تحدث الرئيس السيسي للشعب مساء، الأحد، في تقليد هو الأول من نوعه، ومن المقرر، كما جاء في كلمة الرئيس، أن يصبح الحديث تقليدًا شهريًّا من الآن فصاعدًا، فيما يشبه التقدم بكشف حساب للشعب. وفي شفافية مطلقة، أقرّ الرئيس أن هناك أبرياء في السجون، ووعد بإطلاق سراح الدفعة الأولى من الشباب خلال أيام.
مشكلة الشباب خلف القضبان أصبحت من أهم الملفات التي ينتقضها الإعلام الغربي عند الحديث عن الرئيس السيسي، فها هي الصحف الغربية جميعها تنتقض خبر الحكم بالسجن المشدد خمس سنوات على علاء عبد الفتاح و24 آخرين فيما يُعرف بقضية أحداث مجلس الشورى. كما تنتقد الصحافة الغربية أيضًا استمرار حبس الصحفيين، سواء الصحفي المصري باهر محمد فيما يُعرف بـ«خلية الماريوت»، أو المصور المستقل محمود عبد الصبور أبو زيد، الشهير بـ«شوكان»، وغيرهم. هذا بالإضافة إلى انتقاد قانون التظاهر، الذي تعترض عليه أغلب القوى السياسية المصرية وتطالب بتعديله، لأنه لم يمنع الإرهاب ولكنه أدى إلى حبس أو إيذاء المشاركين في التظاهرات السلمية.
فمثل هذه القضايا، تُشوّه صورة الرئيس والسياسة المصرية في الخارج وتُستخدم كأداة لمحاربة الدولة المصرية لدى الرأي العام الغربي. وهي قضايا في إمكانية الرئيس السيسي أن يتولى الحسم فيها سريعًا بنفسه، عن طريق العفو الرئاسي عن المحبوسين، مثلما ألمح في حواره مع جريدة دير شبيجل الألمانية بتاريخ 9 فبراير الجاري. فهذا الحوار تلخص فيه معظم الانتقادات التي تُوجّه للرئيس، من قمع المعارضة والصحافة، والأحكام بالجملة، إلخ من ملفات الحريات التي تتناولها الصحف كلما كتبت أي خبر عن مصر.
في رأيي أننا لا يمكن أن نستمر في تجاهل هذه الانتقادات، خاصة ومصر تخوض لحظة تاريخية فاصلة تكاد تكون معركة وجود. أعلم أن غالبية الإعلاميين في مصر الآن يسوّقون وجهة نظر «طُظّ» في الرأي العام العالمي، وأعلم أن غالبية مشاهديهم يشاركونهم الرأي وأن غالبية المصريين إما غير مهتمين بالسياسة أصلًا أو يرون أن الاعتبارات الأمنية والاستقرار فوق كل اعتبار. ولكننا نحتاج لتصحيح صورة مصر لدى الرأي العام الغربي وتغيير هذه النظرة السلبية.
فمصر مقبلة على مؤتمر اقتصادي منتصف مارس المقبل تراه أنه حجر الزاوية في إعادة بناء الاقتصاد وتدوير عجلة الإنتاج. والمستثمرون الأجانب الذين نريد جذبهم يقرأون الصحافة العالمية، لا المصرية، ويتأثرون بما يأتي فيها. كما أننا في حاجة إلى عرض وجهة نظرنا بطريقة أفضل كثيرًا فيما يخص الحرب على الإرهاب، سواء في الداخل أو في الخارج، مثل الضربة الجوية التي وجهتها مصر إلى مقرات داعش في ليبيا، والتي كانت محل انتقاض في الصحافة الغربية بسبب عدم التنسيق مع الأمم المتحدة. كما أننا نحتاج إلى مجابهة آلة الإخوان الإعلامية في الخارج، والتي نجحت للأسف الشديد في تشويه صورة مصر والرئيس السيسي. فأين نحن من كل ذلك، ولماذا لا نواجه هذه الحرب الإعلامية بحملة إعلامية منظمة تصحح الصورة للرأي العام الخارجي؟
أحد الحلول هو استخدام شركات العلاقات العامة الكبرى في أوروبا وأمريكا، كما تفعل الكثير من الدول الناجحة في عرض وجهة نظرها خارجيًا، حيث أن هذه الشركات هي الأكثر فهمًا لطبيعة المزاج العام في بلدانها وتتمتع بصلات ممتازة بالأحزاب السياسية المختلفة، والإعلام وصُنّاع القرار. لقد قابلت في لندن بعض هذه الشركات التي تتولى العلاقات العامة لدول مثل قطر، حيث تقوم الشركة بتنسيق مقابلات مع السياسيين وصُنّاع القرار، وكتابة مقالات مدفوعة الأجر للصحافة، وتنسق الحملات الإعلامية. فلماذا نترك المجال للآخر لطرح وجهة نظره، بينما نحن نكتفي بالتحدث لأنفسنا وليس للخارج؟
المشكلة أن القول وحده لا يكفي، دون تغيير حقيقي في السياسات، وهو ما أدركه الرئيس، حينما وعد بالإفراج عن الأبرياء في السجون، ومحاسبة المسؤول عن قتل شيماء الصباغ وشهداء استاد الدفاع الجوي. مثل هذه الخطوات ستكون البادرة التي يمكن أن يبني بها الرئيس حوارًا جادًا وبنّاءً مع الشباب وكسب ثقتهم في هذا الوقت الحرج الذي لا يمكن لمصر أن تستعدي فيه قطاعًا حيويًّا مثل الشباب. فلا يُعقل أن تكون الرسالة للشباب هي أن جواز السفر المصري نقمة عليك، حيث يتم الإفراج عن الصحفيين الأجانب أو مزدوجي الجنسية، بينما يقبع زملاؤهم المصريون في السجون. ولا يستقيم الوضع أن يكون الشباب في السجون بينما نظام مبارك بأكمله خارجها، بعد حصولهم جميعًا على البراءة الجماعية، وكأن ثورة لم تكن. وأخيرًا، مثل هذه الخطوات ضرورية لتُبنى عليها حملة إعلامية منظمة للتصدي للصورة السلبية لمصر وللرئيس السيسي في الخارج. فهذه السلبيات لا تنفع أحدًا ولكن تضرّ بسمعة الوطن والرئيس.