في بداية الموسم، كان من المستحيل على أكثر مشجعي أرسنال المخلصين أن يضع فريقه ضمن المنافسين المحتملين على دوري الأبطال.
كان الفريق يؤدي بشكل غير ثابت، لا يفوز في ثلاث مباريات على التوالي، يخسر الكرة بسهولة، يتلقى أهدافًا سهلة، يرتكب حارسه هفوات متكررة، ويعتمد هجومه بشكل شبه كلي على أليكسيس سانشيز فقط.
في الشهرين الأخيرين، منذ توقف دوري الأبطال حتى عودته، كان أرسنال أحد أكثر الفرق التي تحسن مستواها في أوروبا، جعلته فريقًا صعبًا جدًا، لا يتعلق الأمر فقط بالنتائج –التي ارتفعت بصورة واضحة- ولكن بثباتِ الأداء ومعدل إحراز وتلقي الأهداف.
صحيح أن الفريق لازال أضعف من أندية كـ بايرن ميونيخ وتشيلسي وريـال مدريد وبرشلونة، ولكن اختلاف أداء أرسين فينجر هذا الموسم في المباريات الكبرى، وتغير فلسفته عما كانت عليه طوال مسيرته، إلى جانب بعض الأسباب الأخرى، يمكنها أن تجعل أرسنال منافسًا على البطولة ويذهب حتمًا إلى أدوارٍ أبعد من السنوات الأخيرة التي عجز عن تخطي دور الـ16 في أربعة منها.
ماذا تغير في أرسنال منذ بداية الموسم؟
أهم ما تغير كان تحسن الفريق على مستوى الدفاع، ويمكن ربط ذلك بـ3 أسباب:
(1) أصبح هناك ارتكاز دفاعي اسمه فرانسيس كوكلين
لن تجد اسم «كوكلين» في قوائم محرزي الأهداف أو صناعها، لن يكون في اختيارات أي شخص لأفضل لاعبي الدوري أو دوري الأبطال، ولكنه نقطة هامة جدًا في تحسن نتائج أرسنال خلال الشهور الماضية.
عانى الفريق بشدة في المواسم الأخيرة من افتقاد ارتكاز دفاعي، في ظل ميل «فينجر» للعب بثلاثة لاعبين في وسط الملعب بميولٍ هجومية مع تقسيم المهام الدفاعية عليهم بقدر من اللامركزية، أو إعادة لاعب وسط هجومي في الأصل –مثل «أرتيتا»- ليلعب كارتكاز، أمر كان كارثيًا بالنسبة للفريق في مناسباتٍ كثيرة، تحديدًا اللقاءات الكبرى في الموسم الماضي.
«كوكلين» ارتكاز مخلص، يلعب في حدود امكانياته القائمة بالأساس على حسن التمركز واقتطاع الكرات، مهمته الأساسية إفساد هجمات الخصوم، دون فلسفة زائدة أو محاولة الظهور في الصورة بقدرٍ أكبر من ذلك الدور، لذلك فوجوده كان الأهم بالنسبة لأرسنال منذ عودته من إعارة «شارلتون».
ويمكن قراءة هذا الموضوع الذي كُتِب قبل شهرين عن أهمية هذا اللاعب للفريق.
(2) وجود حارس مرمى اسمه ديفيد أوسبينا
لا مبالغة في الأمر إذا قيل أنه منذ رحيل «ليمان» عن أرسنال لم يحظ الفريق بحارس مرمى مُطمئن.
كل الحراس الذين مروا على أرسنال منذ ذلك الوقت لديهم أخطاء كارثية، ولا يقدمون أداءات ثابتة طوال الموسم، ويعانون بوضوح من نقص الخبرة وبالتالي يهتزون بشدة في اللقاءات الكبرى، ينطبق ذلك على ألمونيا أو فابيانسكي أو تشيزني.
«أوسبينا»، وبالرغم من بعض أخطاءه، ورغم أنه ليس من أفضل حراس في العالم مثلًا، إلا أنه أفضل حارس مرمى لأرسنال في آخر 9 سنوات. الدولي الكولومبي، الذي قدم أداءات مميزة في كأس العالم، لديه ثقة وخبرة وثبات في المستوى خلال المباريات التي لعبها –وهي بالمصادفة نفس فترة وجود «كوكلين»-، مما قلل كثيرًا في معدل تلقي الفريق للأهداف.. حيث دخل مرماه 3 أهداف فقط في الـ7 لقاءات الأخيرة التي لعبها مع الفريق.
من الصعب الآن أن تجد هدفًا ساذجًا يدخل مرمى أرسنال لأن حارسه يتوه في بعض اللحظات.
(3) عودة «كوسيلني» وحضور «باوليستا»
في الدور الأول، ارتكب «فينجر» خطأ فادح بدخول البطولات بمدافعين فقط، بيير ميرتساكر ولوران كوسيلني، أصيب الأخير، ولجأ المدرب الفرنسي لخيارات اللعب بالأظهر كمدافعين، ورأينا مونريال أو ديبوشي أو تشامبرز في قلب الملعب جانب ميرتساكر، مما أدى لنتائج وأخطاء كارثية، خصوصًا مع انخفاض شديد في مستوى الألماني المعتزل دوليًا.
عودة «كوسيلني»، وثبات التشكيل الدفاعي، إلى جانب قدوم جابريل باوليستا مدافع «فياريال» الذي قدم أداءات ممتازة في الليجا، كل هذا رفع كثيرًا من مستوى الفريق.
«أرسنال لا يتلقى أهدافًا في 3 مباريات على التوالي».. جملة كان من المستحيل أن تحدث في الدور الأول ولكنها حدثت في أول 3 لقاءات في وجود «أوسبينا» وأمامه «كوسيلني وميرتساكر» وأمامهم «كوكلين».
أما هجوميًا فيمكن ربط السبب الرابع به:
(4) عودة المصابين واكتشاف «بيلرين»:
أرسنال يفوز على أستون فيلا 5-0.. في غياب أليكسيس سانشيز!
حلول أرسنال الهجومية تنوعت كثيرًا في الشهرين الماضيين بعد عودة المصابين: جيرو وأوزيل ووالكوت، مع ثبات مستوى رائع من كازورلا، ووجود التشيكي توماس روزيسكي دائمًا عند الحاجة إليه.
«أوزيل» عائد بمستوى رائع جدًا، «والكوت» مهم حتى لو لم يبلغ قمة أداءه بعد، و«جيرو» أفضل مهاجم في أرسنال رغم كسله ومشاكله أحيانًا، وهو حاسم في أغلب الأحيان.
إصابة «ويلشير» و«رامزي» أيضًا جعلت الفريق مضطرًا للعب بالتشكيل الأفضل، في ظل انخفاض مستوى الإنجليزي والويلزي وثقة «فينجر» الدائمة فيهم، عدم وجودهم جعل الهجوم يتحسن حتى إذا غاب أليكسيس.
وفي حضور أليكسيس، ومعه «تشامبرلين»، يصبح لأرسنال قوى وحلول هجومية مرعبة في الأمام، إذا أضفنا أيضًا التحسن النسبي في استغلال الكرات الثابتة مؤخرًا.
وإلى جانب كل هذا هناك «هيكتور بيلرين»، اكتشاف «فينجر» الجديد في الناحية اليمنى، وأول ظهير لأرسنال بجرأة وإضافة هجومية واضحة منذ سنوات، ليس فقط هدفه في أستون فيلا، أو صناعته المدهشة للهدف الأول في «نيوكاسل»، ولكن في كم التمريرات الذكية الأمامية الناجحة والسريعة التي يقوم بها ويرفع نسق الفريق تمامًا.
أما السبب الخامس والأخير في احتمالات منافسة أرسنال، أو على الأقل كونه لم يعد خصمًا سهلًا كبداية الموسم هو أرسين فينجر نفسه.
تغيرت فلسفة«فينجر» هذا الموسم، الفرنسي لم يسبق له اللعب بشكل دفاعي، بوجود ارتكاز ثابت دائمًا، مع اعتماد على الهجمة المرتدة، لم يسبق له اللعب بتلك البرجماتية والتحفظ، لم نعد نرى انفرادات بالجملة أمام أي فريق كبير يلاعبه أرسنال.. وليس من الوارد الآن تحت أي ظرف أن يخسر الفريق بستة وستة وخمسة وثلاثة أهداف كما حدث في الموسم الماضي.
الموسم الماضي تحديدًا له أثر كبير في هذا التغير، النتائج الكارثية أمام الخصوم دفعت «فينجر» لتقبل أن يكون رد الفعل أحيانًا، وألا يفتح الملعب دائمًا، أرسنال يستفيد الآن من ذلك.
الرحلة نحو اللقب تشمل الآن 7 لقاءات، أسهلها بالتأكيد هو لقاء الأربعاء أمام «موناكو» على ملعب الإمارات، سيكون الفيصل في احتمالية انطلاق الفريق للأمام والاقتراب من اللقب القاري الذي لم يفز به أبدًا.. أو العودة للف في نفس الدائرة المملة من جديد.