مصطفى حجازي: القوى السياسية تتحاور لاقتسام الغنائم (2-2)

كتب: محمود مسلم, عادل الدرجلي الأربعاء 25-02-2015 08:57

فى الجزء الثانى من حواره مع «المصرى اليوم» يواصل الدكتور مصطفى حجازى، مستشار الرئيس السابق للشؤون الاستراتيجية، فتح ملفات حول بناء المستقبل، ورؤية الأجيال الجديدة لهذا المستقبل، مطالبا بصناعة الأفكار والاهتمام بالاستراتيجيات طويلة المدى، وانتقد بعض القوى السياسية التى لا تلجأ للتحاور إلا بغرض اقتسام الغنائم، وطالب بسيادة قيم أساسية هى الحقيقة والعدل حتى ينمو المجتمع ويتطور، وكذلك ضرورة الانفتاح على العالم، كضرورة للحاق بركب الحضارة.

■ أنت معروف كمفكر حالم وثورى ودخلت الاتحادية بعد 30 يونيو واطلعت على معلومات هل غيرت شيئا داخلك؟

-

هناك أمور ترسخ يقينى فيها من خلال المشاهدة المباشرة، وهى مسار الانطلاق لمستقبل أفضل لم يبدأ بعد، فمطلوب منظومة مؤسسية لكل ملف، والعمل الذى أتحدث عنه هنا ليس فرديا، وإنما يجب إقامة قاعدة مجتمعية له، فما نعيش فيه الآن غير قابل للتأسيس إلا على دعامتين الأولى هى الحقيقة والثانية العدل، والحقيقة هنا بمعنى أن يقوم كل شىء بدوره الحقيقى المنوط به والموجود من أجله، وبالتالى لا يصح أن نعيش الحقيقة الممسرحة التى كنا نحياها فى الأربعين سنة الماضية، علينا أن نعلم أن الحقيقة والعدل هما وعد ووعيد المستقبل فى آن واحد، والوعد هنا أن هذا المستقبل لن يعيشه أحد إلا بما ينبغى أن تكون عليه مؤسسات المجتمع المنجزة، والوعيد بأن ما عدا ذلك غير مقبول.

■ كيف تم اختيارك مستشارا للرئيس؟

-علمت بتعيينى مستشارا للرئيس عدلى منصور فى 5 يوليو 2013، من شريط الأخبار على شاشة التليفزيون.

■ ألم يتصل بك أحد قبلها؟

- تلقيت اتصالا يوم 4 يوليو، قال لى المتصل إن الرئيس عدلى منصور يريد أن يلتقينى يوم السبت 6 يوليو دون أن يبدى لى أسبابا محددة، وكنت قبلها سمعت أن هناك حديثا عن فكرة تعديل الدستور، فتخيلت أنه يمكن أن يكون اللقاء للحديث حول هذا الأمر، فالتقيت الرئيس عدلى منصور، وتحدثت عن عملى وتم الاتفاق على أن أكون مستشارا للشؤون الاستراتيجية وليس السياسية، لأن الأصل فى مهمتى كان إيجاد ملامح يمكن أن تكون بداية لتأسيس الملفات الاستراتيجية.

■ وكيف يمكننا التحرك نحو المستقبل؟

- من خلال 4 مسارات، يجب أن تبقى دائما وتنمو سويا وألا يختفى مسار منها وألا يجور مسار على آخر، وأهم وأخطر هذه المسارات، أن يوجد لمصر عقل مؤسسى، يكون المسؤول عن وضع معايير المستقبل لكل مؤسسات الدولة لأن السياسة والحكم هما إدارة المستقبل وليس الحاضر، وفى هذا العقل المؤسسى شق يكون هو المسؤول عن إدارة استراتيجية للأزمات ووضع تصور لأى أزمة تواجهنا سواء كانت أزمة مياه أو مختطفين فى ليبيا أو تعامل مع غزة، إلى أن نصل إلى أزمات الطاقة والغذاء إلى آخره، والعقل المؤسسى يتكون من الأكثر أهلية وصلاحية للقيام على هذا الملف بشكل ليس آنيا وإنما مستقبلى.

■ ألا ترى أن المجالس الاستشارية التى شكلتها رئاسة الجمهورية يمكن أن تكون نواة لهذا العقل المؤسسى؟

- المجالس الاستشارية بالتأكيد تجمع نخبة من أفضل أبناء مصر، لكن التفكير صناعة، وصناعة التفكير أمر مختلف، ومركز صناعة الفكر إذا لم يكن له صلاحيات واضحة تنتهى به إلى الإلزام بالمنتج الفكرى، يصبح فى النهاية ليس طرفا فى صناعة القرار، إذن أى نوع من الصلاحيات كان لدى المجالس الاستشارية وما هو المنتج الفكرى المنوط بها.

■ هل ترى أن المجالس الاستشارية حتى الآن لم تصل إلى ما وصفته بالعقل المؤسسى؟

- فيما أعرفه وما أسمعه عنها لا أتصور أنها أعطيت هذه الصلاحيات، إضافة إلى أن تشكيلها قام على فكرة أنها تتحول فى النهاية إلى العقل الجمعى لمؤسسة الرئاسة أو هذا ما أفهمه على الأقل، ولكن هذا كما ذكرت يتوقف على الصلاحيات، والمهمة التى أوكلت إليها، ومدى علاقة الكفاءات الموجودة بها بالموضوع محل النقاش، وفكرة التطوير هى علم مستقل بذاته يحتاج معرفة ما هو مطلوب، وعندما أقول إن مصر ليس لها عقل مؤسسى لا أقصد المجتمع، فمصر بها عقول، لكن العقل المؤسسى للدولة شىء والعقول المتناثرة على صفحة المجتمع شىء آخر. و«المصرى اليوم» مثلا عندما بدأت كانت تخاطب القارئ بشيئين الأول حجم «الصحيفة» والثانى حجم «البنط» المستخدم، فالتفكير على هذا النحو لا علاقة له بالخبر الذى سيكتب وإنما يتعلق بأمور أخرى تتعلق بالعقل المؤسسى، وهو ما يتحدث عن شىء خارج سياق العمل اليومى للمكان.

■ ما الملفات التى عملت عليها عندما كنت مستشارا للرئيس؟

- بالإضافة إلى المهمة الأساسية، وهى تحقيق عملى لخطوات خارطة المستقبل من دستور ثم انتخابات رئاسية وبرلمانية عملت على أربع ملفات، هى ما يسمى بمجلس اقتصادى «مفوضية اقتصادية»، ومفوضية شباب، ومفوضية أعلام، ومفوضية عدالة انتقالية، والغرض منها، وجود إطار يستطيع أن يكون قاعدة للعقل المؤسسى لهذه الملفات الأربعة، فمثلا قضية الإعلام والتى لا يوجد أحد إلا ويتحدث عنها ما بين مؤيد ومعارض، هل كل من يمتهن مهنة الإعلام، منوط به التحدث بشأن الإعلام.. يقيناً لا، فإذا وجدنا قضية معينة تخص الإعلام وغيرها من ملفات، يجب أن نبحث عمن يمكن أن يبحث القضية ويستطيع التفكير فى نقل مصر من حال إلى حال أفضل، فيجب البحث عن الكفاءات التى يمكن أن تناقش هذه الملفات، محمد على عندما أراد تأسيس جيش مصرى حديث أوكل المهمة إلى سليمان باشا الفرنساوى، وعندما أراد معرفة الكفاءات التى يقوم عليها هذا العصر قام بإرسال بعثات إلى الخارج.

■ وما أهمية العقل المؤسسى لأى دولة؟

- أى دولة لديها عقل مؤسسى تعرف أن الأزمة ليست أمرا يحدث أو لا يحدث وإنما تعرف أن الأزمة أو المؤامرة أمر قابل للحدوث طول الوقت، فمثلما يوجد مجلس دفاع وطنى وأمن قومى ومجلس استراتيجى لإدارة الأزمات إلى آخره، يجب أن يكون هناك عقل ثابت لإدارة الأزمات فى المطلق وخريطة للأزمات المتوقعة، بما فيها الكوارث الطبيعية، وأن يكون مؤهلا لهذه الأزمة، وألا يكون متطوعا ويجب أن يعرف أن هذه وظيفة تحتاج منه التفرغ التام.

■ وما باقى المسارات؟

- بالإضافة للعقل المؤسسى ومسار إدارة الأزمة استراتيجيا، هناك مساران مهمان جدا وهما الاحتواء الإيجابى والاحتواء السلبى، والإيجابى بمعنى أن لدينا المجتمع عبارة عن بشر وليس ماكينات أو كائنات دون الإنسانية، وبالتالى ما تحركه هو المشاعر الإنسانية التى يمكن أن تصنع منه وله نتائج إيجابية جدا أو تجعله دائما فى حالة تراجع وانسحاق وانسحاب، والقيم الإيجابية داخل المجتمع تحتاج إلى من يرعاها ويدعمها ويؤكد عليها، فمثلا كنا فى الماضى فى اليوم المدرسى نجد تحية للعلم وحصة للتربية القومية وحصة للرسم نرسم فيها حرب أكتوبر وتاريخ الفراعنة، كل هذه الأمور عبارة عن رعاية للقيم الوطنية داخل الطفل، والقيم الوطنية إذا أضفنا عليها القيم الإنسانية والتعايش وقبول الآخر، كلها قيم إيجابية غائبة الآن عن المجتمع، وهى لن تنمو بشكل «دارويني» وإنما يجب وجود رعاة لأفكار المجتمع، فـ«الدواعش» مثلا هم زراعة كتب موجودة تركت لفترة طويلة جدا ثم تم استخدامها سياسيا.

■ كيف هذا؟

- حرب أفغانستان كانت امتدادا طبيعيا لفكرة محاولة قتل معنى القومية العربية، والحل وقتها تذويب القومية العربية فى إناء أوسع وهو الأممية الإسلامية، وهناك من التقط هذا الخيط اختيارا وطوعا، مثل الرئيس السادات، والذى كان مندوب مصر فى المؤتمر الإسلامى، ولديه حس دينى بطبيعته ووقتها قرر الغرب من جهة، وقرر الرئيس السادات والملك فيصل رحمهما الله من جهة أخرى، محاربة اليسار بفكر الإسلام السياسى.

والبداية كانت بشريط كاسيت لم يتوقف أمامه أحد على أرصفة أحد المساجد، تطور بعدها ليكون شرائط للدعاة يقررون فيها الحرام والحلال، فنحن أمام احتكار للدين واحتكار للوطن على الجانب الآخر، والاحتكاران لا يمكن أن يكونا جزءا من المستقبل.

■ كيف ترى فكرة المصالحة مع الإخوان الآن؟

- الحديث الأولى هو كيف نقيم العدل فى المجتمع.. هذا هو حديث المستقبل.. الإخوان ماض مات ويتحلل.

أما عن العدل فأى عدل فى الدنيا يجب أن يبدأ بالحقيقة ثم يليها قصاص، والمجتمع المصرى لن يصالح من أجرم فى حقه من الإخوان أو غيرهم ولكن سيقتص منهم بالقانون.. لأن لسان حال المجتمع كما كتبته قريباً أن مصر لن تهان أو تستباح من أحد.

■ ماذا تعنى بجملة حوار مجتمعى؟

- نحتاج إلى حوار عقول ممنهج تجاه تعريف نوع الحياة التى نريد أن نعيشها، ولا أقصد حوارا مجتمعيا بمعنى أن تجتمع مجموعات تسمى نفسها قوى سياسية، لكى تتحاور بشأن اقتسام غنائم سياسية، وإنما أتحدث عن قوى حية فى المجتمع لم تعبر عن نفسها بعد.

■ ما هى طرق التعبير عن المجتمع من وجهة نظرك؟

- التعبير عن المجتمع بثلاث صفات لم يتم البحث فيها بجدية بعد، تعبير جغرافى، تعبير فئوى، تعبير قطاعى.

■ البعض يرى أن نظام مبارك دمر الكفاءات فى مصر.. هل توافق على ذلك؟

- هذا صحيح.. ولكن بفضل الله وحده ولأن مصر بلد كبير، باقى فيه القليل الذى يمكن البناء عليه، والتصحر لا يعنى أن مصر فرغت من العقول، فإنها لم تفن بعد، وخريطة البشر لم تعرف بعد، فنحن فى مصر لدينا خلط بين النجومية والقيمة.

■ هل النظام الحالى يستشيرك فى بعض الأمور؟

- لم يحدث أى تواصل.

■ ما تقييمك لأداء الرئيس السيسى؟

- أرى أن هناك جدية واضحة، ورغبة حقيقية فى الانتقال نحو المستقبل، وهناك طموح واضح نحو الانتقال لشرعية القبول لما أسميه شرعية الإنجاز، وأرى تململا لما يسمى شرعية الانحياز والقطع فى قضايا المستقبل والماضى، فحين يتحدث الرئيس السيسى عن أن ثورة يناير كان يجب أن تكون موجودة قبل 15 عاما من تاريخها وأنه لا يوجد منصف يستطيع أن يدافع عن نظام مبارك، فى حين أن المواطن العادى مازال يجد من يؤثمه على القبول بما حدث فى 25 يناير، ليس فقط بالاشتراك فيه، بل يحاول أن يبتذل كل ما حدث إلى دائرة الاشتراك فى مؤامرة وأن هذا كان مجرد امتثال لمؤامرة غربية قطرية، وهذا به قدر من التعالى على الشعب واحتقار لحلم التغيير.

فى حين أن هذا المعنى المستهجن والذى فيه إهانة للمصريين هو الذى يحرص الرئيس أن ينفيه فى كل تواصل.

■ وماذا تعنى شرعية الانحياز؟

ـ كان هناك من وزراء مبارك من يبدو أنه أتى بشرعية قبول منطقية، وآلية التعيين أن مبارك يختار وزراءه، وعلى مستوى الإنجاز بعض الوزراء كان يستطيع أن يبلى بلاء حسنا فى بعض الملفات، وانحيازه فى النهاية لم يكن للشعب، والمستقبل يحتاج الوضوح فيما ترسله من رسائل أو ما تعلنه من انحياز أو فيما تنهى عنه أو تقبل به، فالسكوت نوع من القبول.

■ ما الذى توصى به ليصبح أى رئيس لمصر على طريق المستقبل؟

ـ أن يعلن من اللحظة الأولى انحيازا واضحا لما يمكن أن يكون عليه المستقبل.

■ كيف ترى صفقة الطائرات الفرنسية؟

ـ جهد مؤسسى بامتياز.. فالأمر اقتضى أن يكون هناك بحث للتسليح الأفضل، واختيار ثم تعاقد، وفى هذا الأمر رسائل سياسية عميقة مرتبطة بالحركة تجاه المستقبل من حيث المسؤولية المؤسسية، وكذلك شكل الاحتفال نفسه كان له دلالات، وهذه هى أبجديات وضرورات أى إصلاح أو نشأة مؤسسية لدولة المستقبل ومن الظلم أن نلقى مسؤوليتها كاملة على الرئيس أو مؤسسة الرئاسة وحدها.

دولة المستقبل التى تنشأ الآن فى الحقيقة، صعوبتها أنها تنشأ فى مجتمع يقوم من ركام ولم يبق من دولته إلا بقايا بيروقراطية قديمة.

■ هل ترى أن رؤية الرئيس هدفها تثبيت دعائم الدولة المصرية؟

ـ أعتقد أنه حين يتحدث عن إحياء دولة، فإن جزءا مما يتحدث عنه هو ملمح الهيبة للمؤسسة الأم (الدولة) أكثر من الحديث عن فاعليتها المؤسسية، علما بأن المجتمعات تستقر على نحوين لا ثالث لهما.. أما على اتزان صلاحية أمام مسؤولية أو على اتزان قهر أمام فوضى، والاتزان الثانى هو ما حكم به مبارك وهو ما يشى باستقرار حرج متوهم قابل للانهيار فى أى وقت، وعندما نتحدث عن الدولة فبعد الدولة المهيبة الرادعة للفوضى يلزم أن تكون الدولة الفاعلة والكفء. نحن الآن فى فترة تأسيسية وليس انتقالية، وعشنا مع مبارك فترة انتقال مفتوح - أرادها هو كذلك حتى وصل بنا إلى ثقافة «التيه». وثقافة «التيه» كانت تصل لحلول مؤقتة المشاكل.

■ كيف ترى الانتخابات البرلمانية؟

ـ البرلمان المفروض أنه برلمان المستقبل، ويفترى عليه أنه يراد له من قوى الماضى أن يكون برلمانا ماضيا، ويراد له أن يكون رديف سلطة كما كانت البرلمانات السابقة، يراد أن يقتل فيه فكرة المستقبل فى مهدها، وأخطر ما يمكن أن تسمعه عن أى برلمان أن يتصور أحد أنه برلمان للنكاية السياسية ويقابلها فكرة أن هذا البرلمان للاصطفاف السياسى، فلا هذا صحيح ولا هذا صحيح.

فسمات البرلمانى الذى يستطيع أن يمثل المستقبل، هو من يستطيع أن يناقش ملفات هذا الوطن وفقا لكفاءة مثبتة أو شبه مثبتة ويعرف مهمة البرلمانى التى تتجاوز فكرة نائب الخدمات فى مراحل كثيرة، وما أراه الآن أن هناك بعض أطياف المستقبل موجودة وتحاول شق طريقها، ويقابلها زخم فيه تعالٍ شديد من قوى الماضى، ويفرض بعضها مفهوما مغلوطا يدخل فى دائرة ما أسميه الحرام الوطنى، ولا يوجد شيء اسمه الاصطفاف الوطنى المطلق، فالاصطفاف لا يعنى غياب العقل.

■ كيف ترى ترشح أحمد عز فى الانتخابات المقبلة؟

ـ ما الذى دفع رجلا يعلم أنه من ملامح الماضى القديم الذى مات ويتحلل، ألا يتوارى ويشعر بأى نوع من الحرج فى الظهور بهذا القدر من الفجاجة على المشهد السياسى المصرى، لقد وجه نوعا من الإهانة الشديدة للمجتمع المصرى، فلماذا أستطاع هؤلاء أن يجترئوا على إهانة المجتمع على هذا النحو، لأن هناك من حرق الأرض والعقل بالمدفعية الثقيلة والمهينة وهى مدفعية من السفه واللامنطق.

من جعل هؤلاء يجترئون على إهانة الشعب، هو من وظف المؤامرة يوميا لصالحه ويتاجر بآلام المصريين.

■ هل تؤيد فكرة القائمة الموحدة؟

ـ أتصور أنه لا يستقيم فى مجتمع نبحث فيه عن الكفاءات، أن ننتهى إلى فكرة تنميط الكفاءات، فإننا أمام مجتمع لم يتفق بعد على فكرة العقل الحقيقى، ووضع المرشحين فى قائمة موحدة يكون البحث عن الأشهر وليس الأنقى هو الحاكم.

■ هل عرض عليك الترشح على إحدى القوائم؟

ـ نعم.. وكان ردى أننى معنى بالشأن الوطنى وبقضايا المجتمع والهم العام من زاوية تأسيسية وفكرية تسبق أى ممارسة سياسية مباشرة..

■ ما رأيك فى تعبير قائمة الدولة الذى أطلق على قائمة «الجنزوري» ومن بعدها قائمة «فى حب مصر»؟

ـ دون تسمية قوائم، ولكن عندما تجد حديثا عن قائمة للدولة فإن هناك خطرا شديدا، لأن الحقيقة تقتضى أن نسميها قائمة السلطة لا قائمة الدولة، لأن هناك خلطا بين الدولة والسلطة يزيد الأمور تعقيدا وخطرا، لأننا ببساطة نكون أمام ما كان يفعله الحزب الوطنى قديما بمسمى جديد، فهل نريد أن نتجه بالدولة للمستقبل على هذا النحو، لا أعتقد.

والبرلمان الحقيقى دوره تشريعى رقابى يقوم على ملفات الناس من خلال تشريعات لها معنى، وما يقلقنى قبل أن يكون النائب شرعيا، هو أن يكون مؤهلا وما يقلقنى قبل أن تكون الانتخابات نزيهة هى أن تكون حرة على كل المستويات وفى ذلك عمل كبير طويل المدى وتأسيسى على جميع الأصعدة.

■ لماذا تأخر فض اعتصام رابعة؟

ـ فى سؤالك عن أن اعتصام رابعة كان منبتا للإرهابيين.. نستطيع أن نقول إن التحول النوعى فى بعض المواطنين من نبت إرهابى ثم يتحول إلى إرهابى نتيجة فض رابعة، هذا تحول نوعى تم على مدار 48 يوما، دعنا نتفق على أن أى دولة تعرف دورها فى الحياة وتتسق مع هذا الدور، وأن لديها مواطنين ترعاهم، يجب أن تسمح لهم بمساحة أفترض فيها بأنها مساحة تعبير عن رأى، وفى أن يعطى حق المواطن فى إطار ضوابط للقانون.

أما عن تركيبة من كانوا فى رابعة فالحقيقة أن فيهم أمراء حرب مازالوا حتى هذه اللحظة يقودون حرب حقيقية منحطة ضد هذا الشعب، وهناك مجموعة من المغيبين التى دخلت رابعة قلبا وعقلا ومازالوا يفكرون الآن على نفس النسق ولكنهم منسحبون من ساحة العنف المادى قد يكون إلى العنف اللفظى أو الإلكترونى، ومجموعة أخرى تحولوا إلى نبت إرهابى بالمعنى المادى.

والحكم بأثر رجعى على فض رابعة أو غيرها أمر خطر بشكل كبير، فهذه أزمة كانت تدار ساعة بساعة وليست يوما بيوم، لأن طبيعة السيولة التى كانت عليها كانت تقتضى الإدارة اللصيقة للحدث وساحة تطوره على شعبك فى الداخل ثم إقليميا وعالميا.. وقد كان التغير فى طبيعة الأزمة السائلة والملتهبة فى حينها وكل الزخم الإقليمى والدولى المرتبط بها واضح حتى فى اختيار التعبيرات الإعلامية المعبرة عنها، وأذكر يوم 24 يوليو وهو اليوم الذى دعا فيه اثنان من قادة الإخوان الطلقاء حينها إلى مؤتمر للعدالة الانتقالية ولم يحضروا بالطبع، وكان هذا المؤتمر فى الصباح، وفى نفس الوقت كان لنا لقاء آخر مساء مع مراسلى الصحف الأجنبية، وكان هناك عنف قد حدث فى الإسكندرية والقاهرة وقتل، انتقلنا من الاحتواء الإيجابى إلى السلبى وأعلنت أننا بصدد أعمال إرهابية وكان ذلك إعلاناً واضحاً للتغير فى طبيعة الأزمة والصراع ذاته والذى أراد الإخوان إلى نقله إلى أعمال إرهابية ضد شعب ودولة.

وعلى الشعب أن يعلم أننا فى 25 يناير وفى 30 يونيو كان العقل الجمعى المصرى يسبق الخارج بخطوات.

■ هل ترى أن العالم مازال لديه أزمة معنا؟

ـ العالم براجماتى صاحب مصلحة وهو دائما يبحث أين توجد مصلحته، وأكبر شاهد على ذلك أن لدينا دولة مثل فرنسا كان موقفها من الأيام الأولى من 30 يونيو يتبنى موقف غربى متشدد، الآن هى تقر يقينا وعمليا أنها لا مشكلة لديها مع كل ما كان وتتعاقد على صفقة أسلحة متطورة معنا فى إطار من الصداقة والشراكة.

■ وأمريكا؟

ـ أى قوى عظمى لها منطق وهو الولاية والهيمنة، وهو جزء من بقائها، والهيمنة ليست فقط على الشرق الأوسط، وإنما تجد هيمنة على أوكرانيا أو الغرب الأوروبى، وهو أمر ليس جديدا، وإدارة الهيمنة يمكن أن نحولها من هيمنة إلى شراكة مصالح، وكنا نقول لهم إن الصيغة الواجبة لعلاقتنا أن ننتقل من فكرة التابع والمهيمن إلى صيغة الندية والمصالح المشتركة.

■ ما رأيك فى عودة الأمريكان مرة أخرى لعقد لقاءات مع الإخوان؟

ـ هو يمارس أدوات ضغط ويرسل رسائله بأنه فى موقع الهيمنة، مثلما حدث فى حالة أزمة البترول الأخيرة، لا يوجد شيء متروك للصدفة، فهناك عقول تضع الاستراتيجيات، وأمريكا إمبراطورية هابطة الآن وهى تحاول أن تهبط من نقطة إلى نقطة مع استمرار هيمنتها.

■ هل ترى أن الانفتاح على روسيا خطوة موفقة؟

ـ موفقة للغاية، ويبقى لدينا نوعان من الانفتاح، الانفتاح السياسى بعلاقات متزنة مع العالم، والانفتاح العقلى على المعايير والأفكار.

■ وكيف ترى الأوضاع فى ليبيا حاليا؟

ـ إنها دولة انفرط عقدها وكانت قبل القذافى عبارة عن قبيلة كبيرة يحكمها الملك إدريس السنوسى رحمة الله عليه، وأصبحت قبيلة كبيرة يحكمها العقيد معمر القذافى، ثم انفرط العقد.

■ هل ترى أن هناك أزمة بين الشباب والرئيس السيسى؟

ـ هذا التعبير غير دقيق، ولكن أرى أن قطاعات كبيرة من المجتمع لديها فائض من القلق والتململ الحقيقى والموضوعى والمسبب ومن الممكن أن تكون هى من تنظر إلى السيسى باعتبار أنها تؤمن بوطنيته وتثق فيه وتعتقد فيه على أنه معها على درب المستقبل وليس غيره، والجميع هنا.. لا الشباب فقط.. يحق له أن يكون لديه قلق مشروع. وإزالة هذا القلق قبل أن يتأزم يحتاج الى إشارات واضحة منه بل إجراءات لا لبس فيها وبها قدر من العملية.. بالانحياز للمستقبل وليس لغيره.