حذر نهاد عوض، المدير التنفيذى لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، فى حواره لـ«المصرى اليوم» من تنامى حالة العداء ضد المسلمين فى الولايات المتحدة، مشيرا إلى تلقى المجلس أكثر من 17 ألف شكوى لمسلمين تعرضوا لمضايقات فى أعمالهم بسبب دينهم. واعتبر «عوض» أن هذا الرقم هو «قمة جبل الجليد»، بينما لا يظهر الجزء الأكبر، حيث يخشى عدد كبير من المسلمين الإبلاغ عن تعرضهم لمضايقات وتمييز ضدهم خوفا من الملاحقة والأذى.
وأرجع «عوض» حالة العداء والمضايقات إلى جهل الأمريكيين بالإسلام، وأوضح أن بعض استطلاعات الرأى أشارت إلى أن 10% من الأمريكيين، أى 30 مليون أمريكى، يعتقدون أن المسلمين يعبدون القمر.
فى الوقت نفسه، أكد المدير التنفيذى لـ«كير» – فلسطينى الأصل، الذى هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودرس الهندسة المدنية فى جامعة مينيسوتا - أن الإسلام هو أكثر الأديان انتشارا فى الولايات المتحدة. وقال إن عدد المسلمين فى الولايات المتحدة يبلغ 8 ملايين مسلم، بينما يزيد عدد المساجد على الألفى مسجد وهى أعداد وإحصاءات ترصدها «كير» لأنه لا توجد إحصاءات رسمية أمريكية ترصد حركة الأديان، إذ لا تتدخل الحكومة فى أى شأن دينى، طبقا للدستور الأمريكى.
وكما هاجم عوض حالة العداء المتزايدة ضد المسلمين، فإنه دافع عن القوانين الأمريكية التى تكفل الحقوق المتساوية لجميع أفراد المجتمع. وأشار إلى أن الجالية الإسلامية نشطة وتشارك بإيجابية فى الساحة، معدداً بروز شخصيات إسلامية تقلدت مناصب رفيعة فى بعض الولايات والمجالس المحلية ومجلس النواب.
■ حذرت وكالة العفو الدولية من حالة العداء ضد الإسلام والمسلمين بعد الجدل المثار حول مسجد قرطبة ودعاوى حرق المصحف.. كما أدانت المنظمة أجواء الخوف والتمييز والاضطهاد ضد المسلمين.. فهل تشعر بهذا القلق وهل تشعر أنك شخصيا تعانى من التمييز داخل المجتمع الأمريكى؟
- الاضطهاد والتمييز ضد المسلمين ليس جديداً علينا فى المجتمع الأمريكى. نحن نوثق هذه الظاهرة منذ 16 عاماً بتقارير سنوية وقواعد بيانية تظهر أن حالة العداء والتمييز العنصرى فى الولايات المتحدة ضد المسلمين متنامية. وهذه البيانات والمعلومات يرصدها المجلس الإسلامى ومتوافرة على موقعه الإلكترونى. لكن لا يجب أن يشغل ذلك بال المسلمين الأمريكيين، لأنهم يتمتعون بكل الحقوق التى يكفلها الدستور، كما أنهم جالية نشطة وإيجابية فى مجتمع متطور ومثقف ويمثلون تجمعاً ناجحاً بالمقاييس الأمريكية.
■ أخذ القس تيرى جونز بمخططاته لحرق المصحف قدراً كبيراً من الغضب والترقب الدولى، ورغم تراجعه، فقد نجح فى إشعال حالة العداء.. برأيك ما السبب وراء هذه الكراهية، وما الذى يضمن عدم تكرار مثل هذه الدعوات ؟
- لا يوجد أى ضمان لعدم تكرار هذا الحدث. وهناك أشخاص متهورون كثيرون مثل تيرى. هكذا هى طبيعة المجتمع الأمريكى.. الكراهية والجهل، والجاهل يخاف ما يجهل، وعدد كبير من أفراد المجتمع الأمريكى يجهل طبيعة وحقيقة الإسلام.
■ الاضطهاد مصطلح قانونى يشير إلى وجود استخدام للسلطة للتمييز فى تعاملات الدولة لصالح فئة أو طائفة دون أخرى. هل تعتقد أن فى أمريكا - التى يشار لها باعتبارها بلد الحريات والدستور – قوانين تعامل المسلم على أنه فرد من الطبقة الثانية؟
- الحريات فى الولايات المتحدة بحسب الدستور مكفولة للجميع مسلمين وغير مسلمين، وتنطبق على الأمريكيين وغير الأمريكيين أيضا، والزائرين بل والمقيمين بصورة غير شرعية. جميعهم يتمتعون بحريتهم وحقوقهم. لكن هناك أيضا من يخالف هذه القوانين بسبب ضيق أفقهم وكراهيتهم للآخر، وهذا ليس جديدا.
فقد عانت الأقليات السوداء واليهودية والأيرلندية على مدى العصور من الاضطهاد، وكافحت حتى نالت حقوقها. واليوم المسلمون الأمريكيون يكافحون لنيل هذه الحقوق. أنا أرى أن موقف «جونز» لحرق المصحف الذى واجهته الإدارة والإعلام الأمريكيين بإيجابية مؤشر إيجابى على طبيعة الحريات والحياة فى المجتمع الأمريكى.
■ هل هناك أمثلة لاضطهاد مسلمين، هل تم منعكم من بناء مسجد أو منع أى مسلم من تقلد وظيفة حكومية بسبب ديانته؟
- الاضطهاد ضد المسلمين منتشر ونحن نرصده بأسلوب علمى ومنهجى من خلال دعوة المسلمين للاتصال بمجلس (كير). ونحن نقوم بمعالجة هذه القضايا وتسميتها وتمثيل الضحايا قانونيا وسياسيا. كذلك نحاول رفع وعى المسؤولين والشركات بحقوق المسلمين، حسب نصوص الدستور الأمريكى. من جانب آخر، هذه الشكاوى تقود إلى إصلاح بعض القوانين أو إلغاء أخرى لتتوافق مع نص وروح الدستور، وكما ذكرت هذه طبيعة الولايات المتحدة، والمسلمون ليسوا استثناء.
■ هل هى دعوة لكل مسلم يتعرض لمضايقات فى الولايات المتحدة، أن يتوجه إلى مجلس العلاقات الإسلامية- الأمريكية بالشكوى؟
- نعم نحن نطالب المسلمين الأمريكيين بالتفاعل الإيجابى فى الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية وبإمكانهم الاتصال بمكاتبنا المنتشرة فى العديد من الولايات، لدينا 34 مكتباً إضافة إلى المقر الرئيسى فى واشنطن.
■ كم شكوى جاءت إليكم من مسلمين يشكون من الاضطهاد فى الفترة الأخيرة بعد أحداث 11 سبتمبر؟
- عشرات الآلاف من الحالات تأتينا، حتى الآن أعتقد أننا تعاطينا مع حوالى 17 ألف حالة، لكن كثيرا من المسلمين يترددون فى الحديث عن الاضطهاد، الذى يتعرضون له خوفا من المضاعفات التى قد يتعرضون لها أو الانتقام. هذا استنتاج أستخلصه من حديثى الشخصى مع العديد من المسلمين الذين يتحدثون عما يتعرضون له. العديد منهم لا يسجلون هذه الشكاوى مع المؤسسات. أرى أنه تجب مكافحة هذه الظاهرة ورفع الوعى وتقوية الثقة بالنفس وإقناع المسلمين الأمريكيين بأن حقوقهم مصانة وأنهم لو اتبعوا الوسائل الصحيحة سيتم رد الحقوق إلى أصحابها.
■ صرحت من قبل بأن أكثر من 13 % من المجتمع الأمريكى يكنون العداء للعرب والمسلمين.. فمن أين هذا الرقم؟
- هذا ليس رقما دقيقاً فقد قلنا إن 10% من المجتمع الأمريكى (أى ما يعادل 30 مليون أمريكى) يعتقدون أن المسلمين يعبدون القمر وهى نتيجة جاءت من استطلاعات الرأى. هذا مؤشر خطير على مستوى جهل الأمريكيين، ومؤشر واضح على حجم الجهود التى يجب أن تصب فى توعيته. إنها مسؤولية العالم الإسلامى، دولاً ومؤسسات ورجال أعمال، فى تحسين صورة الإسلام ورفع الوعى.
الدستور الأمريكى يحظر على الحكومة التدخل فى المسائل المتعلقة بالدين والمعتقدات، لذلك لا يتم السؤال عن ديانة الشخص فى الإحصاءات الرسمية والتعداد الوطنى، فهل لديكم إحصاء تقريبى عن عدد المسلمين فى أمريكا وعدد المساجد المقامة فى الخمسين ولاية؟
إحصاءاتنا تشير إلى أنه يوجد فى الولايات المتحدة الأمريكية حوالى 8 ملايين مسلم، وعدد المساجد يزيد على الألفى مسجد، لكن نحن بحاجة إلى مؤسسات مجتمع مدنى ومؤسسات اجتماعية وثقافية وإعلامية أكثر مما هو موجود الآن، للتعاطى مع حالة الجهل المنتشرة فى المجتمع الأمريكى.
■ هل تعتبر أن اللوبى اليهودى واليمين المسيحى المتشدد وراء هذه النظرة المعادية للإسلام ؟
- لاشك أن الجمعيات الموالية لإسرائيل عملت بشكل كبير على مدى السنوات فى ترويج العداء للإسلام والثقافة ومساندة المعادين للإسلام واستقبالهم ومساعدتهم وتمويلهم. بل إن مؤسسات مراقبة الجهاد على سبيل المثال تدار من مؤسسة موالية لإسرائيل. كذلك الحال ينطبق على المؤسسات الأخرى، الجمعيات الموالية لإسرائيل تنظم لهم برامج لزيارات الولايات المتحدة.
■ هناك من يرى أن ما تتعرض له الأقلية المسلمة فى أمريكا لا يمثل شيئا مقارنة بما تتعرض له الأقليات الدينية الأخرى فى الدول الإسلامية.. فما رأيك؟
- لست خبيرا فى شؤون الأقليات غير المسلمة فى العالم العربى والإسلامى. نحن معنيون بالشأن الإسلامى على الساحة الأمريكية، والأرقام تدلل على ذلك. لكنى أيضا أدين الاضطهاد والظلم بغض النظر عن الدين. الإسلام بطبيعته قام على العدل وإذا كان ذوو القربى يسيئون معاملة غير المسلمين فهذا شيء يتنافى مع الإسلام ويجب أن ينتهى.
■ كيف ترى حجم القوة السياسية للجالية الإسلامية فى الولايات المتحدة، بمعنى هل يمكن أن ينظر الساسة الأمريكيون إلى الجالية الإسلامية يوماً باعتبارها قوة لها وزنها وتأثيرها فى موازين الانتخابات؟
- الوضع يتفاوت من ولاية إلى أخرى، ومن مدينة إلى أخرى. هناك ولايات بها حضور سياسى جيد للجالية الإسلامية وأخرى أقل. على سبيل المثال، هناك تجمع إسلامى قوى فى ولاية نيوجيرسى، وعمدة المدينة مسلم. هناك مسلمون أعضاء مجالس بلدية وفى الكونجرس المحلى مثل النواب المحليين، وهناك مسلمون فى مجلس النواب الأمريكى، وهناك أيضا مسلمون يعملون كمستشارين فى الإدارة الأمريكية. هناك مشاركة سياسية متزايدة من المسلمين فى الانتخابات، ونأمل أن يشعر كل مسلم فى الولايات المتحدة بأن له دوراً مهماً، حيث كل صوت له قوته.
■ صرحت فيما سبق بأن الإسلام أسرع الأديان انتشارا فى الولايات المتحدة.. كيف وما هى الإحصاءات التى تعتمدون عليها، خاصة أنه لا توجد جهة رسمية لرصد حالات التحول إلى الإسلام؟
- هذا تقليد فى الولايات المتحدة. لا توجد إحصائيات معتمدة، بعض المصادر الرسمية فى الإدارة الأمريكية ومؤسسات استطلاع الرأى تشير إلى أن الإسلام هو الدين الأسرع انتشارا فى الولايات المتحدة.
■ ما الذى تم إنجازه حتى الآن فى المشروع الذى تبنته «كير» لتوعية المجتمع الأمريكى بالإسلام وتوزيع نسخ من القران الكريم باللغة الإنجليزية.. وكيف كان رد الفعل من الشعب الأمريكى، وما هى الجهات التى تمول مثل هذه المشاريع؟
- أطلقنا عدة حملات إعلامية لتصحيح صورة الإسلام والمسلمين، وهى الآن بأشد الحاجة إلى دعمها وهى لن تنجح إلا بدعم المسلمين، وقد شاهدنا حتى الآن 12 مليون أمريكى ويجب أن يشاهدنا 300 مليون حتى يدركوا طبيعة ودور المسلمين الأمريكيين.
من جانب آخر أطلقنا حملة لتوزيع القران الكريم لصانعى القرار والمجتمع المدنى ونجد رد فعل طيباً من الشعب الأمريكى. والجهة التى تساندنا فى هذه الحملات هى دولة قطر، إضافة إلى أننا نعتمد على تبرعات ومشاركات المسلمين الأمريكيين، لكن معظم هذه الجهود تأتى من العالم الإسلامى بشكل عام.
ونجحنا فى حملة توزيع نسخ القران باللغة الانجليزية بنسبة 50% حيث وزعنا نسخاً إلى نصف المكتبات العامة الأمريكية فقط، ويجب أن نستمر للوصول إلى النصف الآخر. لهذه الخطة ميزانيتها المعتمدة والنسخ الموجودة للتوزيع ولكنها تحتاج إلى الدعم المالى.
■ ما الرسالة التى تريد توجيهها إلى العالمين العربى والإسلامى؟
- أريد أن أقول إن الساحة الأمريكية الآن تعد أهم ساحة فى العالم. إذا نجحنا فى نقل الصورة السمحة عن الإسلام هنا سينعكس ذلك على أوضاع المسلمين ورأى الأمريكيين فى الإسلام وإقدام الناس على الإسلام، وتصحيح سياسة الولايات المتحدة تجاه العالم الإسلامى.
وعندما يتم رفع ثقافة ووعى الناس بالإسلام واحترامهم له، ستخف حالة العداء وهى معادلة منطقية وعلمية. الشىء الآخر فى رسالتى أن المسلمين فى الولايات المتحدة ومؤسسة «كير» قادرون على إحداث فرق فى هذا الوعى، لكن شح الموارد وقلة الدعم هو التحدى الأكبر، بمعنى آخر لا يوجد أى مبرر لأى مسلم على وجه الأرض أن يتردد فى دعم مؤسستنا فى هذا الوقت العصيب.