بطلان الانتخابات.. التقدم بالعلم والكفاءة.. وليس بالأغانى والإساءة!!

محمود مسلم الأحد 01-03-2015 21:22

يمثل قرار المحكمة الدستورية العليا ببطلان الانتخابات البرلمانية درساً جديداً وقاسياً، حتى يعلم الجميع أن إدارة الأمور يجب أن تتم بالكفاءة والعلم وليس بالنوايا الطيبة والأغانى الوطنية وهاشتاجات السباب ضد المتربصين بالوطن.

الحكم يكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن دائرة الحوار ضيقة، وأن الكفاءات لم تجد طريقها حتى الآن للمشاركة، فإذا كانت المحكمة قد أبطلت قانون الدوائر الانتخابية، فيجب أن يلاحظ الجميع أن دعاوى بطلان قانونى مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب قد رفضتها المحكمة لأسباب شكلية تتعلق بعدم وجود مصلحة للطاعنين، بينما تقرير هيئة المفوضين يؤكد وجود مواد غير دستورية بهذين القانونين وبالتالى فهى قابلة للبطلان إذا طعن عليها صاحب مصلحة.

ماذا لو أجريت الانتخابات، وهو سيناريو لم يكن بعيداً، ثم حكم بعدم دستوريتها كم كانت ستتكلف مصر من ميزانيتها وسمعتها واستقرارها، مما يطرح سؤالاً مباشراً: هل أعضاء لجنتى إعداد القوانين «مباشرة الحقوق السياسية، مجلس النواب، تقسيم الدوائر الانتخابية»، هم الأكثر كفاءة بين أساتذة وخبراء الدستور والقانون والانتخابات فى مصر أم أن هناك آخرين لم تتح لهم الفرصة للمشاركة، بل إن أحد أعضاء اللجنة الأولى، وهو د. على الصاوى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، التى شكلت فى عهد المستشار عدلى منصور، برئاسة المستشار أمين المهدى، وزير العدالة الانتقالية - السابق قد بُحَّ صوته، محذراً من خطورة عدم الدستورية، ولم يستمع أحد لرأيه، بالإضافة إلى عشرات، بل مئات الخبراء الذين نددوا بطريقة إعداد القوانين وحذروا من عدم دستورية المنتج النهائى، دون استجابة من أحد.

الغريب أن كل أعضاء اللجنتين ظلوا يرددون فى كل وسائل الإعلام أن القوانين دستورية وأن المحكمة لن تصدر قرارها بالبطلان، والأغرب أن انضم إليهم المستشار إبراهيم الهنيدى، وزير العدالة الانتقالية، حيث دافع عن القوانين باستماتة، والجميع باعوا للشعب وهم أن القوانين ليس بها عوار، بينما كشفت المحكمة الدستورية أن اللجنة الموقرة لم تأخذ بتقرير المحكمة حول بطلان قانون تقسيم الدوائر الذى صدر فى عهد الإخوان حينما كان ينص الدستور على ضرورة الرقابة السابقة على قوانين الانتخابات، كما تجاهلت اللجنة التمثيل النوعى للدوائر، بينما رأت فقط تمثيل المحافظات.

مما لا شك فيه أن الدستور تم وضعه بطريقة تصعب على المشرع تفصيل قانون بطريقة ميسرة.. ومن وضعوا الدستور لم يستعن بهم فى إعداد القوانين.. والأمور تسير منذ ثورة 30 يونيو بكرم من الله ورعايته، أما اجتهاد البشر فعليه انتقادات كثيرة ومازال أمام مصر فرصة لإعلاء الكفاءات والمفكرين خارج الصندوق، على حساب أنصاف المواهب وفقراء الإبداع، لأن ما تتعرض له مصر يحتاج أولاً إلى جهد الجميع، وأن يكون هناك مناخ عام يستوعب ويقدر أصحاب الأفكار البراقة والكفاءات بعيداً عن مرددى الشعارات، كما يجب أن تستعيد مصر روح 30 يونيو مرة أخرى دون تصنيف الناس على أسس أن ذلك عصبى وآخر عنده طموح وثالثاً ليس تحت السيطرة، لأن الدولة الآن فى أمس الحاجة إلى الوطنى الشجاع الكفء.. وأن تعلن معايير الاختيارات بشفافية، وأن يدار حوار عام فى كل القضايا لا أن تناقش القضايا المصيرية فى غرف مغلقة، مثلما حدث فى قوانين الانتخابات، بينما بعض المتفذلكين يعتقدون، ويقرون بأن الدولة خططت لتأجيل الانتخابات، وهو اتهام ليس فى محله لسببين: الأول أن المحكمة الدستورية أكبر من أن توجه، ولو كانت كذلك لراعى تقرير هيئة المفوضين رئيسها المستشار عدلى منصور الذى أصدر قانونى مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية، اللذين قررت الهيئة عدم دستوريتهما، وتم رفض الطعن لأسباب شكلية. أما السبب الثانى الذى يخشى الجميع منه، فهو أن الدولة حتى الآن تسير بدعوات الأمهات وجهود فردية، وتفتقد التخطيط العلمى وإعلاء مبدأ الكفاءة وتكتفى بحل مشاكلها بالأغانى أحياناً وبالإساءة فى أحيان أخرى!!

m.mosallam@almasryalyoum.com