كيف نحارب التطرف ونمنع تكرار مأساة محمود الغندور؟

يوسف ورداني الإثنين 02-03-2015 21:20

لم يكن يوم انضمام محمود الغندور ومن قبله إسلام يكن إلى تنظيم داعش يوماً عادياً في تاريخ هذا البلد، بل كان بداية لناقوس خطر حقيقي بأن هناك شيئاً خطأ يدور في عقول شباب مصر، لا نعرف أبعاده الحقيقية ومدى تطوره المستقبلي.

تقليدياً كان الفقر وتدني الظروف المعيشية هما سبب التطرف ومفرخة الإرهاب، والآن بات شباب الطبقة الوسطى "النقي" والأكثر تعليماً والأكثر ثراءً وانفتاحاً على العالم ضمن أهم الفئات المحتملة للتجنيد بواسطة التنظيمات الإرهابية، حسبما جاء في كتاب إدارة التوحش لأبي بكر البغدادي، فما الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الشباب إلى أن يرتمي في أحضان التنظيمات المتطرفة؟ وكيف تواجه الدولة انتشار الأفكار التي تزرعها، والتي تعدت مرحلة الشباب المنتمي للتيار الديني لتضرب بأوصالها في كافة قطاعات الشباب؟

يقول البعض بأن الشباب شاطط بطبعه، وأنه يغلب عليه التطرف الناتج عن الحماس الشديد والرغبة في التطوير والتحديث والولع بكل جديد، وهذا قول صحيح أثبتته كافة التجارب الدولية، ولكنه تطرف محمود، لا خطر منه، ويمكن إدارته بواسطة أجهزة الدولة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، ولكن التطرف الحالي هو "تطرف مثير" يجذب الشباب المتمرد والراغب في كسر حالة الملل والروتين وخلق جو من الإثارة والمغامرة إلى الانضمام إليه، ويجد الظروف الموضوعية لانتشاره مثل اتساع نطاق البطالة ليصل إلى 29% بين الشباب في الشريحة العمرية 18- 29 سنة، وبلوغ نسبة الفقر في نفس الشريحة 51%، ومعاناة الشباب من طول فترة الانتظار ما بين إنهاء دراساتهم الجامعية والحصول على فرصة عمل وبدء حياة أسرية مستقرة.

هذا التطرف وجد البيئة الخصبة لانتشاره بعد الثورة، والتي لم تستطع مؤسساتها حتى الآن بلورة مشروع ثقافي جامع يستطيع مواجهة الأفكار التي تبثها تنظيمات الإسلام السياسي، وأبرزها الإعلاء من شأن "المظلومية التاريخية"، وأهمية نيل "الشهادة" في الحرب مع "الدولة الكافرة" و"المجتمع الجاهلي"، ولم تتمكن بالرغم من دعوة الرئيس إلى إحداث ثورة دينية وتأكيده المستمر على خطورة الأفكار المتطرفة من استعادة المنهج الأزهري، وتوحيد الجهة المسؤولة عن الدعوة، ومواجهة الفتاوى التكفيرية، وأخيراً إحداث إصلاح هيكلي في نظام التعليم الأزهري.

في مثل هذه الأجواء، تبرز الحاجة العاجلة إلى تشكيل مجموعة عمل متنوعة المشارب والاختصاصات لصياغة استراتيجية وطنية لمواجهة التطرف بالتعاون مع مختلف الشركاء. وتنطلق هذه الاستراتيجية من عدة ثوابت أهمها عدم كفاية الأسلوب الأمني بمفرده لمواجهة الأفكار المتطرفة، وضرورة تبني الحكومة حزمة متكاملة من السياسات والإجراءات لتجفيف المنابع المادية والفكرية للتطرف وفق خريطة محددة بأماكن تركز التنظيمات والكيانات الداعية له، وأهمية خلق تنظيمات سياسية ومجتمعية بديلة تستطيع التصدي لنشاط الجماعات المتطرفة في المحافظات المهمشة وبين الطبقات الفقيرة، وأن يكون للكتلة الوطنية الشابة الدور الأكبر في التصدي لهذه الأفكار والجماعات، سواء على الصعيد الميداني أو في ساحة العمل الإنترنتي التي يسيطر عليها حالياً الجيوش الإلكترونية للتنظيمات المتطرفة.

وفي القلب من هذه الاستراتيجية تأتي المواجهة التشريعية التي مكنت ألمانيا وإيطاليا من التعاطي الفعال مع الأفكار النازية والفاشية بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وسمحت لمجموعة من الدول الأخرى باتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة، فالملاحظ محدودية الاهتمام بمحاربة التطرف في التشريعات المصرية واقتصارها حتى الآن على المادة 98 (و) من قانون العقوبات الخاصة باستغلال الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأى وسيلة أخرى للأفكار المتطرفة.

وتنبع أهمية إدخال إصلاحات تشريعية في سد الفجوة الموجودة بين تنامي الظاهرة وعدم وجود القوانين المناهضة لها، والتي تركز على محاربة الإرهاب فقط وآخرها القانون رقم 8 لسنة 2015 الخاص بتنظيم الكيانات الإرهابية والإرهابيين والذي يم يشر من قريب أو بعيد لكلمة التطرف أو الأفكار المتطرفة. ويمكن في هذا الإطار الاستفادة من الخبرة السعودية التي تجرم الانتماء للتيارات أو الجماعات الدينية أو الفكرية المتطرفة أو الإفصاح عن التعاطف معها بمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على عشرين سنة، أو الخبرة الألمانية التي يحكم قانون العقوبات فيها على من يثبت تشكيله أو انضمامه إلى التنظيمات المتطرفة بالحبس مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على عشر سنوات مع إمكانية أن تقضي المحكمة على المتهمين بالحرمان من الوظائف العامة وبعض الحقوق السياسية.

ومن المهم أن يستند أي جهد في صياغة هذه الاستراتيجية المقترحة إلى دور علمي تنهض به مراكز الفكر، والتي يمكن من خلالها تطوير مؤشر وطني للتطرف يحدد بدقة المستهدفين بالمواجهة الفكرية والتنموية والعوامل المسؤولة عن انتشار التطرف بين الفئات المختلفة وأوزانها النسبية، ويقيس التغير في منظومة القيم الحاكمة للمصريين، ويدرس التجارب الإقليمية والدولية، ويقترح المناسب منها للتطبيق في حالتنا المصرية.

ويلزم لضمان فعالية هذه الاستراتيجية أن تتم في ظل سياسة وطنية متكاملة للشباب تحتضن الشباب، وتشركهم في جميع مراحل صياغتها وتنفيذها وتقييمها، وإشعارهم بذواتهم وأن أعلى مستويات السلطة السياسية تثق فيهم وتعمل على تمكينهم فعلياً دون إقصاء أو قهر اجتماعي من المتاجرين بالشباب أو من الأجيال الأكبر سناً. كما أنها لا يمكن أن تنجح بدون قيام الدولة بالإسراع في خطتها الاقتصادية والاجتماعية وضمان أن تتوزع ثمارها على الجميع، وبدون توفير متطلبات الديمقراطية ومبادئ الحكم الرشيد، وسيادة خطاب ديني وسطي مستنير في ظل مؤسسات أكثر استجابة وانفتاحاً على الشعب.

فهذا هو المناخ الذي يمنع تبلور ظروف "البيئة الناضجة" اللازمة لعمل تنظيمات التدين السياسي والتطرف الفكري واستشراء سلوك العنف، ويضمن أن يسود بين التيار الأعظم من الشباب مزاج نفسي يتسم بقبول التعددية وتبني الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.