حكومة نظيم شعراوى

الأحد 20-09-2009 23:00

نعيش فى وطن تنسب فيه الجرائم والحوادث إلى المختلين عقلياً وأعقاب السجائر والماس الكهربائى، وتنسب فيه الاحتجاجات إلى قلة مندسة غير واعية، ويهرب فيه المذنبون الكبار قبل محاكمتهم، نعيش فى وطن يهوى المسلسلات، وتحركه كرة القدم لكنه لا يتحرك عندما يقتل أهله أو عندما يسرق ماله، أو عندما تُداهمه الأوبئة فيما الحكومة تطمئنه بأن الأمر تحت السيطرة والمتابعة.

حسب آخر نشرة أصدرها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى يناير الماضى عن معدلات الوفاة عام 2007، فإن عدد الوفيات فى تلك السنة كان 450596 متوفى، وعرضت النشرة أسباب الموت وكانت كلها نتيجة أمراض باستثناء 3.2% وضعت تحت بند «أسباب أخرى».

ويعترف تقرير الجهاز بأن الأرقام قد تكون غير دقيقة بسبب عدم تسجيل الوفيات فى أحيان كثيرة، وما لم يذكره التقرير عن الأسباب الحقيقية للوفيات ما يمكن تسميته تقارير الوفاة المضروبة التى تصدرها المستشفيات مثل «هبوط حاد فى الدورة الدموية»، وهو التقرير الذى يدارى فى أوقات كثيرة وفيات تحدث بسبب أخطاء طبية فى المستشفيات أو عيادات الأطباء كحالات الموت أثناء الولادة أو العمليات الجراحية،

إذ يتعرض أهل الميت خصوصاً الفقراء منهم لابتزاز عاطفى من جانب بعض الأطباء الذين يحذرونهم من أن تدوين الحقيقة فى تقرير الوفاة سيفتح باب تشريح الجثة، وهو أمر ورثنا عن أجدادنا الفراعنة أنه إهانة وتمثيل بجثمان الفقيد الذى نحبه.

أقصد القول إن الرقم المذكور لا يمثل العدد الفعلى لوفياتنا ولا الأسباب المذكورة هى أسباب الوفاة، وبالقياس فإن عدد مصابى أنفلونزا الخنازير والطيور وقتلاهما ليس الرقم المعلن من جانب سلطات الدولة.

ولكى نكشف هذا ببساطة، نستطيع أن نعيد قراءة بيانات وزارة الصحة اليومية عن عدد مصابى أنفلونزا الخنازير مثلاً، إذ ترد فيها عبارة شبه ثابتة مثل «ارتفع عدد المصابين إلى كذا بينهم حالة مقبلة من الخارج وحالة مرتبطة وبائياً وحالة غير مرتبطة وبائياً»،

وهذا يعنى ببساطة أن أحد المصابين انتقلت إليه العدوى من شخص مصاب طليق ليس مسجلاً فى وزارة الصحة ولا فى مستشفياتها ومعاملها وبياناتها، ولم يتعاطَ عقار التاميفلو وربما مات بعدها بأيام - لا قدر الله - ودوّن فى تقرير وفاته: «مات بالسكتة القلبية» أو «مات لارتفاع مفاجئ فى ضغط الدم».

بيننا فى شوارعنا ومواصلاتنا وبلكوناتنا وقاعاتنا المغلقة حاملو فيروس طلقاء، وكلنا مشتبه فى إصابته، وكلنا فى انتظار إصابة من ذلك المجهول الذى لا تعرفه الوزارة ولن تعرفه مادامت تصر على ذكر نصف الحقيقة، مكتفية بالقول: «وظهرت إصابة غير مرتبطة وبائياً».

الحقيقة هى آخر شىء يمكن أن تعثر عليه هنا، وفى هذا الإطار يمكن قراءة البيان المقتضب الذى نشره مركز معلومات مجلس الوزراء، مؤخراً، لنفى ما قال إنه تردد عن وجود وفيات غير معلنة بمرض أنفلونزا الخنازير،

وهو البيان الذى يشبه إلى حد كبير مقولة الفنان نظيم شعراوى فى فيلم «النوم فى العسل» عندما كان يجسد دور وزير الصحة: «مالناش دعوة باللى بيتعالجوا برة مستشفياتنا»،

وبما أننا تعاقدنا على 5 ملايين مصل فقط دفعتها الأولى 80 ألفاً سيحصل عليها الأطباء والممرضون، فربما يخرج علينا الدكتور حاتم الجبلى ليقول لنا: «كل واحد يقف قدام المراية ويقول أنا كويس أنا زى البمب أنا زى الحديد».