غريزة الدين.. البحث عن جينات الإيمان بالله داخل جسم الإنسان

كتب: سها السمان الخميس 21-01-2010 15:53

«قد تجد فى التاريخ مدنًا بلا أسوار، مدنًا بلا ملوك، مدنًا بلا ثروات ومدنًا بلا مسارح، ولكنك لن تجد مدينة دون ديانة أو معبد».. على الرغم من مرور آلاف السنوات منذ كتب المؤرخ الإغريقى بلوتارك هذه الكلمات فإنها لا تزال تشرح ببساطة وإيجاز أهمية الدين فى حياة البشر منذ بداية الخلق حتى اليوم، فالدين يمثل حالة خاصة جدا عند الإنسان، ورغم أن الغالبية العظمى من البشر لديهم انتماء دينى ما فإنهم يتعاملون مع إيمانهم باعتباره من المسلمات على عكس العلماء والمفكرين الذين توقفوا كثيراً أمام هذا السلوك البشرى بسؤال جدلى: هل الإيمان بدين أو إله غريزة فطرية لدى الإنسان أم أنه سلوك اكتسبه من وجوده فى الحياة.

يحاول الصحفى الإنجليزى «نيكولاس واد» فى كتابه «غريزة الدين»  الذى صدر مؤخرا، أن يجمع أكبر مجموعة من آراء علماء النفس والاجتماع بجانب نتائج دراسات علماء الأنثروبولوجيا ليؤكد أن التحليل العلمى للأديان أظهرها ملحمة لاستمرار الجنس البشرى.

حرص «نيكولاس واد» فى بداية كتابه على التأكيد على أنه لا يناقش فكرة وجود الله، لكنه يتحدث عن تطور السلوك الدينى وتطوره فى المجتمعات البشرية الأولى، فهناك نظريتان لتفسير نشأة الإيمان، الأولى تعتمد على مبدأ نشأة الدين بسبب تطور العقل البشرى وتفكيره فى الأشياء الموجودة حوله وتمثل بالنسبة إليه قوة خارقة غامضة مثل الشمس. ويتبنى هذه النظرية مفكرون مثل ستيفن جاى جولد وريتشارد لونتين، أما وجهة النظر الأخرى والتى حاول نيكولاس واد إثباتها فتقول إن البشر يحملون داخلهم ما يسمى «جين الله» ورغم عدم استطاعة العلماء تحديد هذا الجين بدقة فى خريطة جينات الإنسان فإنه موجود ويجذبنا إلى الإيمان بوجود إله منذ خلق الإنسان، وسيظل موجوداً ما دامت المجتمعات البشرية فى حاجة إلى الأمن والتماسك.

ويحاول «نيكولاس» شرح فكرته بعرض تطور العلاقات الإنسانية فى بداية الحياة حين كان الإنسان ينظر إلى الآلهة باعتبارها قوى خارقة للطبيعة البشرية، لديها القدرة والسلطة لمعاقبة الغشاشين والمستغلين، وتجمع بين أفراد أو جماعات لا تربطهم علاقات أسرية إلا أن كلا منهم يتنازل عن جزء من مصالحه الشخصية ورغباته حتى يقوم بواجبات تجاه الجماعة خوفا من عقاب الآلهة، فالدين وفر قوة الاستمرار والتطور للمجتمعات فى الوقت الذى لم تكن فيه حكومات أو قوانين تحكم سلوك البشر، لذلك يمكن أن نقول فى إننا تطورنا لأننا كائنات متدينة.

خصص «نيكولاس» فى كتابه الذى جاء 300 صفحة 3 فصول للحديث عن الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام ذكر خلالها أن كلا من هذه الديانات حافظ على جزء من الموروثات الثقافية والأعراف السائدة فى المجتمع الذى ظهر فيه حتى أصبحت بمرور الوقت جزءا من العقيدة.

«نيكولاس واد» صحفى إنجليزى يعمل بالقسم العلمى فى صحيفة نيويورك تايمز وأصدر عدداً من الكتب مثل «استعادة تاريخ أجدادنا المفقود».