مسألة تستحق البحث.. هل نسخت آية الحجاب؟

عادل نعمان الإثنين 02-03-2015 21:30

نزلت آية الحجاب بعد زواج الرسول- صلى الله عليه وسلم- من زينب بنت جحش، ولها قصة. كانت زينب زوج زيد بن محمد (كان ينسب الابن للمتبنى) ذهب إلى النبى، وقال له: «يا رسول الله، إن زينب اشتد على لسانها، وأنا أريد أن أطلقها، فقال له النبى: اتق الله، وأمسك عليك زوجك، فقال: استطالت علىّ، فقال له الرسول: طلقها». كُتب التراث يتحدث بعضها عن سبب الجفاء الذى طرأ فجأة بين زينب وزيد، واستطالتها عليه، وبعضها يرى أن هذا الأمر ليس طارئا عليهما، بل كانت تمارسه معه للفارق الاجتماعى بينهما من اليوم الأول لزواجهما. اختلفت الآراء فى هذا. لا يهمنا الآن. الرسول كان يخشى من اليهود والمنافقين أن يقولوا تزوج محمد زوجة ابنه «وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ».. نزلت الآية: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ».. ونزلت الآية: «ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ»، وحرم الله التبنى فى الإسلام بنزول هذه الآية. وعاد اسم زيد إلى أصله (زيد بن حارثة)، وأبيح بذلك زواج النبى من زينب. ونذهب إلى آية الحجاب نستكمل قصتها. ذبح النبى شاة، ودعا أصحابة لوليمة فرحا بزواجه من زينب. أطعم الصحابة، وخرجوا شاكرين النبى، إلا أن بعضهم جلسوا يتحدثون، ويتسامرون فى بيته. بيت النبى ضيق لا يستوعب كل هذا الأمر. لكل زوجة من زوجاته غرفة واحدة للمأكل والمشرب وفراش للزوجية. شق هذا الأمر على النبى. يخرج النبى عليهم، ويدخل مرتين وزينب جالسة. النبى يستحيى من أصحابه. لم ينتبه أحد منهم إلى أن الرسول يقصد بخروجه إحراجهم حتى يتركوه هو وزوجه ليلة عرسهما.

البخارى يقول فى كتابه: إن الرسول خرج، وعاد مرتين وهم جلوس يتحدثون.. خرج الصحابة بعد حين، ودخل الرسول بزوجه. وكان الأوجب بعد هذه الواقعة تنظيم هذا الأمر للنبى حتى يأخذ قسطه من الراحة حين يشاء، فنزلت آية الحجاب: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ».. وكانت الآية تأديبا من الله للذين يؤذون النبى، وحدد تعاملهم مع بيت النبوة.

هذا الحكم خاص بنساء النبى، دون غيرهن من نساء المسلمات، لأنه خص نساء النبى بالزمان، وبيوت النبى بالمكان. وسبب النزول هو الأذى الذى يلحقه تردد الصحابة على بيت النبى دون وجوده، ودون إذنه، (خصوصية اللفظ مرتبطة بخصوصية المناسبة) فنساء النبى لسن كنساء المسلمين، ليس لأفضليتهن، ولكن لخصوصيتهن، وبيوت النبى ليست كبيوت سائر المسلمين، ليس لأفضليتها، لكن لخصوصيتها. والآية كانت محددة الظرف والمناسبة، وهى إيذاء النبى وآل بيته، ومنع نساء النبى من الاختلاط بالرجال، حفظا لهن وصونا لبيت النبوة، وحتى لا يطمع فى بيت النبوة من كان فى قلبه مرض، حتى يأذن النبى صاحب البيت لهم، وهذا يعنى حرمة اختلاط الرجال بنساء النبى إلا من وراء حجاب (ساتر).

وأراد الله أن يرفع الحرج عن النبى بينه وبين أصحابه الذين يحبون القرب منه والأنس به، فأضاف الله إلى محرمات الزواج المحددة فى القرآن تحريما جديدا، وهو الزواج من نساء النبى، سواء فى حياته أو مماته، وجعله تحريما أصيلا من المحرمات الأصيلة التى كانت قبل الإسلام، ومحرما فى الديانات السابقة، حتى لا يلتبس الأمر على الناس (تحريم زواج الأم وليست العمة أو الخالة مثلا). ثم نزلت الآية: «النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ».. وبهذه الآية أصبحت نساء النبى محارم كل المسلمين، ويجوز الخلوة بهن، كما قال الإمام أحمد بن حنبل، ولا يسرى هذا التحريم على أبنائهن وإخوتهن. الفقهاء قسموا الأمهات وأحكامهن إلى الآتى:

الأولى: أمومة الولادة، ولها كافة أحكامها. والثانية: أمومة أزواج النبى، ويثبت فيها تحريم نكاحهن فقط، دون بناتهن وإخوتهن، وإباحة الخلوة بهن. الثالثة: أمومة الرضاعة، تحرم الأم فى الرضاعة والأخوة فى الرضاعة بشروطها. هل يعتبر رفع الحرج، وتحريم الزواج من نساء النبى وإباحة الخلوة بهن، كما اتفق جمهور العلماء، يعتبر نسخا لحكم الآية الخاصة بالحديث معهن من وراء حجاب؟ ولماذا يظل الحكم على نساء المسلمين ساريا حتى الآن، ولم يكنّ سببا لنزول الآية، وحتى بعد رفع التكليف عن نساء النبى، وهن اللائى قيدناهن لحكم لا يخصهن أو يعنيهن؟ وأكرر سؤالى: أليس رفع الحكم عن نساء النبى وإباحة الخلوة بهن نسخا لآية الحجاب؟ ردوا علينا أفادكم الله.