لها ولأصدقائه ومُعجبيه من أبناء شعبها.

ولكنه بعد رحيل الرئيس السادات بعدة شهور، جاء لزيارة مصر، التى كان يحتفظ فيها بمسكن له فى حى الزمالك. ومثلما يحدث مع ليليان داوود، الآن انبرى شُعراء ومثقفون من الدرجة الثانية فى الهجوم على نزار، ومُطالبته بالرحيل عن أرض الكنانة.

وكقومى عربى وحدوى، لم أطق ذلك الهجوم على شاعر عربى مُبدع ومُحب لأرض الكنانة. فكتبت مُدافعاً عن نزار قبانى، وحقه وحق أى عربى فى أن يُعبّر عن رأيه فى أى قضية تهم العرب أجمعين، وكذلك حقه فى اللجوء إلى مصر. ومما قلته فى ذلك الحين إن لكل عربى وطنين، وطن مولده، ومصر كوطن ثان.

وإننى أقول نفس الشىء للإعلامية القديرة ليليان داوود. إن لك وطنين، وطن مولدك لبنان، ومصر كوطن ثان. وأقول للإخوة المصريين وللأخوات المصريات، إن بلدهم كان دائماً مِضيافاً لكل من وفد أو لجأ إليه، حتى من أحاد الناس، ولكنه كان أيضاً حاضناً وكريماً مع مُبدعى الأمة العربية جمعاء. ولنتذكر معاً أن هؤلاء المُبدعين والمُبادرين قد أغنوا مصر، ثقافة، وفناً، واقتصاداً.

ولنتذكر فى هذا الصدد أن مؤسسى الصحافة الحديثة فى مصر، وفدوا إليها من سوريا ومن لبنان. ومنهم مؤسسو دار الهلال، التى أصدرت مجلات المصور، والكواكب، وكُتب الهلال، وروايات الهلال، وترجمات عربية للأعمال الأدبية العالمية ـ الإنجليزية والفرنسية والروسية والإيطالية. وهما الأخوان جورجى وإميل زيدان. ونفس الشىء ينطبق على أقدم وأكبر وأشهر صحيفة يومية عربية وهى الأهرام، التى أسّسها الشقيقان اللبنانيان بشارة وسليم تقلا.

فإذا تركنا الصحافة إلى نشاط ثقافى فنى آخر، وهو المسرح، سنجد أيضاً أنه كان بين أفراد الرعيل الأول من مؤسسيه ونجومه، لبنانيون وسوريون، مازلنا نستمتع بفنهم فى الأفلام القديمة، الأبيض والأسود، مثل بشارة واكيم، ونجيب الريحانى، وأسمهان، وفريد الأطرش. بل إن أشهر نجومنا السينمائيين عالمياً، وهو عُمر الشريف، من أصول لبنانية. وكذلك أشهر مُنتجة سينمائية فى القرن الماضى، وهى آسيا جبار.

فيا عزيزتى ليليان داوود، لا تكترثى بمُضايقات الصغار، ومُماحكات أنصاف الموهوبات. ولتعلمى أن مصر وطنك مثلما لبنان الحبيب. وأهم من هذا وذاك أنك قد حفرت لنفسك وطناً فى قلوب الملايين من المصريين، الذين يُتابعونك بحُب وبشوق وإعجاب على فضائية On Tv. وحسناً، فعل مُدير القناة ألبرت شفيق، وصاحبها نجيب ساويرس بتجديد ثقتهما فيك، ونصيحتهما لك بألا تهتمى بالصغائر والصغيرات، وأن تظلى على تألقك الشخصى والمهنى.

وعلى الله قصد السبيل

semibrahim@gmail.com