المخرج محمد ياسين: «الجماعة» تعرض لظلم فادح والجدل السياسى حرمه من التقييم الفنى

كتب: أحمد الجزار السبت 18-09-2010 08:00

رغم أن مسلسل «الجماعة» هو التجربة التليفزيونية الأولى للمخرج محمد ياسين فإنه نجح فى تقديم مستوى فنى أهله ليكون الأفضل هذا العام بشهادة معظم النقاد والجماهير، فقد نجح «ياسين» فى صياغة صورة فنية مختلفة للعمل التليفزيونى، ونجح فى نقل آليات وأساليب السينما إلى التليفزيون مما عرضه للكثير من المخاطر، ورغم مغامرته فى قبول هذا العمل، بسبب الجدل المثار حوله حتى قبل أن يبدأ، فإنه نجح فى أن يعبر بالعمل إلى بر الأمان، ودون أن يتهم بارتكاب أى أخطاء، كما نجح فى تنفيذ إطار درامى لعمل يحمل الكثير من تفاصيل الشكل الوثائقى.

«المصرى اليوم» حاورت ياسين عن رأيه فى تقييم النقاد، وكواليس وتفاصيل مسلسل «الجماعة».

■ هل الهجوم على المسلسل أثناء التصوير كان له أثر سلبى داخل الكواليس؟

- حاولت أن أفصل نفسى عن أى شىء بقدر المستطاع، خاصة أن المسألة زادت على حدها فى الفترة الأخيرة، ووجدت أن المسلسل تعرض لظلم فادح، لأن الجدل السياسى حوله حرمه من التقييم الفنى، وتحول فجأة إلى حالة جدل سياسية سواء من الإخوان أو من صحف المعارضة.

■ تعنى أن النقاد والمثقفين تعاملوا معه كقضية سياسية وليس كعمل فنى؟

- هذا حقيقى وأعتقد أنها مشكلة كبيرة، وقد تعرضنا لاتهامات عديدة مع عرض الحلقات الأولى، ومنها العمالة مع أمن الدولة ووقتها كنا نستأنف التصوير، وكان لذلك تأثير سلبى علينا.

■ لكن الهجوم كان متوقعا من قبل التصوير؟

- بالتأكيد، ولكن لم أتصور أن الجانب الفنى قد يقلق البعض بهذا الشكل الجنونى، ولم أتصور وجود هذا الكم من الأشخاص، الذين يدعون للتحرر والليبرالية بينما يسيرون وفق أجندة سواء كانت خاصة بالإخوان أو ضدها، كما أن هناك أشخاصاً استغلوا المسلسل وهاجموه بشراسة، بسبب علاقتهم المتوترة بالسلطة، والغريب أن أنصار الإخوان اعتبروا العمل ليس فى صالحهم واتهمونا بالعمالة رغم أن المسلسل يحمل قدرا كبيرا من التوازن والمصداقية، بينما الجانب الآخر يرى أننا ساهمنا فى الترويج للجماعة، والمشكلة الحقيقية أن تجد فجأة بعض الأئمة، الذين يظهرون على القنوات الفضائية يتهمون صناع العمل بالكفر والإلحاد، وبذلك أصبحنا متهمين من جميع الجهات وشعرت للحظات بأن الكل يحمل أجندة خاصة به.

■ وكيف كان شكل التأثير السلبى عليكم؟

- كان نفسيا، وحاولت ألا يؤثر على شكل العمل حتى آخر لحظة، لكننى مستاء لأننا جزء من هذا المناخ غير الصحى.

■ لماذا قبلت العمل فى الدراما التليفزيونية الآن؟

- لأن موضوع المسلسل كان من الصعب تقديمه فى فيلم سينمائى بكل هذه التفاصيل، أى أننى اتجهت ناحية الموضوع وليس الوسيلة، بالإضافة إلى أن السينما وسيلة من الصعب أن تستعرض فيها عملاً سياسياً وتاريخياً بهذا الشكل الآن.

■ إلى أى مدى تتسق أفكارك ومعتقداتك مع ما جاء فى المسلسل؟

- ليس من الممكن أن أقبل عملاً لا يتسق مع قناعاتى، وقبولى إخراج عمل معناه أننى متفق مع رسالته، لكن المشكلة أن هناك من يريد أن يقلص دور المخرج فى أشياء محددة.

■ لماذا قررت تصوير المسلسل بكاميرا سينما؟

- لأنى حاولت أن أخلق شكلاً مميزاً وصورة فنية تتناسب مع قيمة الموضوع، وأعتقد أن هذه الصورة لم تكن تتحقق إلا بثقة الشركة المنتجة فى المخرج، لذلك طلبت بشكل رسمى أن يكون وحيد حامد مشرفاً على الإنتاج وكان ذلك أول طلب لى عندما تعاقدت على المسلسل، لأنه من الصعب أن يدير عملاً بهذا الحجم إلا رجل يمتلك خبرات إنتاجية وفهماً ووعياً إنتاجياً كبيراً، وأعرف أن «وحيد» يدرك قيمة المخرج ويدرك طلباته، لذلك عندما طلبت أن أصور العمل بكاميرا سينما وافق على الفور لثقته فى أن هذه التجربة ستحول الصورة التليفزيونية إلى مستوى آخر، وأعتقد أننا نجحنا فى خلق صورة مختلفة للدراما.

■ هل تغير الصورة كان أكبر طموح عندك فى المسلسل؟

- الصورة جزء لا يتجزأ من الأفكار التى نطرحها، وعلى مدى سنوات طويلة، تعانى الدراما التليفزيونية من ضعف وإهمال شديد فى الصورة رغم أنها هى التى تدخلك فى عالم الموضوع، وفى «الجماعة»، كانت هناك مشاركة حقيقية كبيرة من مبدعين مثل المشرف الفنى أنسى أبوسيف، الذى تولى الإشراف على الديكورات، ووائل درويش، مدير التصوير،

وقد عملنا على فكرة توصيل الحالة، وأعتقد أن نقل إمكانيات السينما إلى التليفزيون هى إضافة حقيقية لمصلحة التليفزيون، كما حاولت أن أقدم إيقاعا أشبه بالإيقاع السينمائى عاونتنى فيه مونتيرة متميزة هى دينا فاروق، وحاولت أن أنفذ المسلسل بآليات سينمائية ليست لها علاقة بالتليفزيون حتى إن معظم من استعنت بهم فى أولى تجاربهم التليفزيونية، وأعتقد أن الشكل الإنتاجى ساهم كثيرا فى تحقيق هذه النتائج، واهتمامنا بالإيقاع جعل المسلسل 28 حلقة فقط وليس 30 رغم أن وحيد حامد كتب 30 حلقة كاملة، وذلك لنقدم حلقات ليست مترهلة.

■ واضح أن تنفيذ المسلسل بآليات السينما حملك أعباء أهمها تأخر انتهاء التصوير؟

- هذا حقيقى، ولولا ثقة المنتج ووحيد حامد كمشرف على الإنتاج فى أن هذا هو الشكل الملائم لهذا العمل كان من الصعب أن يظهر للنور، ولا أنكر أننى أصبت بالرعب، بسبب هذا التأخير لأنى كنت أصور وقت عرض المسلسل، وهى تجربة أمر بها لأول مرة، ففى السينما أنتهى من الفيلم تماما ثم أعرضه، لكن هنا كانت هناك مخاوف، لأن العمل لو خرج بشكل سيئ فى الأيام الأولى كان سيخلق حالة من الإحباط لدى العاملين فيه، ولو نجح بشكل كبير سيحدث استرخاء لدى البعض،

وهذا ما حدث، لكنى حاولت بمساعدة من وائل درويش إعادة شحن العاملين سريعا حتى آخر لحظة بحجة أننا حتى الآن لم ننجح، وكنا نعمل ليل نهار، وفى الأيام الأخيرة كنا نصور لثلاثة أيام متواصلة، ولأول مرة أعمل «بريك» نوم ساعتين حتى نستريح، وهناك ممثلون شباب مثل أحمد فلوكس وطارق عبدالعزيز كانوا يساعدوننا فى نقل الإكسسوارات والأدوات وتجهيز المشاهد بأنفسهم.

■ ما و السبب الرئيسى وراء كل هذا التأخير؟

- هذا التأخير يرجع بشكل أساسى إلى مواقع التصوير، فقد عانينا جدا فى العثور على مواقع تصوير ملائمة للمسلسل، وكنت أتوقع ذلك، لكن أثناء التنفيذ ما حدث فاق توقعاتى، فهناك جهات توقعنا أن تمدنا بخدمات وتسهيلات، لكنها تخلت عنا فى وقت حرج بدافع ألا يقال أن الدولة ساهمت فى دعم العمل، وقد عانينا جدا فى العثور على أماكن تاريخية بديلة بسبب حالة التخريب التى حدثت لمعظم هذه الأماكن، وتحملنا إجراء تعديلات عليها من أجل التصوير، وفكرت فى السفر إلى سوريا أو المغرب لاقتناعى بصعوبة العثور على حارة تشبه الحارة المصرية بتفاصيلها فى عشرينيات القرن الماضى، لكن كان من المستحيل السفر إلى سوريا أو المغرب، كما تم استبدال المواقع بالديكورات لأن 85% من المسلسل خارجى، وذلك لرغبتى فى زيادة المصداقية لدرجة أننى كونت قرية المحمودية التى ولد فيها حسن البنا من ثمانى قرى مختلفة بسبب حالة التغير التى طرأت على القرية الأصلية، وأوكد أننى لم أقبل أى تنازلات، بل قاتلت حتى يخرج العمل فى صورته الحالية لأنه، فعليا، كان يحتاج إلى عام كامل من التحضير.

■ لماذا غضبت عندما أعلن عن مساعدة بعض المخرجين لك فى إنجاز هذا العمل؟

- غضبت لأنى شعرت بأننى أمام مؤامرة سخيفة جدا للنيل من مجهودى الذى استمر ثمانية أشهر، وقد شعرت بالفخر عندما طلب شريف عرفة بنفسه أن يساعدنى بعد أن علم بأننى أمر بظروف صعبة فى التصوير، رغم أننى عملت معه مساعدا لسنوات طويلة، وكان ذلك فى إطار حالة حب بديعة لم أكن أتوقعها، لكن البعض قرر أن يحولها إلى مسخ، وقيل إن محمد ياسين استعان بشريف بعد أن فشل فى إنجاز المسلسل، وهذا شىء سخيف ومهين لى.

■ لو كان المسلسل يناقش موضوعا مختلفا، هل كنت ستتعرض لنفس المؤامرة؟

- طبعا لا، والهدف من وراء هذه المؤامرة أن تهتز أعصابى فى اللحظات الأخيرة أو تحدث مشكلة سواء مع شريف عرفة أو مروان حامد تجعلنى أترك العمل، وكان من الصعب أن يحدث ذلك، لأنى لن أتخلى عن أشخاص تبرعوا بمساعدة كنت أحتاج لها خاصة فى اللحظات الأخيرة لأن المسلسل كان قد بدأ عرضه وكان لابد أن ينتهى، وأرى أن كل هذه تفاهات وسخافات لن يذكرها التاريخ، وسيذكر أن مسلسل «الجماعة» إخراج محمد ياسين.

■ هل كنت واثقا فى قدرة إياد نصار على تجسيد حسن البنا؟

- بصراحة، بعد نهاية تصوير اليوم الأول تأكدت أننى أمام موهبة كبيرة جدا جدا جدا، وأرى أنه موهبة خاصة ومدرسة مختلفة فى فن التمثيل، كما يحمل صفات قلما تتواجد فى ممثل على مستوى الوطن العربى بالكامل لأنه ممثل ذكى يدرس الشخصية التى يؤديها باحتراف لدرجة أنه لم يخرج إطلاقا عن شخصية حسن البنا خلال ثمانية أشهر هى مدة التصوير، وكان يفهم ماذا أريد من مجرد النظر إلى.

■ ولماذا قررت الاستعانة ببعض الممثلين المشاهير فى الأدوار الشرفية؟

- لأن 90% من الممثلين المشاركين فى العمل وجوه جديدة وشابة ومعظمهم غير معروف، حتى إياد نفسه ينطبق عليه هذا الكلام، فكان لابد أن أحيط ذلك بقدرات تمثيلية وخبرات حقيقية تحقق توازنا مثل عزت العلايلى وأحمد راتب وأحمد خليل.

■ لماذا استبعد دور «نازلى» من الأحداث أثناء التصوير؟

لأننا اكتشفنا أن هناك خطوطا درامية من الممكن الاستغناء عنها مقابل خطوط أخرى كنا نريد أن ندعمها، فكان البديل الاستغناء عن أدوار أخرى أقل أهمية.

■ ولماذا قررت استخدام الجرافيك فى مشهد القطار ومشاهد أخرى عديدة؟

- لأنه كان من الصعب توفير قطار من هذه المرحلة الزمنية، فقررت تصوير الداخلى فى قطار قديم ونفذت المشهد الخارجى بالجرافيك الذى ساهم فى خلق مواقع كان من الصعب تواجدها، فقد بنينا شارعا كاملا بالجرافيك، كما استخدمناه فى إزالة بعض المعالم الموجودة فى الكادرات مثل اللافتات الحديثة أو أعمدة الإنارة بالإضافة لمشهد الانفجار فى النهاية.

■ لماذا قررت وضع الفنيين فى تتر المقدمة وترحيل الممثلين إلى تتر النهاية؟

- تعبيرا عن تقدير حقيقى للفنيين الذين بذلوا مجهودا كبيرا فى هذا العمل، ووضع النجوم فى تتر النهاية لم يغضب أى ممثل، كما أن الفنيين كانوا الأبطال الحقيقيين لهذا العمل.

■ هل لديك استعداد لخوض تجربة تليفزيونية أخرى خلال الفترة المقبلة؟

- سأدخل التليفزيون عندما تتوفر نفس الشروط التى توفرت لـ«الجماعة» وهى: موضوع يلح على، ومنتج لديه ثقة فى تقديم عمل بحجم «الجماعة» ويكون لديه وعى وفكر بعملية التطوير.

■ لكن «الجماعة» يظل عملا استثنائيا؟

كان استثنائيا قبل أن ينفذ، والآن أرى أن الجميع لابد أن يعملوا بنفس الطريقة وبنفس الرغبة فى التغيير بل عليهم أن يفوقوا «الجماعة» لأن مصر ليست صغيرة، والفنيون المصريون ليسوا أقل من غيرهم، ولا يجوز أن يكون هناك أحد غيرنا مسيطرا على صناعة الفن فى الوطن العربى.

■ لماذا يرى البعض أن الاهتمام الشديد بسرد المعلومات حوله إلى عمل وثائقى أكثر منه درامياً؟

- الرغبة فى التوثيق عند وحيد حامد كان لها دور أساسى فى العمل حتى يؤكد أن هذه المعلومات حقيقية بكل ما تحمله تفاصيلها، وأعترف بوجود ذلك، لكن المهم: هل ظهر هذا التوثيق بشكل جاف أم جاء فى حالة درامية جعلت الجمهور يتفاعل معها؟ أعتقد أننا نجحنا فى مزج التوثيق بالدراما، وكان لابد أن نهتم جدا بعملية التوثيق من أجل المصداقية، كما تستطيع أن تواجه به أى شخص قد يعترض على هذه الأحداث.

■ لماذا حاولت استخدام أسلوب «التلصص» فى تصوير بعض المشاهد؟

- لأن الدخول فى هذه العوالم المحظورة لابد أن يكون عن طريق «التلصص» لمعرفة ما يدور داخلها، وقد حاولت طوال الوقت أن أعبر عن ذلك بحركة الكاميرا وأحاول الكشف عن أسرار هذا العالم.

■ لماذا لم يقتنع البعض بنهاية المسلسل؟

- النهاية مقنعة لأنها تعبر عن حالة الندم التى وصل إليها حسن البنا، لكن المشكلة أن هناك من افترض نهاية غير موجودة من الأساس لأن النهاية لم يكن يعرفها سوى شخص واحد فقط هو مؤلف العمل، لكن البعض يرى نهاية خاصة به هو سواء أن نقتل حسن البنا أو نتركه حتى لا يثير تعاطف الناس، والمهم من وجهة نظرى هل النهاية عبرت عن السياق الدرامى أم لا؟! وهل استعرضت حالة الحصار التى تعرض لها حسن البنا سواء من القصر الإخوان الحكومة؟! وأقصد حسن البنا الشخصية الدرامية وليست الحقيقية، لأن البعض تصور أننا نصور حسن البنا شخصيا، وأؤكد أن وحيد حامد لم يذكر مقتل البنا نهائيا فى السيناريو.

■ هل تعاقدت على الجزء الثانى من المسلسل؟

- لم أتعاقد، وحتى الآن لا أعرف ما هو الجزء الثانى حتى أقبله أو أرفضه.