منذ انتخابه رئيسا لتركيا تكثفت الملاحقات بتهمة «إهانة» رجب طيب أردوغان في تركيا، وشملت صحفيين وفنانين أو حتى مواطنين عاديين، لكن المعارضين لنهجه يؤكدون أنها دليل على تسلطه.
والمحاكمة التي تفتح، الجمعة، في قونية (وسط) تثبت الأسلوب القضائي الجديد، الذي فرضته في الأشهر الماضية الحكومة الإسلامية المحافظة، التي وصلت إلى سدة الحكم في تركيا في 2002.
وفي قفص الاتهام طالب وناشط يساري (16 عاما) متهم بوصفه علنا الرئيس التركي، الذي طالته فضيحة سياسية-مالية قبل عام، بأنه «زعيم عصابة لصوص». وقد يتعرض لعقوبة السجن حتى أربع سنوات لإهانة الرجل القوي في تركيا.
وأثار اعتقاله في مدرسته وإيداعه السجن في ديسمبر موجة استياء عارمة أرغمت النظام، الذي ينتقد بانتظام لمساسه بحرية التعبير، على الإفراج عنه.
وقالت إيما سنكلير-ويب، من منظمة «هيومن رايتس ووتش»، إن «لتركيا ماضيا حافلا في مجال إطلاق ملاحقات قانونية بتهمة التشهير»، لكن «سجن أشخاص بتهمة الإهانة يشكل نزعة جديدة مقلقة غير مسبوقة في العقد الماضي».
وفي الأشهر الأخيرة تضاعفت هذه الخطوة، إذ أن كل كلمة أو مقالة أو تغريدة تنتقد أردوغان قد تجعل صاحبها يمثل أمام القضاء.
وفي اسطنبول، يلاحق سان دوندار، الصحفي في صحيفة «جمهورييت» المعارضة، لنشره مقابلة مع مدع تمت إقالته اليوم، بعد أن اطلق تحقيقا لمكافحة الفساد ضد السلطة. وقال دوندار «التواجد في المحكمة بات جزءا من طبيعة مهنتنا».
وفي إزمير (غرب) تم القبض على طلاب بعد أن هتفوا خلال تظاهرة «أردوغان لص». كما أن ملكة جمال تركيا السابقة مروة بويوكسراتش تواجه عقوبة بالسجن بتهمة إهانة أردوغان عبر مشاركة قصيدة تسخر منه على حسابها على تويتر.
وقالت سيبلا ارتشان، المسؤولة عن الجمعية التركية لحقوق الإنسان: «أنا منذ 20 سنة ناشطة للدفاع عن حقوق الإنسان ولا أتذكر فترة اسوأ لحرية التعبير في تركيا».
ومعظم هذه الملفات فتحت بموجب المادة 299 في القانون الجنائي التركي، الذي يحكم بعقوبة قصوى بالسجن أربع سنوات على أي شخص يتهم بـ«المساس بصورة الرئيس».
ومنذ انتخابه في أغسطس، فإن أردوغان المعتاد على الشكاوى بتهمة الإهانة أو التشهير خلال فترة توليه رئاسة الحكومة لـ11 سنة، أعاد إحياء هذا البند الذي كان نادرا ما يستخدم حتى الآن.
وأحصت بنان لونا، المحامية في نقابة المحامين في أسطنبول، 84 ملفا فتحت على هذا الأساس.
وأيد رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو تماما اللجوء إلى المادة 299. وأعلن أخيرا «على الجميع احترام مقام الرئيس»، وبعد الاعتداء على صحيفة «شارلي ايبدو» الفرنسية الساخرة، قال داود أوغلو إن حرية التعبير لا تعني «حرية الإهانة».
والشهر الماضي برر أردوغان بنفسه هذه الدعاوى، مؤكدا أنه يمارس فقط «حقه في الدفاع عن النفس».
وهذه الحجة تثير غضب خصومه السياسيين، الذين ينتقدون أكثر وأكثر «دكتاتورية» الرئيس الحالي ويطالبون بإلغاء المادة 299.
وقال ايكان اكديمير، النائب من حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري، إن «هذه الثقافة السياسية السلطوية التي ترفض الانتقادات تشكل عقبة جدية أمام الحريات».
وفي الخارج أعرب الحلفاء التقليديون لأنقرة عن قلقهم علنا.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية المكلف حقوق الإنسان، توماس ميليا، إن «فكرة تعرض شخص، أكان رئيس تحرير أو طالب في الـ16 أو سائق سيارة أجرة، لملاحقات وحتى السجن للتعبير عن رأيه خلال تجمع أو على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي يطرح مشكلة».
وأحيانا فإن «التجريم» الجديد للحياة السياسية التركية قد ينقلب على مستخدمه الرئيسي.
والثلاثاء، حكمت محكمة على أردوغان بدفع تعويضات قيمتها 10 آلاف ليرة تركية (3500 يورو) لنحات بعد أن وصف إحدى منحوتاته بـ«القبيحة جدا». وكان محامي أردوغان أكد أنه مجرد «انتقاد» لكن القاضي اعتبر أنه يصب في خانة «الإهانة».