نتنياهو يكسب الانتخابات بقوة الكونجرس

إبراهيم البحراوي الإثنين 02-03-2015 21:32

أعتقد أن أحد الأسباب الرئيسية التى ترجح فوز نتنياهو برئاسة الحكومة القادمة بعد الانتخابات يتمثل فى قدرته على توثيق العلاقات الحميمة مع الكونجرس الأمريكى. إن هذه العلاقات تسمح له بتجاوز الرئيس أوباما صاحب السلطة التنفيذية فى الولايات المتحدة والمسؤول دستورياً عن العلاقات الخارجية. أصبح معروفاً للجميع أن سياسة أوباما للمصالحة مع إيران حول ملفها النووى من ناحية وحول نشاطها التوسعى فى المنطقة العربية تثير غضب نتنياهو، أضف إلى ذلك أيضاً أن نتنياهو غير مرتاح، فى ضوء أيديولوجيته اليمينية المتطرفة والمشحونة بالأطماع فى الضفة الغربية، إلى اهتمام إدارة أوباما بملف التسوية السياسية مع الفلسطينيين.

لقد دأب أقطاب المعارضة الذين ينافسون نتنياهو فى الانتخابات التى ستجرى فى السابع عشر من مارس 2015 على تخويف الجماهير الإسرائيلية الناخبة من الخطر الذى يمثله نتنياهو على علاقات التحالف الاستراتيجى بين إسرائيل والولايات المتحدة. فى مقدمة هؤلاء رئيس حزب العمل هرتزوج ورئيسة حزب الحركة لفنى، اللذان شكلا معاً تحالفاً انتخابياً ضده تحت اسم المعسكر الصهيونى. لقد حاول هرتزوج أن يتقرب إلى الإدارة الأمريكية، عندما قابل نائب الرئيس أوباما فى أحد المؤتمرات بأوروبا وأعرب له عن استعداده إذا ما أصبح رئيساً لحكومة إسرائيل لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين تحت رعاية الولايات المتحدة.

ربما يكون هرتزوج قد طمأن بايدن أيضاً إلى أنه يتفهم سياسة الاحتواء للمخاطر النووية الإيرانية التى يقوم بها أوباما من خلال المفاوضات الجارية مع إيران، هذا مجرد تقدير من جانبى لأنه لم تتوفر معلومات فى هذا الشأن، لقد تمكن سفير نتنياهو فى واشنطن من التفاهم مع زعيم الجمهوريين ورئيس مجلس النواب الأمريكى جون باينر على أن يوجه الأخير دعوة رسمية إلى نتنياهو لإلقاء خطاب أمام مجلسى الشيوخ والنواب يعبر فيه عن وجهة نظره حول مخاطر المشروع النووى الإيرانى. لقد قبل نتنياهو الدعوة طبعاً، وهو ما أدى بالنواب والشيوخ المنتميين لحزب أوباما أى الحزب الديمقراطى للإعلان عن مقاطعتهم الجلسة التى سيتحدث فيها نتنياهو.

أيضاً عبرت إدارة الرئيس أوباما عن امتعاضها من هذه الخطوة ونشر أنها راحت تدرس عدة خطوات للرد على زيارة نتنياهو للكونجرس، من بينها مقاطعة مؤتمر اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة «إيباك» وقيام الرئيس أوباما بنفسه بإجراء حوار مع أحد كبار الصحفيين الأمريكيين حول طبيعة الخلاف بينه وبين نتنياهو، حول المفاوضات مع إيران بالإضافة إلى سلسلة أحاديث مع القنوات التليفزيونية يقوم بها رجال أوباما من جهاز الأمن القومى الأمريكى لشرح السياسة الأمريكية تجاه الملف النووى الإيرانى.

لقد قابل نتنياهو هذه الخطوات المحتملة من جانب إدارة أوباما بالرد على تقرير وكالة الطاقة النووية، الذى أكد التزام إيران بوقف تطوير وتشغيل أجهزة الطرد المركزى المتطورة والتى تتيح تصنيع قنابل نووية. قال نتنياهو فى رده على هذا الكلام إن إيران لاتزال متمسكة بموقفها وجهودها من أجل مواصلة برنامجها النووى وإخفاء ذلك عن المجتمع الدولى، فى الوقت الذى يسعى فيه هذا المجتمع الدولى «المقصود إدارة أوباما» إلى إتاحة الفرصة لإيران من أجل تخصيب اليورانيوم، وأضاف نتنياهو: إننى أطالب الدول الكبرى التى تفاوض إيران بعدم السماح لها بتصنيع أسلحة نووية طالما ظلت إيران ترفض الكشف عن أى تفاصيل عن برنامجها النووى وخطتها لإنتاج سلاح نووى.

لقد أضاف نتنياهو، فى مناسبة أخرى، أنه قبل الدعوة لإلقاء خطاب أمام مجلسى الكونجرس الأمريكى بهدف منع التوصل إلى اتفاق سيئ فى المفاوضات الجارية مع إيران يتيح لها الحصول على قنابل نووية تعرض أمن إسرائيل للخطر بموافقة الدول الكبرى التى تفاوضها.

لقد ظل أقطاب المعارضة الإسرائيلية يحاولون تخويف الجماهير من تحدى نتنياهو لإدارة أوباما وآثاره السلبية على المصالح العليا لإسرائيل طوال الأسابيع الماضية، غير أن نتنياهو لجأ إلى حيلة بارعة وذلك عندما وجه دعوة علنية إلى هرتزوج، زعيم المعارضة، المنافس الرئيسى له على مقعد رئيس الحكومة القادمة ليرافقه فى رحلته إلى الولايات المتحدة.

استخدم نتنياهو أحد الوزراء المقربين منه لتوجيه هذه الدعوة وهو وزير المواصلات، كاتسى، الذى أمعن فى إحراج هرتزوج عندما قال إن قبوله مرافقة نتنياهو سيؤدى إلى تعزيز موقف إسرائيلى موحد من الاتفاق السيئ بين إيران والدول الست العظمى بقيادة الولايات المتحدة.

الحقيقة أن نتنياهو وضع هرتزوج فى ورطة، ذلك أنه إذا قبل مرافقة نتنياهو إلى الكونجرس فسيكون قد انضوى تحت قيادته أمام الجماهير، وإذا هو رفض الدعوة فسيظهر فى صورة السياسى غير الحريص على المصالح العليا للدولة فى منع إيران من امتلاك سلاح نووى. فى النهاية تملص هرتزوج من الدعوة بشكل هزيل، عندما قال إنها مجرد جزء من الحملة الإعلامية لنتنياهو. الحصيلة هى أن استطلاعات الرأى راحت تسجل أن غالبية الناخبين يفضلون أن يكون نتنياهو رئيس الحكومة الجديدة، بعد انتخابات مارس، فى حين يحصل هرتزوج على نسب تأييد هزيلة، لعدم اقتناع الجماهير بأنه يمتلك خبرات نتنياهو فى تحقيق المصالح العليا لإسرائيل.

إن الخطوط العامة للموقف كما أراها هى كالتالى:

1- إن نتنياهو غاضب على أوباما لأن الأخير اتخذ له ربيبة أخرى مدللة فى المنطقة وهى إيران بدلاً من إسرائيل التى حظيت بهذه المكانة لأكثر من ستين عاماً، لذلك استخدم الكونجرس لضرب أوباما فى عقر داره وإثارة الشعب الأمريكى ضد سياسته هذه.

2- إن المعارضة الإسرائيلية غير قادرة على إقناع الجماهير الإسرائيلية بأن تحركات نتنياهو تهدد مصالح إسرائيل فى أمريكا.

3- إن الصراع الرئيسى فى الشرق الأوسط الآن أصبح بين قوتين لديهما أطماع توسعية فى بلاد العرب، وهما إيران وإسرائيل، وكلتاهما تحاول الجلوس على حجر أمريكا.

info@bahrawy.com